رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

وجدى زين الدين يكتب: أسرار جديدة حول ثورة 1919

بوابة الوفد الإلكترونية

«ثورة 1919.. نهضة أمة وكفاح شعب»، هذا هو محور الدراسات والأبحاث التى ستقوم بها جريدة الوفد طوال الأيام القادمة، بمناسبة مئوية ثورة 1919 ومئوية حزب الوفد العريق وستعرض خلال هذه الصفحات، صفحات مضيئة فى تاريخ الوطنية المصرية من خلال علماء ومفكرين وباحثين غاصوا فى الثورة على اعتبار أنها أعظم ثورة مصرية. وقد عرضت فى حلقة الأمس، كل الإرهاصات التى مهدت لهذه الثورة العظيمة.

وتأسيس الوفد المصرى الذى قام بأول مواجهة مباشرة مع الاحتلال البريطانى. واقترن اسم حزب الوفد بهذه الثورة. وفى هذه الحلقة أواصل الحديث مع المؤرخ الكبير الدكتور رمزي ميخائيل وما قاله الكاتبان العملاقان عباس محمود العقاد وعبدالرحمن الرافعى وما أورده أحمد شفيق فى حوليات مصر السياسية.

 ونتحدث اليوم عن لجنة ملنر فى مصر .

6ـ لجنة «ملنر» فى مصر:

كانت الحكومة البريطانية منذ سفر الوفد إلى الخارج، فى أبريل 1919 ـ تبحث فكرة إيفاد لجنة من الخبراء البريطانيين إلى مصر، تحقق بها عدة أهداف بعضها معلن والآخر سرى، هى: أولاً، معرفة الأسباب الحقيقية للثورة المصرية، ووسائل تحاشيها فى المستقبل، ثانياً، الاتصال مباشرة بالشعب المصرى، مع تجاهل قادته فى باريس، لعزلهم عنه وافساد مهمتهم. ثالثاً، الحصول على اعتراف الشعب المصرى بالحماية البريطانية ليكتمل به الاطار القانونى الشرعى لها، بعد الاعتراف الدولى بها. رابعاً، اقتراح النظام الدستورى لإدارة مصر تحت الحماية، وخامساً، إحداث شرخ فى الجبهة المصرية، بإثارة الآراء والمواقف المختلفة فيها.

وظلت الآراء فى مصر مختلفة حول اللجنة، حتى نهاية يوليو 1919، حين استقر رأى الوفد المصرى على اقتراح عبدالرحمن فهمى، سكرتير عام لجنة الوفد المركزية، بمقاطعة لجنة «اللورد ملنر». ونشطت الصحف المؤيدة للوفد والثورة، تتصدرها «النظام»، و«الأخبار» و«الأهرام» فى نشر الدعوة لمقاطعة اللجنة فى مصر، وإحالتها إلى الوفد فى باريس.

وفى هذه الأثناء، نشط الحزب الديمقراطى المصرى المؤيد للوفد والمعارض للجنة. وفى مواجهته تألف الحزب المستقل الحر، منبثقا من جماعة نادى الأعيان، وهو حزب صغير، مساير للسياسة البريطانية، متعاون مع اللجنة، واتخذ من صحيفة «المنبر» لسانا لحاله، ولم تتم سنة 1919، حتى كانت لجنة الوفد المركزية والصحف الوطنية، قد أفشلت مهمته.

وألحت الصحف المعارضة للجنة «ملنر» على محمد سعيد، الذى كان قد قبل تأليف الوزارة يوم 21 مايو 1919، مخالفا الاتجاه الوطنى، ليعلن مقاطعته اللجنة أو الاستقالة واشتد الإلحاح بمقالات سينوت حنا عضو الوفد: «الوطنية ديننا والاستقلال حياتنا» فى صحيفة «مصر»، حتى أعلن رئيس الوزراء استقالة وزارته يوم 15 نوفمبر 1919.

وفى أواخر أكتوبر 1919، اندلعت التظاهرات تهتف بحياة الاستقلال وسقوط اللجنة، فتصدى لها البوليس، وسقط الجرحى والشهداء. وعطلت السلطة البريطانية بعض الصحف الوطنية. واعتقلت محمود سليمان وابراهيم سعيد، ووضعت عبدالرحمن فهمى تحت المراقبة و«الثلاثة من الأعضاء البارزين فى لجنة الوفد المركزية»، بتهمة تحريضهم الجماهير ضد الاحتلال.

ثم ألف يوسف وهبة الوزارة، يوم 21 نوفمبر 1919، فعارضته أكثر التجمعات والصحف الوطنية، تتصدرها «مصر». وأيدته بعض الصحف المسايرة للسياسة البريطانية تتقدمها «الوطن».

واستعدادًا لاستقبال لجنة «اللورد ملنر» فى مصر، هددت السلطة العسكرية البريطانية الصحف المصرية، بالإغلاق إذا لم تعتدل فى لهجتها. ولكن صحيفة «مصر» خاصة مقالات سينوت حنا، شددت هجومها على الاحتلال واللجنة والوزارة. فأمرت السلطة العسكرية، يوم 2 ديسمبر 1919، بتعطيل «زعيمة لصحف الزغلولية»، وتحديد إقامة سينوت حنا فى قريته بالفشن. واعتقلت كتابا آخرين.

ثم غيرت السلطات البريطانية سياستها تجاه الصحافة المصرية، استجابة لرغبة لجنة «ملنر» فى التعرف على جميع الآراء. ففى يوم وصول اللجنة، 7 ديسمبر 1919، صرحت لصحيفة «المحروسة» بالعودة للظهور. وفى اليوم التالى سمحت لـ «الأفكار» بالعودة للصدور.

