رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الكاتب الكبير عباس الطرابيلى: هوية الأمة المصرية.. تأسست مع حزب الوفد

الكاتب الكبير عباس
الكاتب الكبير عباس الطرابيلى

فكرة التوكيلات للزعماء الثلاثة لا مثيل لها فى السياسة العالمية

خبر اعتقال سعد زغلول ورفاقه أشعل مصر كلها

ثورة 1919 نشأت على ثوابت ليبرالية.. والطلبة كانوا وقودها

ضباط يوليو روجوا لشائعة «الأسلحة الفاسدة» بهدف تدمير الوفد

من 1919 إلى 1952.. أعظم فترة فى تاريخ النضال السياسى المصرى

«سراج الدين» رفض سلفة للملك لإصلاح يختين

الصحافة قرعت الطبول الأولى لتشكيل وعى المصريين

 

«مائة عام مرت على أعظم فترات فى تاريخ النضال السياسى المصري، التى بدأت بتشكيل الوعى القومى فى ثورة 1919»، هذا ما قاله الكاتب والمؤرخ الكبير عباس الطرابيلى فى حواره مع «الوفد»، حيث أكد أن خصوصية الأمة المصرية نشأت بالتزامن مع نشأة حزب الوفد، وأن خبر اعتقال سعد زغلول ورفاقه، زلزل مصر من شرقها لغربها، وبدأ الشعب المصرى معركة التوكيلات التى لم يوجد لها مثيل، حيث إنها أول حدث يشهده العالم كله.

وأكد أن جميع الثورات والحركات الوطنية اعتمدت على الطلبة أبناء الطبقة المتوسطة والذين كانوا وقود ثورة 19، التى ظهرت خلالها الصحافة المصرية فكانت الطبول الأولى التى غرد فيها زعماء الحركة الوطنية فى مصر، وفى وجود الأغلبية الكاسحة لصحف الوفد ما جعلها الأولى على جرائد الأهرام والمقطم.

وأضاف «الطرابيلى» أنه منذ ثورة 19 حتى 1952 كانت أعظم فترة فى تاريخ النضال والكفاح السياسى الوطنى، وأن ثورة 19 اندلعت على أسس الليبرالية، مضيفاً أن هذه الليبرالية جعلت فؤاد سراج الدين وزير المالية حينها يرفض طلب سلفة للملك لتصليح يختى «المحروسة» و«فخر البحار».

عن تاريخ ومبادئ الوفد، يفتح «الطرابيلى» قلبه فى هذا الحوار:

< ما="" الذى="" تمثله="" ثورة="" 19="" فى="" تاريخ="" مصر="">

- أولاً سأكرر ما قاله اللورد كرومر أشهر معتمد بريطانى فى مصر، عندما تم الاحتلال البريطانى وارتفع العلم الإنجليزى على القلعة وعلى ثكنات قصر النيل قال الخبراء وخاصة الإنجليز منهم: أمام المصريين نصف قرن من الزمان حتى يستيقظوا من جديد، لكن فوجئ الإنجليز قبل غيرهم بأمرين: أن مصر استيقظت بعد ساعات من إيقاف الحرب العالمية الأولى وخروج بريطانيا أكبر منتصر منها، ولم يخش الشعب المصرى أن يواجه أكبر قوة عسكرية فى ذلك الزمان بثورة 1919، والمفاجأة الثانية أنها قامت قبل أن يمضى 20 سنة على الاحتلال.

< كيف="" استيقظت="" النخوة="">

- بعض المصريين لا يعرفون أن أحمد لطفى السيد هو أول من قال «إن مصر للمصريين» وكان ذلك فى جريدة «الجريدة» التى رأس تحريرها 1908، وهذه الفترة هى بداية اليقظة المصرية، ولا نتجاهل دور مصطفى كامل الخطابى، ثم عندما تطور لجأ إلى الصحافة وجريدتى «اللواء» و«الجريدة»، والصحافة فى بداية تاريخها الحديث كانت العنصر الأساسى فى تحريك الشعور الوطنى لدى المصريين، رغم أن جزءاً منها أو معظمها فى مصر كان شامياً مثل «الأهرام» و«المقطم» و«المقتطف» وكثير من الصحف والمجلات حتى الفن والمسرح، إذاً الصحافة كانت الطبول الأولى التى غرد من خلالها زعماء الحركة الوطنية فى مصر.

