عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أين كان مصطفى النحاس يوم 13 نوفمبر 1918؟

بوابة الوفد الإلكترونية

الوثائق تكشف الدور السرى لثانى زعماء حزب الوفد وتكليفات سعد زغلول له بتجهيز الطلبة للثورة

اجتمع مع الشبان فى طنطا فخرجت الحشود إلى الشوارع عقب اعتقال سعد وعلى شعراوى وعبدالعزيز فهمى بقيادة كوادر مُدربة

في وسط الثورة كان يشرف مع بعض أصحابه على حركة الإضراب ويتصل بلجنة الموظفين وكان يحمل المنشورات السرية من القاهرة إلى طنطا

 

ربما لم يعرف المصريون، اسم مصطفى النحاس، زعيم الوفد الثانى، وصاحب المركز الأول من حيث مدة رئاسة الحزب الكبير، باعتباره زعيماً سياسياً، ومناضلاً وطنياً، إلا عندما تم نفيه فى عام 1919 إلى جزيرة سيشل مع سعد زغلول الزعيم المؤسس، باعتباره واحداً من أهم قيادات الوفد وأكثرهم تاثيراً.

لم يتردد اسم مصطفى النحاس، عندما كان ضمن شباب الحزب الوطنى، الذى أسسه الزعيم مصطفى كامل، ولم يذكر أحد أنه من قيادات الحزب النابهة، فقد كان النحاس، متوارياً فى الظل، ومهتماً بالعمل الوطنى، دون ضجيج، ولكنه كان يتحرك فى إطار النموذج المعتاد وقتها، لمن يريد ممارسة العمل السياسى، وهو نموذج لقاء النخبة فى صالونات الباشوات والبكوات والوزراء، ونواب الجمعية التشريعية.. ولذلك قادته الأقدار للالتقاء بالزعيم سعد زغلول الذى أعجب بحماسه، وذكائه، ووطنيته.

.. ولكن السؤال الذى يمكن طرحه، بمناسبة ذكرى «عيد الجهاد» التى توافق يوم 13 نوفمبر1918.. أين كان مصطفى النحاس الزعيم الثانى لحزب الوفد، ولماذا لم يتصدر المشهد عندما كان سعد زغلول، يتقابل مع المعتمد البريطانى السير ونجت، للمطالبة بالسفر لعرض القضية المصرية، على مؤتمر الصلح فى باريس.

غياب مصطفى النحاس، صديق سعد زغلول، وتلميذه النجيب، يوم 13 نوفمبر كان طبيعياً، فقد كان النحاس الذى ولد يوم 15 يونيه 1879 لم يتجاوز عمره 34 عاماً، وكان صغيراً فى السن، فى مواجهة قيادات كبيرة فى السن والقيمة والوضعين الاجتماعى والسياسى، فكان اختيار سعد زغلول لرفيقيه، القاضى عبدالعزيز فهمى، وعضو الجمعية التشريعية على شعراوى، لمقابلة السير ونجت، أمراً مقبولاً.

غياب مصطفى النحاس، عن مشهد مقابلة المعتمد البريطانى، لا يعنى غيابه تماماً عن المشهد، فقد كان النحاس واحداً من قيادات العمل الثورى، الذى تم تحضيره، لإشعال الثورة، وكشفت الوثائق، والمشاهد المختلفة، عن أنه كان فى مقدمة قيادات العمل السرى، خلال الثورة وبعدها، وهذا الأمر يتضح من خلال ماكتبه عباس حافظ الكاتب الوفدى المعاصر للزعيم مصطفى النحاس، حيث قام بالتعليق على هذا اليوم 13 نوفمبر 1918 قائلاً.. «وفي الوقت الذي كان فيه سعد يتأهب للخروج من عزلته، ويتحفز للوثوب من عرينه، على دَوِيِّ صوت ويلسون في مؤتمر السلام عقب الهدنة، وهو الشيخ الحكيم المجرب- كان مصطفى، ممثل عنصر الشباب، تحت تأثير العامل ذاته، وفي الحماسة نفسها للفكرة في مثل أُهْبَة الشيخ وتحَفُّزه، على بعد ما بينهما، وفي غير تكاشف بما يختلج فيهما، وكأنَّما مهدت الطبيعة يومئذٍ لقيادة البلاد في الثورة زعامتين: زعامة الرجولة في سعد، وزعامة الشباب في مصطفى، ثم راحت تقدم زعامة الشيخ؛ لأن معها الحكمة والروية والأناة والتدبير، وأخرت زعامة الشباب حتى تكتسب أولئك جميعًا من المستبقة المتقدمة؛ لتكون أنفع وأفضل وأزكى وهي الخالفة الآتية من بعدها في دورها الطَّبَعِيِّ عَبْرَ السنين، وبينما كان الشيوخ يجتمعون عند سعد ليتشاوروا في أمر بلادهم، كان الشباب يتلاقون في طنطا عند الشاب مصطفى النحاس القاضي، وكل جمع يفكر في أي المسالك يسلك للنهوض لحق بلاده، والبروز للإهابة بوطنه، وإعلان الدنيا عن حقوق مصر الطبيعية في الحرية والاستقلال».

