رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

«الوفد» تزور أسرة الإمام عبدالحليم محمود

شيخ المتصوفين
شيخ المتصوفين

شيخ الأزهر الأسبق قدم استقالته احتجاجًا على قرارات «السادات»

 

الإمام عبدالحليم محمود، شيخ الأزهر الأسبق، واحد من هؤلاء الذين جمعوا بين الفقه والفلسفة والتصوف وعلوم التزكية ومحاسبة النفس، وسخّر كل هذا لخدمة دينه ونصرة أمته. هو أستاذ الفلسفة الإسلامية والمفتى، صاحب المئات من الفتاوى التى ناقشت كل قضايا العصر.

 

ومؤرخ التصوف الذى كتب العشرات من المؤلفات الثرية حول التصوف ورجالاته، فهو شخصية «بانورامية» تعددت اتجاهاته، إضافة إلى كونه شيخ الأزهر الشريف الذى تقلد هذا المنصب فى ظروف بالغة الحرج، بعد مرور أكثر من (10) سنوات على صدور قانون الأزهر الشريف سنة 1381هـ - 1961م الذى توسع فى التعليم المدنى ومعاهده العليا وألغى جماعة كبار العلماء وقلص سلطات شيخ الأزهر وغل يده فى إدارة شئونه وأعطاها لوزير الأوقاف وشئون الأزهر لتبدأ رحلة الإمام فى الإصلاح.

«الوفد» تزور أسرة الإمام عبدالحليم محمود

«الوفد» احتفت بالذكرى السنوية لفضيلة الإمام الراحل الدكتور عبدالحليم محمود، شيخ الأزهر الأسبق، فى مسقط رأسه بقرية «أبوأحمد» فى ضواحى مدينة بلبيس بمحافظة الشرقية وسط أسرته وأحفاده وهذا نص اللقاء:

 

فى البداية، يقول حسين محمد عبدالحليم محمود، حفيد الإمام وهو أيضاً حفيد الدكتور محمد حسين هيكل جده لأمه الدكتورة فايزة هيكل أستاذ علم المصريات حالياً: ولد جدى الإمام عبدالحليم محمود فى قرية «أبوأحمد» فى مدينة بلبيس بمحافظة الشرقية فى 2 جمادى الأولى 1328هـ – 12 من مايو 1910م، ونشأ فى أسرة مشهورة بالصلاح والتقوى وتمسكها بشعائر الإسلام، وكان والده الشيخ محمود على من الشغوفين بالثقافة الدينية فى حلقات الأزهر العلمية، وكان يتمنى أن يستكمل دراسته بها، لكن وفاة والده الشيخ على اضطرته للعودة لقريته لرعاية أسرته، فترك الأزهر وقلبه معلق به، وكان يتمنى أن يرزقه الله طفلاً يستكمل به ما فاته من الدراسة حتى رزقه الله بابنه «عبدالحليم»، فألحقه والده بكتاب القرية حتى حفظ القرآن الكريم كله فى وقت قصير، ثم ألحقه والده بالأزهر الشريف عام 1923م تحقيقاً للأمل الذى كان يصبو إليه، وتنقل بين حلقاته، ولما أنشئ معهد الزقازيق الدينى الأزهرى بالشرقية سنة 1925م ألحقه والده به، وفى الزقازيق تم افتتاح معهد مسائى للمعلمين فتهافت عليه طلبة معهد الزقازيق، حيث رأوا فيه فرصة سانحة لاختصار سنوات الدراسة الطويلة بالأزهر، والحصول على عمل مدرس بالمدارس الأولية فى زمن قصير، فالتحق الطالب «عبدالحليم» ومعه كثير من زملائه بمعهد المعلمين، ولم يترك دراسته بالمعهد الدينى، بل جمع بين الدراستين ونجح فى المعهدين، ووصل إليه خطاب تعيينه مدرسًا ولكن والده رفض قبول هذا التعيين لأنه كان يعد ابنه لمستقبل أفضل، وعاد الإمام «عبدالحليم» إلى الأزهر لتحقيق ما يصبو إليه والده حتى أكمل دراسته وحصل على الشهادة العالمية سنة 1932م ثم سافر إلى فرنسا لاستكمال تعليمه على نفقته الخاصة، ونجح فى الحصول على درجة الدكتوراه فى التصوف الإسلامى عن «الحارث المحاسبى» فى سنة 1940م.

«الوفد» تزور أسرة الإمام عبدالحليم محمود

وبعد عودته إلى مصر عمل مدرسًا لعلم النفس فى كلية اللغة العربية وتدرج فى مناصبها العلمية حتى عين عميداً للكلية سنة 1964م ثم اختير عضوًا فى مجمع البحوث الإسلامية ثم أمينًا عامًا له ثم اختير وكيلًا للأزهر سنة 1970م ثم وزيرًا للأوقاف وشئون الأزهر حتى مارس 1973م ثم صدر قرار بتعيينه فى منصب شيخ الأزهر فى 22 صفر 1393هـ الموافق 27 مارس 1973م.