< ولماذا="" قال="" سعد="" زغلول="" قوله="" المأثور="" «نحتاج="">

- سعد زغلول قال هذا لأنه كان يحتاج سبباً حتى يتحرك الشعب أكثر، ما بين 13 نوفمبر 1918، ويوم 8 مارس 1919، حيث كان يوجد شد وجذب وأخذ وعطاء بين السلطة البريطانية القادرة والقصر الملكى الذى كان متمثلاً فى أحمد فؤاد الذى جاء سلطاناً بعد وفاة حسين كامل عام 1917، وتلك الفترة شهدت نشأة فكرة الوفد الذى توفده الأمة ليتفاوض مع الإنجليز ليعرض قضية مصر على المجتمعين فى باريس عند بداية نشأة عصبة الأمم المتحدة، فقال لهم السير وينجت وهو رجل مخابرات وكان حاكم عام السودان ورئيس المخابرات فى مصر والسودان: أنتم تمثلون من؟ فانتفض سعد زغلول وعلى شعراوى وكلاهما كانا عضوين فى الجمعية التشريعية، بل المدهش أن سعد زغلول كان منتخباً فى دائرتين أعتقد أنهما السيدة زينب وبولاق الدكرور، وهنا نشأت معركة التوكيلات وهى أول حدث يشهده العالم كله ولم يوجد له مثيل، حيث تؤكد التوكيلات أن الشعب المصرى فوض سعد زغلول ورفاقه أن يعبروا ويتكلموا بلسان الأمة المصرية، حتى هذه اللحظة لم يكن تعبير الأمة المصرية قد ظهر وهذه كانت بداية نشوء قومية جديدة وحركة جديدة وهى الحركة المصرية، ونشأة الأمة المصرية جاءت بالتزامن مع نشأة حزب الوفد، وتبلورت الأمة المصرية وحدث شد وجذب مع المحتل الغاشم الذى لم يجد إلا أن يقوم بنفى سعد زغلول ومجموعة من زملائه يوم 8 مارس 1919، وهنا جاءت القارعة التى قال عنها سعد زغلول ولم يكن يوجد أى تواصل تكنولوجى بين الناس إنترنت أو سوشال ميديا أو موبايلات حتى يعرف الشعب أن سعد زغلول اعتقل هو ورفاقه، ونقلوا إلى فندق سافوى على ناصية شارعى سليمان باشا قصر النيل.

وصباح اليوم الثانى نقلوا إلى بورسعيد وحملتهم السفن إلى المنفى فى جزيرة مالطا، وحينها لعبت الصحافة الدور الأساسى حتى تعرف مصر كلها من الإسكندرية إلى أسوان خبر اعتقال سعد زغلول ورفاقه، خبر قلب الدنيا نشر فى «المقطم» و«الأهرام» و«الجريدة» فتحولت الأمة وجاءت القارعة التى تمناها سعد زغلول وتحركت الجماهير، بعد أن عانت طوال سنوات الحرب العالمية الأربع، حيث تم أسر مليونى مصرى وإجبارهم على العمل فى المعسكرات البريطانية خاصة فى مد خط السكة الحديد بين القنطرة شرق وبين فلسطين، والمساعدة فى تحرك الجيش الإنجليزى لمواجهة الجيش العثمانى فى فلسطين، وحينها حولت أنقرة بعض القوات إلى سيناء ومدينة القنطرة حتى تغزو مصر مرة أخرى ولكن المصريين هم الذين تصدوا لهم وأغرقوهم فى مياه البحر المتوسط وأوقفوا إعادة الغزو العثمانى إلى مصر مرة أخرى بقيادة اثنين ملازمين.. وهذا ما جعل المصريين يغنون فى الحقول على لسان الأمهات «بلدى يا بلدى السلطة أخدت ولدى»، وانتشر هذا الغناء ولحنه بعد ذلك سيد درويش، وبما أن الصحافة كانت السبب فى نقل الخبر الذى كان سبباً فى تحرك الجماهير، فهذا ما جعل سعد زغلول ومصطفى النحاس يعتمدان على الصحافة، ومن هنا فطن الوفد لدور الصحافة وعمل على إصدار العديد من الصحف أو احتواء بعضها أو شراء بعض منها.

