عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ترزية العقود

تعرضت في مقال الأسبوع الماضي لعقد شاذ عقده اتحاد الاذاعة والتليفزيون مع لاعب الكرة السابق فاروق جعفر يسمح للاعب الكرة بالحصول علي مبالغ ضخمة من أموال الاتحاد حتي لو لم يؤد العمل الذي تم التعاقد معه لادائه.

ولأن موضوع العقود الشاذة ليست حالة خاصة بل كانت ظاهرة متفشية في مصر خلال عهد الرئيس المخلوع وكنت اتصور أنها ـ اي هذه الظاهرة ـ سوف تختفي بعد ثورة يناير لكنها عادت لتطل برأسها وبجرأة غريبة، من هنا فإن هذه الظاهرة تستحق وقفة موضوعية.
أولاً: يتولي صياغة هذه العقود مستشارون قانونيون للوزراء ورؤساء الهيئات والمؤسسات المملوكة للدولة، وهؤلاء المستشارون القانونيون منتدبون من مستشاري مجلس الدولة، أي أنهم علي درجة عالية من الكفاءة المهنية التي تمكنهم من صياغة العقود صياغة منضبطة بالبنود التي تضمن الحفاظ علي حقوق الوزارات والمؤسسات.
ثانياً: رغم ذلك فقد كشفت قضايا الفساد الكبري التي يتم تداولها بالمحاكم، كشفت عن إعداد هذه العقود بصياغات تسمح بإهدار ثروات مصر وتم اهدار المليارات من اموال الشعب نتيجة لتلك البنود الفاسدة التي سمحت بإهدار هذه المليارات.
ولا يتصور أي انسان أن حضرات المستشارين القانونيين الذين قاموا بصياغة هذه العقود لا يدكون مدي فسادهم، فهم يعلمون يقيناً مواطن الثغرات التي تسمح للمتعاقدين مع الوزارات والهيئات بنهب ثروات مصر بل وتمنح هؤلاء المتعاقدين فرصاً ذهبية لمقاضاة الحكومة أو للذهاب إلي التحكيم الدولي، في حال رأت الحكومة استرداد ما تم نهبه ونتيجة للثغرات التي وضعت بقصد يحصل المتعاقدون في هذه الحالة علي تعويضات بالمليارات قد تفوق ما كانوا سيحصلون عليه بالعقود الشاذة.
ثالثاً: في جميع الحالات التي كشف النقاب فيها عن مثل هذه العقود الفاسدة تم تقديم بعض المسئولين للمحاكمة، بينما لم نسمع أن المستشار القانوني الذي قام بصياغة هذا العقد أو ذاك تم تقديمه لنفس المحكمة بتهمة الاشتراك في عملية الفساد!
رابعاً: تحتاج هذه الحالة لوقفة جادة توقف هذه الظاهرة تماماً وتقضي عليها وفي نفس الوقت لابد من تقديم كل من قام بصياغة عقد فاسد من المستشارين القانونيين لمحاكمة عادلة للكشف عن مدي تورطه في صياغة هذه العقود الشاذة، وأتصور أن يحتاج هذا الحل لإجرائين:
1ـ الاجراء السريع لردع من تسول له نفسه الاستمرار في صياغة مثل هذه العقود وذلك بحصر القضايا التي فقدت فيها الدولة ثرواتها سواء بنهب استقرت أوضاعه أو بدفع تعويضات لمن تم استرداد ما تم نهبه، وتقديم كل من قام بصياغة هذه العقود للمحاكمة بتهمة الاشتراك في جريمة إهدار المال العام.
2ـ الاجراء الحاسم لمنع هذه الظاهرة يتطلب موقفاً من القضاة المطالبين باستقلال حقيقي للقضاء وهو اجراء أعرف أن عدداً كبيراً من القضاة ينادون باتخاذه وهو منع انتداب مستشاري مجلس الدولة للعمل كمستشارين قانونيين للوزراء ورؤساء الهيئات والمؤسسات الحكومية أو التابعة للقطاع العام وهذا الإجراء يحفظ للقضاة كرامتهم التي نحرص جميعاً عليها، ويبقيهم في مكانتهم المحترمة التي تحظي بتقدير خاص من جموع الشعب.
وهذا المنع لا يؤثر في حسن سير العمل في الشئون القانونية بالوزارات والهيئات والمؤسسات لأن الوزراء ورؤساء الهيئات والمؤسسات باستطاعتهم اختيار مستشارين قانونيين من المحامين اصحاب الخبرة في الامور التي تتطلب استشارات قانونية.
3ـ يجب أن تعود الامور الي نصابها الطبيعي بضرورة موافقة الجهة المختصة بمجلس