اجتماع مصطفى النحاس، مع الشبان فى طنطا، لم يكن عشوائياً، ولكنه كان منظماً ومرتباً، ومجهزاً، فالحشود التى خرجت إلى الشوارع عقب اعتقال سعد زغلول وعلى شعراوى وعبدالعزيز فهمى، كانت تقودها كوادر مُدربة، وكان الشاب مصطفى النحاس، الذى تربى فى حزب مصطفى كامل ومحمد فريد، مدرباً وجاهزاً، وكان سعد زغلول ذكياً عندما استعان بهؤلاء الشبان المنتمين للحزوب الوطنى القديم، لكى يديروا العمل الجماهيرى للثورة التى تم التمهيد لها، بزيارة السير ونجت واستفزازه، بطلب السفر للمطالبة باستقلال مصر عن التاج البريطانى.

الدليل على أن النحاس كان يقوم بدور مهم يوم 13 نوفمبر، دور خفى لايراه أحد، هو أن سعد زغلول ضمه لمقدمة التنظيم السرى للثورة، وهذا ما ذكره الكاتب الكبير مصطفي أمين عندما قال في كتابه «من واحد لعشرة» عن الثورة الأم إن سعد زغلول ترك ورقة كتب فيها «إذا اعتقلت الطبقة الأولي من قيادات الثورة تقوم الطبقة الثانية فإذا اعتقلت تقوم الثالثة وإذا اعتقلت تقوم الرابعة «وهذا يعني أن سعد زغلول كان يخشي من القضاء علي الثورة باعتقال قياداتها أو بنشر الفوضي التي قد لا تجد من يتحكم فيها فوضع أربع طبقات من القيادات.. وكان دور هذه الطبقات واضحاً عندما ثار الشعب للمرة الثانية عام 1921.. فقد تم اعتقال أعضاء الطبقة الأولي والتي كانت تضم سعد زغلول ومصطفي النحاس وسينوت حنا وفتح الله بركات وعاطف بركات ومكرم عبيد».

ويعود عباس حافظ مؤكداً دور مصطفى النحاس، بقول بليغ ننقل نصه وسطوره..« وفي السادس من شهر مارس استدعت السلطة العسكرية سعدًا وصحبه، وأنذرتهم بألا يضعوا الحماية موضع البحث، أو يعوقوا تأليف الوزارة الجديدة، متوعدة إياهم بأشد العقاب العسكري، فهمَّ سعد بالكلام، فأجيب بألا مناقشة.

وعاد الوفد إلى مقره فأرسل احتجاجه على تلك المعاملة الشاذة التي لم تراعَ فيها المجاملة مع وكلاء الأمة التي يتكلمون باسمها، كما أرسل احتجاجًا إلى الحكومة البريطانية على تلك التصرفات الجائرة.