< وما="" الصحف="" والمجلات="" التى="" كانت="" تتبع="" حزب="">

- أول ما سعى إليه الوفد من جرائد كانت جريدة «الجهاد» لصاحبها محمد توفيق دياب، تليها جريدة «البلاغ» لصاحبها عبدالقادر باشا حمزة، الذى كتب تحت الترويسة «لسان حال حزب الوفد» ثم إن «روزاليوسف» بدايتها كانت وفدية إلى أن أصبحت فى عداء شديد للوفد بعد وفاة سعد باشا زغلول، ثم سعى الوفد لإنشاء صحف لكبار الكتاب بجانب الصحف التى كانت موجودة.. الوفد كان يحتاج إلى إنشاء الصحافة الخاصة به واتجه إلى جريدة «المصرى» وكان يمتلكها محمود أبوالفتح ومحمد التابعى أشهر صحفى فى تلك الفترة وكريم ثابت وبدأت «المصرى» تواجه مشاكل مالية واشترى الوفد حصة محمد التابعى وكريم ثابت وشارك محمود أبوالفتح فى ملكيتها، وكان يوجد مكتب لحزب الوفد فى مقر الجريدة بشارع قصر العينى وأصبحت جريدة «المصرى» هى لسان حزب الوفد، وكان يوجد «صوت الأمة» التى أنشأها عدلى المولد ثم الصحف التى أنشأها ياسين سراج الدين الأخ الثالث للزعيم فؤاد سراج الدين، إذاً اعتمد الوفد على الصحافة فى تصدير أفكاره وللتصدى بالرد على صحف أحزاب الأقليات، خاصة أن الوفد لم يستمر فى السلطة منذ 1924 وحتى يناير 1952 غير سبع سنوات ونصف، وبالتالى كان يحتاج إلى من يسانده حتى تستمر شرارة النضال السياسى، وبسبب وجود أغلبية كاسحة لصحف الوفد أصبحت هى الأولى على جرائد «الأهرام» و«المقطم» وغيرهما من الصحف.

< ولماذا="" كانت="" تتم="" إقالة="" حكومات="">

- أولاً بسبب تجبر القصر الملكى، ثانياً لتعثر المفاوضات حول الجلاء، ثالثاً لرفض الوفد التخلى عن السودان، حيث رفض سعد زغلول التخلى عن السودان بعد مقتل السيردار سرداك 1924، والنحاس باشا رفض التخلى عن السودان فى أكتوبر 1944 وتمت الإقالة فى اليوم الثانى لصدور ميثاق الجامعة العربية التى نشأت فى حضن حزب الوفد.

< من="" هم="" أبرز="" الكتاب="" الصحفيين="" فى="" تلك="">

- كان عباس محمود العقاد، ومحمد التابعى، وأحمد أمين، وتوفيق دياب، ومحمود أبوالفتح، وعبدالقادر باشا حمزة، وفكرى أباظة الذى بدأ حياته زجالاً، الغريب أن جميع صحف الوفد لم تهتم بالشخصيات الوفدية، بل كانت تهتم بأخبار الناس والوطن.