«الوفد» تزور أسرة الإمام عبدالحليم محمود

حفيد الإمام: اصطدم بالسلطة بسبب مواقفه الجريئة

استعاد «الأوقاف» من الإصلاح الزراعى وأنشأ هيئة كبرى لإدارتها

أما العمدة أحمد محمد صالح نجل شقيقة الإمام الأكبر الراحل فيقول: إن خالى الإمام كان غيورًا على دينه ولم يكن يهتم بمنصب، فخلال توليه مشيخة الأزهر وتحديدًا عام 1974م صدر قرار الرئيس «السادات» بتنظيم شئون الأزهر تضمن الحد من صلاحياته، حتى اعتبره الإمام عبدالحليم محمود تدخلًا من الرئاسة فى شئون الأزهر ومحاولة لتقليص دور الأزهر والمشيخة واختصاصاتها ومنحها لوزارة الأوقاف، فما كان منه إلا أن تقدم باستقالته احتجاجاً على هذا التدخل فى الأول من أغسطس 1974م للرئيس السادات لأنه ينال من مكانة المشيخة والأزهر ويعوقه عن أداء رسالته، وبالفعل عزف عن الذهاب لمكتبه ورفض استلام راتبه وطلب تسوية معاشه، فما كان من الرئيس السادات إلا أن تراجع معيدًا الأمر إلى نصابه الصحيح، ومقرًا لحق المشيخة وشيخها فى كل ما يتعلق بالشئون الدينية وعلوم الإسلام ودراسته، وذلك إجلالاً لقدر الشيخ عبدالحليم محمود ومكانته، ولأن الاستقالة وقتها كان لها مردود قوى ورد فعل شديد، أيضًا فإن الإمام رحمه الله كان قد انتفض ضد قانون الأحوال الشخصية ورفضه تقييد الطلاق ومنع تعدد الزوجات وتأكيده أنه لا قيود على المسلم إلا ضميره وتعاليم دينه ولم يهدأ حتى ألغى القرار.

«الوفد» تزور أسرة الإمام عبدالحليم محمود

ويضيف نجل شقيقة الإمام: أيضًا لا يمكن أن ننسى موقفه المشرف عقب اندلاع حرب أكتوبر، حيث هبَّ إلى منبر الأزهر ليلقى خطبته الشهيرة، مناشدًا جموع المواطنين والحكام من عربٍ وغيرهم الالتفاف والتوحد، مؤكدًا أن الحرب ضد العدو الصهيونى حرب فى سبيل الله.

 

ويعود حفيده (حسين) إلى الحديث قائلًا: إن جده الشيخ عبدالحليم محمود كان جسورًا فى الحق وفى المرابطة على ما يراه صوابًا وعاش حياته كلها من أجل فكرته التى لم يتزحزح عنها قيد أنملة، واصطدم بالسلطة والمسئولين بسبب آرائه ومواقفه، ولم يخف زوال منصب أو ذهاب جاه، واستحضر قول الله عز وجل: «أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين». ويضيف: لقد كانت حياة الإمام جهادًا متصلًا وإحساسًا بالمسئولية التى يحملها على عاتقه، ولم يركن إلى اللقب الكبير الذى يحمله ولا إلى جلال المنصب الذى يتقلده وكان يتحرك فى كل مكان خدمة للإسلام والمسلمين، فكان المسلمون يقابلونه مقابلة الملوك والرؤساء، وقد احتشدت جموع المسلمين فى الهند وباكستان وماليزيا وإيران والمغرب وكافة البلاد لاستقباله عن حب وطواعية، وكان هؤلاء ينظرون له على أنه إمام المسلمين ورمز الإسلام الروحى، ولذلك كان قلب الإمام يخفق لكل مشكلة تحدث فى العالم الإسلامى ويتجاوب مع كل أزمة تلم ببلد إسلامى، فقد أصدر بيانا بشأن الأحداث الدامية والحرب الأهلية فى لبنان

ودعا الأطراف المتنازعة إلى التوقف عن إراقة الدماء، وأهاب زعماء العرب والمسلمين للمسارعة فى معاونة لبنان على الخروج من أزمته ولم يكتف بذلك بل أرسل برقية للأمين العام لجامعة الدول العربية يناشده العمل بحسم وعزم على وقف نزيف الدماء الذى أسالته المؤمرات المعادية على أرض لبنان.