ولم يكد يمضي على ذلك الحادث يومان حتى اعتقلت السلطة العسكرية سعد باشا وثلاثة من صحبه في قصر النيل، ومن ثَمَّ نفتهم إلى مالطة، فكان ذلك هو الشرارة الكهربائية التي أوقدت نار الثورة في البلاد، ونهض الناس فجأة غضابًا ثائرين، مرتخصي الحياة، بَذَلَةَ المهج، ملاقي المنايا في بسمة الباسمين.

في تلك الأيام كان مصطفى عضوًا في الوفد، وإن كان لا يزال موظفًا في سلك القضاء، وقد حضر الثورة من مطالعها، واندفع في قلبها شجاعًا لا يعرف الخوف، شهمًا متجلدًا لا يحس أقل تردد، مضحيًا بكل شيء وإن كان في عنقه أرواح صغار، ونفوس أبرياء، وعشيرة تعتمد عليه.

في تلك الأيام نَسِيَ مصطفى مطالب عيشه، وأعباء حياته، وواجبات البيت ومقتضياته، فلم يعد يذكر غير مصر وحقها المقدس، وواجب الدفاع عنها بأغلى الأرواح وأعز الأنفس، تاركًا مصيره ومصير الوِلدان الذين في عنقه إلى الله وحده، هو نعم المولى ونعم النصير.

وفي وسط الثورة ذهب مصطفى النحاس القاضي يشرف مع بعض أصحابه على حركة الإضراب، ويتصل بلجنة الموظفين، وكان يتناول المنشورات السرية التي تطبع يومئذٍ في القاهرة، فيحملها إلى طنطا في أثوابه، أو خُلَسًا من مراقبيه والموكلين به؛ ليلقي بها إلى لجنة المحامين، وفيها يومئذٍ الأستاذان عبدالسلام فهمي جمعة، ومحمد نجيب الغرابلي؛ لتوزيعها على الناس في سواد الريف وصميم

القرى والمدائن، حتى انقلبت طنطا يومئذٍ مِرْجلًا غاليًا، وأتونًا صاهرًا، وموقدًا متأجج النيران.

وفي صدر المظاهرات الرائعة التي كانت تطوف القاهرة ذهب يشترك فيها مع القضاة الأهليين، مرتديًا شارة القضاء، رافع الرأس، منتهيًا من أمر نفسه، ملقيًا بكل روحه وحياته وعاطفته فدى لوطنه، وغذاءً لعقيدته، ووقودًا لمبادئه».

المدعي العام البريطاني مستر ماكسويل الذي طالب بإعدام عبدالرحمن فهمي في جلسة عقدت بتاريخ السبت 24 يوليو1920، قال فى ادعائه ضد التنظيم السرى الذي يشرف عليه عبدالرحمن فهمي بأن السلطة العسكرية البريطانية عثرت داخل الأوراق المضبوطة لدى المتهمين، على مستندات تثبت أن لدى التنظيم رجال في مختلف المديريات، والأحزاب السياسية، وفي كل قسم في الجيش والإدارة والمحافظات، حتى في مكتب مفتي الديار المصرية، وكانت منشوراته تصدر تحت أسماء عديدة مثل «اللجنة المستعجلة» و«الشعلة» و«المصري الحر» و«اليد السوداء».

كان لدى الإنجليز تساؤلات عديدة حول قدرة الجهاز السري للثورة على الاتصال بفروعه في الأقاليم المصرية على الرغم من أن السكك الحديدية مقطوعة، والهواتف مراقبة، والبريد مراقب، والزعماء والقادة السياسيين المصريين تحت الرقابة، وعبدالرحمن فهمي نفسه مراقب.