< لماذا="" قال="" البعض="" عن="" ثورة="" 19="" إنها="">

- الإنجليز والخديو توفيق أطلقوا على ثورة عرابى هوجة حتى يقللوا من قيمتها، وبالتالى من يرد التقليل من ثورة 19 يدعى أنها كانت هوجة، رغم أن مصر كلها كانت وفدية، وكانت توجد أقلية غنية والأغلبية فقراء، والطبقة المتوسطة قليلة العدد، رغم أن جميع الثورات والحركات الوطنية، اعتمدت على الطلبة الذين كانوا وقود ثورة 19، وهم من الطبقة الوسطى، التى وقفت مع عرابى ومصطفى كامل ومحمد فريد ولكنها ظهرت بنشاط أكبر فى ثورة 19، رغم أن أول من فكر فى الذهاب إلى باريس للمشاركة فى مباحثات السلام كان الأمير عمر طوسون وهو من العائلة الملكية، ولكنه كان رجلاً وطنياً وقومياً عظيماً.

< هل="" حققت="" ثورة="" 19="">

- دائماً فى الثورات تنشأ طبقة طفيلية تستفيد فى الأزمات وتحاول توجيه الدفة لصالحها لتجنى ثمارها، ورغم هذا ظهر طلعت حرب فى طليعة الزعماء الاقتصاديين الذين رافقوا وزاملوا ثوار 19 وانفرد هو بفكرة التصنيع المصرى الذى كان أحد أهداف الثورة، وهذا جانب مضىء من جوانب الثورة.

* ماذا جنت الفترة الليبرالية فى تلك الفترة؟

- تلك الفترة كانت الثقافة تتجه غرباً نحو أوروبا، ومصر أخذت من الثورة الفرنسية القدرة على بناء مجتمع ليبرالى وأخذت من المجتمع الإنجليزى بناء مجتمع برلمانى والجمعية العمومية الفرنسية هى الأفضل فى أوروبا ومجلس العموم البريطانى هو الأعظم فى العالم تاريخياً فأخذنا من الدولتين أساس الليبرالية فى مصر، رغم أن دستور 23 أنشأ صراعاً رهيباً بين الملك فؤاد وسعد زغلول حول تعيين أعضاء مجلس الشيوخ ودستور 23 كان أعظم ما فيه أنه قلل من سلطات الملك وأعطاها للحكومة، ولم يجد سعد زغلول إلا رئيس المحكمة العليا المختلطة وكان بلجيكياً وسأله: من له السلطة فى تعيين أعضاء مجلس الشيوخ؟.. وبعد 3 أو 4 أيام ذهب إلى الملك وقال له: هل تقبل حكمى؟ وقال الملك نعم وقال له رئيس المحكمة: هذا من سلطة الحكومة أنت تملك ولا تحكم ولكن تحكم من خلال حكومتك والحكومة هى المخولة بالتعيين، وهذه الفترة الليبرالية ولكن ما يلفت النظر أن أحزاب الأقلية حاربتها، ولذلك ألقى على أحزاب الأقلية كلها بلا استثناء تأخير تحقيق الجلاء البريطانى لدعمها لوجود الإنجليز وارتمائها فى أحضانهم، وهذه الأحزاب كانت لطمة شديدة فى تاريخ النضال القومى لمصرى.