الدولة علي أي عقد تبرمه الوزارات أو الهيئات والمؤسسات العامة بعد مراجعته للاطمئنان علي انه خال من البنود الشاذة التي قد يستخدمها المتعاقدون لنهب المال العام أو للتهرب من التزاماتهم.
يبقي بعد ذلك حديث صريح آمل أن يتقبله السادة مستشارو مجلس الدولة المنتدبون للوزارات والهيئات بصدر رحب، فالقصد بهذا الحديث أن نتبين معاً الاسباب الموضوعية التي أفرزت هذه الحالة التي تفشت فيها ظاهرة العقود الفاسدة.
1ـ هدف هذه المصارحة هو الحفاظ علي هيبة وكرامة السادة المستشارين ولهم كل التقدير والاحترام.
2ـ أعلم أن الكثيرين أدوا عملهم بكل امانة وانهم رفضوا ضغوطاً «لتفصيل» عقود فاسدة لكنني اعلم ايضاً ويعلم الكثيرون ان البعض ـ مهما كانوا قلة ـ قد استسلموا للضغوط أو استجابوا للاغراءات وهي كثيرة فقاموا باستغلال خبراتهم بتفصيل عقود فاسدة ووضعوا فيها الكثير من البنود التي تستطيع مافيا الفساد أن تجد فيها سنداً قوياً للاستمرار في نهب ثروات مصر أو في الحصول علي تعويضات بمئات الملايين في حال حاولت الحكومة استرداد ما نهبوه.
3ـ تفنن الوزراء ورؤساء الهيئات والمؤسسات الراغبون في تسهيل نهب ثروات مصر لمافيا الفساد، تفننوا في تقديم الامتيازات المالية والعينية وشاركتهم مافيا الفساد في تقديم المزايا والاغراءات الكثيرة حتي يقوم هؤلاء المستشارون «بتفصيل العقود» بالطريقة التي تكفل لمافيا الفساد نهب ما شاء لهم نهمهم وطمعهم من ثروات مصر.
4ـ رغم أن العدد الذي رضخ لضغط أو ضغوط أو استسلم لاغراءات ليس كبيراً إلا أن مجرد وجود هذه القلة كفيل بإلقاء ظلال من الشك علي الجميع، كما أن ثبوت تورط القلة في مثل هذه الاعمال يصيب الجميع برذاذ من الشبهات.
5ـ يبرر البعض هذه الصياغة الفاسدة بأن الوزراء ورؤساء الهيئات والمؤسسات يبدون رغبتهم في صياغة العقود علي هذا النحو الفاسد وانهم مجرد منفذين لرغبات الوزراء ورؤساء الهيئات.
وهذا عذر أقبح من ذنب، فالمستشارون القانونيون مؤتمنون علي المصلحة العامة وواجبهم رفض تنفيذ رغبات تهدر المال العام وتقديم النصح لهم بعدم ابرام مثل هذه العقود وفي حالة اصرارهم ـ أي الوزراء ورؤساء الهيئات ـ فالحل بسيط وهو ترك العمل بهذه الوزارات والهيئات والعودة الي اماكنهم الطبيعية في مجلس الدولة.