هناك دراسة بحثية جامعية قامت جامعة محمد خيضر فى «بسكرة» الجزائرية بطباعتها، تحمل عنوان «مصطفى النحاس باشا ودوره فى الحركة الوطنية المصرية» أعدها الباحث حملاوى جلال يوسف لنيل درجة الماجيستير، وأشرفت عليها الدكتورة كربوعه سالم، أكدت دور مصطفى النحاس، فى التنظيم السرى للثورة، قائلة «بسبب اعتقال الزعيم سعد زغلول وأصحابه وسخط الشعب على قيود الاحتلال وتطلعه إلى الحرية والاستقلال اشترك الشعب كله فى الثورة رجالًا ونساء وأطفالًا وشبابًا وشيوخًا وعمالًا وطلبة، والحديث عن مشاركة الطلبة فى الثورة يقودنا للحديث على من كان يقودهم، يا ترى من هو هذا الشخص الذى كان ينظم الطلبة ويقودهم فى الثورة؟ مما لا شك فيه أن مصطفى النحاس هو الذى لعب دورًا رئيسًا فى تحريك وتحريض الطلبة قبل الثورة، وهو الذى كان إحدى أدوات الحزب الوطنى الهامة فى الثورة، وهو ما يتفق مع مبادئ النحاس فى ذلك الوقت، بجانب أن الطلبة كفئة اجتماعية كانت تشعر بالظلم الذى ينتظرها مثلها مثل بقية المهنيين وخاصة المحامين، حيث أضحى مصير الطلبة مثل مصير الخريجين وخير تعبير عن ذلك الشعور هو اعتراف أحد الفدائيين المتهمين باغتيال موظف بريطانى يعمل فى خدمة الحكومة المصرية بأن ما دفعه إلى ذلك الفعل هو الرغبة فى إفساح الطريق أمام الشباب للالتحاق بالوظائف الحكومية لذا نرى أن الطلبة كانوا يشكلون واحدة من أهم القوى الضاربة فى الحركة الوطنية بعد المحامين، وقد ذكرت إحدى الدراسات أن النحاس قد نجح فى تحويل الطلبة من مجرد قوى ضاغطة إلى جعلهم إحدى الأدوات الرئيسة للوفد، وقد سئل الكاتب إبراهيم فرج باشا عن اشتراك النحاس فى تنظيم الطلبة فى ثورة 1919، فأكد ذلك، وهو ما يتفق مع كونه وكيلًا لنادى المدارس العليا. ويؤكد عبدالرحمن فهمى فى مذكراته أن الشرطة قبضوا فى إحدى المظاهرات عددًا من الطلبة وسجنوهم، وبدلًا من أن يفر باقى الطلبة خشية إلقاء القبض عليهم، تقدمت جموعهم طالبة أن يقبض عليهم كلهم لأنهم مشتركون مع زملائهم فى الجريمة؛ فإن كانت هناك جريمة فإنهم يتحملونها كلهم مع بعض دون أن يختص بعضهم بشرف التضحية والألم فى سبيل الوطن دون البعض الآخر، وما كان أروع من رؤية الطلبة يقابلون الرصاص بصدورهم أنه إذا سقط رافع العلم فى مقدمة الموكب جريحًا أو قتيلًا تقدم غيره ويرفع العلم بدلًا منه مناديًا بحياة الوطن، فيردد وراءه الجميع النداء بقوة وحماس. وبوجه عام كان الطلبة هم قادة الثورة بحق، ليس بخطاباتهم التى ألهبت الثائرين فقط، بل كانوا حملة الأعلام وقادة المظاهرات، وانفتحت أمامهم أبواب السجون والمعتقلات ومن بينهم كان كثير من الضحايا الذين استبسلوا واستشهدوا، ولقد جذب هذا العمل الكبير الذى قام به الطلبة أثناء الثورة أنظار قيادة الوفد، وكان لهذا الدور الكبير الممتد للطلبة فى أثناء ثورة 1919 الصدى الواسع لانتشار الثورة بين جماهير الشعب، ويمكن بذلك أن نستخلص عدة حقائق: إن شمول الحركة التى فجرها الطلاب لكل طبقات الشعب قد أصاب السلطة العسكرية للاحتلال بالذعر، الأمر الذى جعلهم يتدخلون بعنف لقمع الحركة، ويصدرون الأوامر والتهديدات لمن يحاول مخالفة دعوتهم بمنع التظاهر والتجمع».

إذن كان مصطفى النحاس هناك، فى القلب من الثورة والتنظيم، لم ينسه سعداً، ولكنه عهد إليه بمهام جسام، فى سبيل تحقيق الهدف، من الثورة التى أشعلها الوفد، وبدأت شرارتها يوم 13 نوفمبر 1918.