* هل كانت فترة ليبرالية أم كانت ليبرالية حزب الوفد؟

- كانت فترة ليبرالية يقودها ويدعمها حزب الوفد، والفترة من 1950 وحتى 1952، تعتبر قمة الليبرالية وقمة حرية الصحافة وكان يوجد نواب فى البرلمان الوفدى سنة 1950 عارضوا النحاس رئيس الحكومة والوفد، وفؤاد سراج الدين الذى كان سكرتير عام الحزب، ووزيراً للمالية والداخلية بحجة خروجهما على معنى حق الأمة فى النيابة، لأن الملك فاروق عانى من المظاهرات التى خرجت تهتف ضده وضد أمه الملكة نازلى: على أنقرة يا بن المرة.. على أمريكا يا بن ماريكا.. على قوله يا بن الـ(....) وكنت فى المرحلة الثانوية واشتركت فى هذه المظاهرات أواخر الأربعينيات وأوائل الخمسينيات، وبالتالى تلك الفترة شديدة الثراء فى التاريخ السياسى المصري، وكان فؤاد سراج الدين يريد تهدئة اللعب مع الملك، لأنه كان يعرف أن النحاس سيلغى معاهدة 36 ويريد تأجيل الصدام بين الملك والوفد، فوافق على اقتراح الملك بسن مشروع قانون لمنع سب الذات الملكية، وطلب من إسطفان باسيلى نائب الوفد تبنى الفكرة فى البرلمان، فتصدى له أحمد أبوالفتح فى الصحافة، وعزيز بك فهمى فى البرلمان، ووالده هو رئيس مجلس النواب، وغيرهم هنا وهناك وبدأ البرلمان الوفدى والإعلام الوفدى يهاجم الفكرة.. فهل يوجد ليبرالية أعظم من هذه، بل إن حزب الوفد سمح بانتقاده من الوفديين وغير الوفديين كما حدث فى الكتاب الأسود الذى أصدره مكرم عبيد وجلال الدين الحمامصى بناء على اقتراح أحمد حسين باشا رئيس الديوان الملكى، وهذه هى ثمار الفترة الليبرالية فى تلك الفترة.

* وما أبرز الاتهامات التى جاءت فى الكتاب الأسود؟

- عندما كانت تأتى أى حكومة بعد حكومات الوفد، كانت تفصل الموظفين الوفديين أو تنقلهم وتمثل بهم، وفور عودة حكومة الوفد كانت تأمر بعودتهم وترجع لهم حقوقهم المالية والإدارية والدرجات الوظيفية.. التهمة الثانية هى استغلال النحاس باشا لتليفون وزارة الخارجية ليسأل عبدالفتاح عمرو سفير مصر فى إنجلترا عن جاكت فرو لزوجته زينب هانم الوكيل كانت اشترته من مالها والنحاس باشا دفع جمارك الجاكت.. التهمة الثالثة عن الأسلحة الفاسدة رغم أنه أثبت عدم وجود أسلحة فاسدة، ورغم أن ثوار يوليو نفوا وجود أسلحة فاسدة ولكنهم استغلوا هذه القضية لتدمير الوفد الذى لم يكن فى السلطة 1948 بل كانت حكومة النقراشى، ولكن «روزاليوسف» مالت فى عدائها ضد الوفد وورَّثت هذا العداء إلى إحسان عبدالقدوس.

* ما الصحف التى كانت توالى الملك؟

- هذه الصحف تقسم لثلاث شرائح، صحف حيادية منها «الأهرام» و«دار الهلال» لأن ملاكهما كانوا شواماً ولهذا استمرت وظلت مستمرة، وصحف تلعب على الحبلين لتراعى مصالحها، وكانت «اللطائف المصورة» و«المقطم» معبرتين عن رأى الإنجليز فى مصر ولهذا كانت جريدة «المصرى» تكتسح، ثم «روزاليوسف»

اختلفت بدأت وفدية وانتهت ضد الوفد.