«الوفد» تزور أسرة الإمام عبدالحليم محمود

ويقول الدكتور عبدالسلام الحسينى هاشم، حفيد الإمام لابنته، إن بوادر الإصلاح بدت واضحة فى سلوك الإمام عبدالحليم محمود بعد توليه أمانة مجمع البحوث الإسلامية الذى حل محل جماعة كبار العلماء، وعمل على تكوين الجهاز الفنى والإدارى للمجمع من رجال الأزهر وتجهيزه بمكتبة علمية ضخمة استغل فى تكوينها صداقاته وصلاته بكبار المؤلفين والباحثين وأصحاب المروءة، وعمل على توفير الكفاءات العلمية التى تتلاءم ورسالة المجمع العالمية، ثم اعتنى بمكتبة الأزهر الكبرى ونجح فى تخصيص قطعة أرض مجاورة للأزهر لتقام عليها. وأثناء توليه وزارة الأوقاف اعتنى بالمساجد عناية كبيرة فأنشأ عددًا منها وضم عددًا كبيرًا من المساجد الأهلية وجدد المساجد التاريخية الكبرى مثل جامع عمرو بن العاص أقدم مساجد أفريقيا وأنشأ بمساجد الوزارة فصولًا للتقوية لطلاب الشهادتين الإعدادية والثانوية، ورأى أن للوزارة أوقافًا ضخمة ترد ملايين الجنيهات أخذها الإصلاح الزراعى لإدارتها لحساب الوزارة، فلم تعد تدر إلا القليل، فاستردها من وزارة الإصلاح الزراعى، وأنشأ هيئة كبرى لإدارة هذه الأوقاف لتدر خيراتها من جديد، وعلم أن هناك أوقافًا تعدّت عليها يد الغصب أو النسيان فعمل على استرداد المغتصَب وإصلاح الخرِب.
«الوفد» تزور أسرة الإمام عبدالحليم محمود

له «100» كتاب.. وترجم قصة للروائى الفرنسى أندريه موروا

أما الحفيد الأصغر الدكتور عبدالحليم محمود، نجل العمدة محمود أحمد صالح، ابن شقيقة فضيلة الإمام والذى سُمى على اسم جده، فيضيف قائلًا: إنه شرف لى أن أنتسب إلى الإمام الأكبر عبدالحليم محمود فهو جدى وخال والدى، وعن المعاهد الأزهرية فى عهده، فقد تولى الشيخ عبدالحليم محمود مشيخة الأزهر فى وقت اشتدت فيه الحاجة لإقامة قاعدة عريضة من المعاهد الدينية التى تقلص عددها وعجزت عن إمداد جامعة الأزهر بكلياتها العشرين بأعداد كافية من الطلاب، وهو الأمر الذى جعل جامعة الأزهر تستقبل أعدادًا كبيرة من حملة الثانوية العامة بالمدارس وهم لا يتزودون بثقافة دينية وعربية تؤهلهم أن يكونوا حماة الإسلام، وأدرك الإمام خطورة هذا الموقف فجاب القرى والمدن يدعو الناس للتبرع لإنشاء المعاهد الدينية فلبى الناس دعوته وأقبلوا عليه متبرعين، ولم تكن ميزانية الأزهر تسمح بتحقيق آمال الشيخ فى التوسع فى التعليم الأزهرى، فكفاه الناس مئونة ذلك، وكان لصلاته العميقة بالحكام وذوى النفوذ والتأثير وثقة الناس فيه أثر فى تحقيق ما يصبو له، فزادت المعاهد فى عهده على نحو لم يعرفه الأزهر من قبل.

ويعد الإمام الأكبر عبدالحليم محمود، صاحب ورائد مدرسة الفكر الإسلامى والتصوف فى العصر الحديث ولقّب بأبى التصوف فى العصر الراهن، وعن فكر الإمام يضيف حفيده أن الإمام الأكبر عبدالحليم محمود اتسم بغزارة نتاجه الفكرى الذى يزيد على مائة كتاب تأليفًا وتحقيقًا وترجمة، وكان أول ما نُشر له قصة ترجمها عن الفرنسية من تأليف «أندريه موروا» عام 1946م ثم تتابعت مؤلفاته الغزيرة فى كثيرٍ من المجالات، خاصة فى مجال التصوف الذى يعد من أسبق رواده فى العصر الحديث، فقد تبدى مثالًا للصوفية المقيدة بكتاب الله البعيدة عن الإفراط والتفريط حتى لُقب بغزالى مصر، وأبى المتصوفة.

«الوفد» تزور أسرة الإمام عبدالحليم محمود

صاحب دور بارز فى توحيد العرب خلال حرب «أكتوبر»

 

ويختتم حفيده حسين محمد عبدالحليم محمود الحديث عن رحيل جده الإمام الأكبر قائلًا: لقد كانت حياة الشيخ رحمه الله جهادًا متصلًا من أجل صالح الإسلام والمسلمين.. وفى قمة نشاطه ورحلاته المتتابعة لتفقد أحوال المسلمين شعر بآلام شديدة بعد عودته من الأراضى المقدسة، فأجرى عملية جراحية لقى الله بعدها فى صبيحة يوم الثلاثاء الموافق 15 من ذى القعدة 1397هـ – 17 من أكتوبر 1978م تاركًا ذكرى طيبة ونموذجًا لما يجب أن يكون عليه شيخ الأزهر ليدفن فى قريته «أبوأحمد» التابعة لمدينة بلبيس بالشرقية، ونحن حريصون كل عام على إحياء ذكراه السنوية.