< هل="" الانشقاقات="" السياسية="" كان="" تتبعها="" انشقاقات="">

- بعض الصحفيين الوفديين انشقوا بعد انشقاق أحمد ماهر والنقراشى، وكان الانشقاق الأكثر قسوة بعد انشقاق ثورة 19، وتشكيل حزب الأحرار الدستوريين وكانا من زعماء الشباب فى ثورة 19، والغريب أن كليهما قتل بيد الإرهاب، ثم الانشقاق الثالث لمكرم عبيد لأنه كان أطول سكرتير عام فى الوفد منذ وفاة سعد زغلول عام 1927، وأصبح مكرم عبيد سكرتيراً عاماً للوفد إلى أن جاء الانشقاق وتم تعديل الحكومة وأخرج منها مكرم كوزير المالية فانشق وأصدر «الكتاب الأسود»، وبالفعل أى انشقاق سياسى نتج عنه انشقاق فى الصحافة وفى الانشقاق الأخير وتشكيل الكتلة السعدية انشق معه الصحفيان جمال حافظ وأحمد قاسم جودة، وصحيفة «الجمهور المصرى» لأبوالخير نجيب الذى كشف عن الشيك الذى أصدره جمال عبدالناصر إلى صاوى أحمد صاوى رئيس عمال هيئة النقل العام للخروج فى مظاهرات 1954، التى هتفت ضد الديمقراطية وضد المثقفين، وأصبح لكل حزب من هذه الأحزاب صحف خاصة مثل «الأساس» و«الزمان»، إنما يبقى أن الصحافة الوفدية كانت تمثل الليبرالية فى مصر.

< هل="" بالفعل="" كانت="" توجد="" مصروفات="" سرية="" للصحف="" قبل="">

- كانت توجد مصروفات سرية، وأى حكومة أقلية تريد السيطرة على إدارة المطبوعات فى وزارة الداخلية، وكان يشترط أن يكون رئيس الوزراء هو أيضاً وزير الداخلية حتى يسيطر على أمور النشر، والمفاجأة أن إحسان عبدالقدوس من أشهر من أضيف اسمه إلى كشف المصروفات السرية، إلا إذا كان هذا محاولة من صلاح سالم عضو مجلس قيادة الثورة الذى نشر قائمة المصروفات فى محاولة منه لهدم كل من قبله.

< هل="" كانت="" توجد="" خطوط="" حمراء="" فى="">

- الفترة بين 1944 وحتى 1950 كانت صعبة على الشعب، والدليل أن الشعب أعطى الوفد أغلبية كاسحة فى انتخابات 1950 لأنه عانى من تمزق سياسى رهيب من حكومات صدقى وغيرها من حكومات الأقليات، ولكن من 1950 وحتى 1952، لم يكن توجد خطوط حمراء فى النشر نهائياً، ومصطفى أمين كلفنى فى بداية عملى فى «أخبار اليوم» بأن أبحث فى كل الصحف القديمة فى دار الوثائق بالقلعة ولم أجد خطوطاً حمراء ولكن حكومة على ماهر فى 27 يناير 1952 هى التى وضعت هذه القوانين لتحقيق 3 أهداف هى تحجيم حكومة الوفد، ثم إيقاف العمل الفدائى، وتأجيل البحث فى جلاء الإنجليز عن مصر وبالفعل تم اعتقال عدد كبير من الفدائيين فى منطقة القنال وأنا كنت شايل السلاح فى منطقة القنال.

< ما="" أثر="" الصحافة="" فى="" حركة="" الأدب="" بشكل="">

- الصحافة والأدب متلازمان و«الأهرام» طوال القرن العشرين كانت تنشر قصائد شعرية فى صفحتها الأولى، وكان البارع منها من يتعاقد مع كبار الأدباء مثل أحمد أمين وأحمد حسن الزيات والعقاد وأحمد لطفى السيد، وزكى عبدالقادر وجزء كبير من رؤساء التحرير كانوا أدباء.

< وما="" أثر="" الصحافة="" فى="" بلورة="" الوعى="" السياسى="">

- زمان كان معظم الجيل يقرأ كثيراً وهذا كان ينعكس على السلوك العام، وكانت الكتب والمجلات كثيرة مثل «الرسالة» و«سلسلة كتابى» و«دار المعارف» و«سلسلة اقرأ» ومجلات «الجيب» و«البعكوكة» التى كانت تشتهر بالنكت السياسية، وأذكر غلاف مجلة روزاليوسف رسم عليه حذاء إنجليزى والنحاس باشا رئيس الوزراء يلمعها وهذا كان قمة العداء من «روزاليوسف» نحو النحاس باشا، لأن الجالس كان الملك ولم يتحرك أحد ليصادر المجلة، فقد كانت تلك الفترة أفضل فترات الليبرالية.

< لماذا="" يتهمها="" البعض="" بأنها="" كانت="" صحافة="">

- لا أنكر ولكنه اتهام مبالغ فيه ولكننى أراها أعظم فترة فى تاريخ النضال السياسى المصرى وكل فترة فيها، وفيها مثلاً يونس القاضى الذى ألف النشيد الوطنى المصرى «بلادى بلادى» هو الذى ألف الأغنية الخليعة «إرخى الستارة اللى فى ريحنا لأحسن جيرانك تجرحنا».

< وما="" أشهر="" القضايا="" التى="" أثارتها="" الصحافة="" فى="" تلك="">

- مصرع أمين عثمان و«الكتاب الأسود» هما أشهر القضايا التى تناولتها الصحافة، لأن فضائح الملك لم تكن تنشر وتتداول على لسان الناس، ثم نشر رفض وزير المالية فؤاد سراج الدين، طلب سلفة الملك من الحكومة لتصليح يخت المحروسة وفخر البحار، وأواخر الأربعينات نشر مشروع تطوير الأزهر، والحكومة أوقفت المشروع فقيل إن الملك يرفض التطوير، فقال الشيخ عبدالمجيد سليم شيخ الأزهر كلمة خطيرة «تقتير هنا وإسراف هناك» يقصد أن الملك يُسرف فى الخارج ويبخل على المصريين.. ثم كانت معاهدة 36 التى هاجمتها صحف أحزاب الأقليات لأن النحاس باشا أصر على أن الحكومة التى توقع عليها تكون ائتلافية قومية، وأنها كانت خطوة فى جلاء القوات البريطانية، ثم ألغت تحديد عدد القوات المسلحة المصرية، وحينها دخل الكلية الحربية عدد من الطبقات الفقيرة والكادحة وهم الذين انقلبوا على الملك فى 23 يوليو 1952.

* ولماذا وصف البعض صحافة تلك الفترة بأنها كانت تحمل سيفاً لا قلماً؟

- أنا مع هذا التعبير لأن المناخ كان يحتاج صراعاً ونضالاً وطنياً، وهذا يحتاج إلى الشدة والسيف وبالفعل تحولت الكلمة إلى سيف، وهذا كان مطلوباً وليس ضد المرحلة.

* يوجد اتهام لصحافة ثورة 19 بأنها فشلت فى إيجاد حراك اجتماعى ونجحت فى الحراك الثقافى والسياسى؟

- بالعكس بل أرى أن ثمار ثورة 19 هى إحياء للمشروع المصرى بإنشاء دولة متكاملة الأركان، حيث كان المجتمع خارج من عباءة الاحتلال العثمانى بفرض الحماية البريطانية 1914، وكان بداية نشأة القومية أو الأمة المصرية، وهو المجتمع الجديد فهل هذا يفصل بين الأدب والسياسة والثقافة والصحافة؟.. بالطبع لا لأنها عناصر ضرورية لنشأة المجتمع الجديد، والنجاح السياسى ينتج عنه نجاح اقتصادى وينتج عنه نجاح أدبى ثقافي، ثم إن مصر حصلت على لقب أمير الشعراء لأحمد شوقى فى بداية الثلاثينات أليس هذا حراكاً ثقافياً؟

* متى انتهت حرية الصحافة؟

- فى بداية حكم جمال عبدالناصر اهتم بالصحافة، حيث أصدر صحفاً باسمه تُعبر عن ثورة يوليو 1952 منها مجلة «التحرير»، وفى 7 ديسمبر 1952 حصل عبدالناصر باسمه على تصريح بإصدار جريدة الجمهورية والرسالة الجديدة، ثم مجلة بناء الوطن، وكان أمين شاكر رئيس تحريرها الذى أصبح رئيس مجلس إدارة أخبار اليوم بعد التأميم، ثم أصدر صلاح سالم جريدة الشعب، وهذا معناه أنهم يصدرون جرائد تُعبر عن رأيهم، وبدأت نهاية حرية الصحافة.

* وما أبرز القضايا التى جعلت عبدالناصر يلجأ إلى تأميم الصحافة؟

- زيادة حجم وبشاعة دور الرقيب الصحفى وأنا فى الأخبار كان المكتب المجاور لى مكتب الرقيب، ثم فى مايو 1960 هربت سيدة جميلة جداً تدعى تاتا زكى، وكان «عبدالناصر» أخذ «هيكل» من أخر ساعة وأخبار اليوم وعينه فى الأهرام وبدأ يستحوذ على أهم الأخبار السياسية إلى أن أصبح صوت عبدالناصر، وجاء هروب تاتا زكى من زوجها وعائلتها ولجأت إلى عبدالسلام داود الصحفى فى أخبار اليوم وحجز لها فى هيلتون النيل، وبدأت الناس تتساءل أين تاتا زكي، وظهر بعد ذلك أن أحد أقرباء الصحفى وكان من ضباط أمن الدولة حينها يريد أن يتزوجها والقضية شغلت الناس عن القضايا السياسية التى كان يسعى إليها عبدالناصر، وسبب آخر وهو قضية الشيخين «الفيل» و«سيف» وكانا قاضيين فى القضاء الشرعى واتهما فى قضية رشوة جنسية ليحكما بالطلاق، واستغل عبدالناصر قضيتهما ليحصل على تعاطف الناس ويلغى القضاء الشرعي، ويضع يده على أموال الأوقاف الأهلية التى تؤول للدولة، وكل هذا شد القراء عن «الأهرام»، ونحن طلبة فى قسم الصحافة فوجئنا بمجموعة أكثر من 30 فرداً من ضباط المخابرات التحقوا معنا فى قسم الصحافة 57 :58 وهذا كان بداية تفكير عبدالناصر فى تأميم الصحافة بما أنه كان يعين رؤساء التحرير وكل رئيس تحرير يخاف على كرسيه فبدأ يعين رقباء، ووصل من بشاعة الرقابة أنها جعلت الصحافة المصرية بصوت واحد هو صوت السلطة، أذكر هنا بعد التأميم فى اجتماع يوم الجمعة كان اجتماعاً أسبوعياً يعقده مصطفى أمين للصحفيين وكان يقول لا يوجد لدينا مصدر للأخبار السياسية لأنها تخضع للرقابة، ونحن فى احتياج لأن ننشر أخباراً للناس عن الأكل والشرب والمعيشة وكلفنى بالذهاب إلى أسواق روض الفرج والعتبة وبابا اللوق وأعطيه عمود أخبار صغيرة عن أسعار الخضراوات والفاكهة، وهذه الفكرة جذبت قراء عديدين لا يهمهم أخبار عبدالناصر.

* وما نتيجة التغول على حرية الصحافة وتكميمها؟

- النتيجة كانت كارثية على مصر وشعبها الذى ظل غائباً عما يدور من أحداث إلى أن وقعت كارثة يونيه 67 واستيقظ الجميع على الكارثة، وكان عبدالناصر أمم كل شيء فى مصر صحافة وإعلام وصناعة وتجارة، ولم يترك شيئاً إلا وأممه، وهذه كانت جريمته الكبرى، تماماً كما أمم بنك مصر والبنك الأهلي وهما بنكان مصريان، والمدهش والمحير أن الذين أضيروا من التأميم هم الذين اتفقوا عليه، وهم أول الذين قدموه للناس ودفعوا به للمقدمة مثل إحسان عبدالقدوس وأحمد أبوالفتح الذى سجنه وصادر جريدته، وهذا ما جعلنا نقارن بين عصر الليبرالية قبل يوليو وبين عصر الدكتاتورية ما بعد 1952.