ثم برز دور رجال السياسة المصريين «المعتدلين» المعروفين باسم «أصدقاء الوفد»، وهم حسين رشدى وعدلى يكن وعبدالخالق ثروت، الذين قابلوا لجنة ملنر، ونجحوا فى التقريب بينها وبين الوفد.

واستثمر الوفد هذا التقارب ليبلغ اللجنة أن طريق التفاوض بينهما يجب أن يبدأ بالاعتراف بالاستقلال التام أساسًا للمفاوضات، وإطلاق الحريات خاصة حرية الصحافة.

ولكن السلطة العسكرية البريطانية، عطلت صحيفتى «الأفكار» و«مصر» من يوم 22 فبراير 1920. وأعيد فرض الرقابة التحفظية على الصحافة، ابتداء من يوم 6 مارس 1920. مع انتهاء مهمة لجنة «ملنر» فى مصر، وعودتها إلى لندن، بعد نجاح حركة مقاطعتها شعبياً، وتمكنها من جمع البيانات الرسمية ومقابلة بعض رجال السياسة وقادة الرأى.

وفى يوم 9 مارس 1920، تمكن أعضاء الجمعية التشريعية، المعطلة منذ أكتوبر 1914، من عقد اجتماع استثنائى، فى منزل سعد زغلول بالقاهرة احتجوا فيه على الحماية، وتعطيل الجمعية، ومشروعات السودان، وطالب بإلغاء كل ما يتعارض مع الاستقلال التام لمصر والسودان، فمنعت الرقابة النشر عن هذا الاجتماع.

وأصدر «اللورد اللنبى» أمراً، يوم 16 مارس 1920، بمنع اجتماع الجمعية وكل هيئة تمثيلية فى غير الأوضاع القانونية.

وأسفرت جهود رجال الاقتصاد المصريين، عن تأسيس بنك مصر، بعد مدة طويلة من السعى لإنشاء المصرف الوطنى، حاولت خلالها السلطات البريطانية تعويق تنفيذ الفكرة وإفشالها، وفى 5 أبريل 1920 صدر المرسوم السلطانى بتأسيس «شركة بنك مصر».

 

المفاوضات بين سعد و«ملنر»

اتجهت بريطانيا ومصر إلى التفاوض، بعد مقاطعة المصريين شعبيًا اللجنة البريطانية واحالتها إلى الوفد، من ناحية، وبعد نجاح السياسة البريطانية فى حصر القضية بين بريطانيا ومصر، وإفشال مساعى الوفد لتدويلها، من ناحية ثانية، ثم نجاح الوزراء «المعتدلين» يتقدمهم عدلى يكن، فى دورهم التوفيقى بين اللجنة والوفد، بترحيب من الطرفين، وسافر عدلى يكن إلى باريس يوم 16 أبريل 1920، لاستكمال وساطته بين الوفد ولجنة «ملنر».

وأيدت أكثر القوى الوطنية الوفد.. وتمكنت صحفه تدريجيًا من تحويل الرأى العام المصرى إلى قبول حصر قضيته بين مصر، وبريطانيا، وترك الحرية للوفد لاختيار وسائله فى العمل. وسعى الوفد لتهيئة الرأى العام البريطانى للتعاطف مع المطالب المصرية.

وفى هذه الفترة، ازدادت حوادث العنف السياسى ضد البريطانيين بمصر، والمصريين المتعاونين معهم، ونجحت جهود الجماعات والصحافة الوطنية فى دفع يوسف وهبة، إلى تقديم استقالة وزارته، يوم 19 مايو 1920، وعهد السلطان فؤاد، يوم 21 مايو 1920، بتأليف الوزارة إلى محمد توفيق نسيم، الذى حرص على أن تكون وزارته «ذات صبغة إدارية تامة».

وبدأت جلسات المفاوضات بين الوفد ولجنة «ملنر» رسميًا يوم 9 يونيو 1920، فى لندن، وأسفرت عن تبادل الطرفين يوم 17 يوليو 1920، مشروعين للمعاهدة المقترحة أول بنود مشروع الوفد على اعتراف بريطانيا صراحة باستقلال مصر، وانهاء الحماية والاحتلال العسكرى لها، ويتضمن مشروع لجنة «ملنر» تعهد بريطانيا بضمان سلامة أرض مصر واستقلالها، مع إبقاء قوة عسكرية بريطانية بها، واحتوت بقية بنود المشروعين على اختلافات كثيرة، فرفض كل من الطرفين مشروع الآخر.

وبوساطة عدلى يكن، أعد الجانب البريطانى مشروعاً ثانياً، قدمه فى «18» أغسطس 1920، أغفل تمامًا الوضع فى السودان، وعلق استقلال مصر على تحديد علاقتها ببريطانيا وتعديل نظام الامتيازات الأجنبية، وأحال الأمرين إلى مفاوضات تجرى بين ممثلين معتمدين من حكومتى البلدين، بما يشير إلى رغبة بريطانيا فى تخطى الوفد، وترشيح عدلى يكن والاعضاء «المعتدلين»، فى الوفد لتمثيل مصر، على أن هذا المشروع اشتمل على مزايا لم يتضمنها المشروع البريطانى الأول، منها النص على أن تعترف بريطانيا باستقلال مصر كدولة ملكية دستورية ذات هيئات نيابية، والنص على أن وجود القوة العسكرية البريطانية فى مصر لا يعتبر احتلالًا عسكريًا ولا يمس حقوق مصر.

ولهذا لقى المشروع قبولًا لدى جانب من أعضاء الوفد بينما رفضه سعد زغلول وباقى الأعضاء، لأنه لا يحقق آمال الأمة المصرية، وقبوله كما هو يخرج على حدود التوكيل الذى قيدته به الأمة مهمة الوفد، وهنا برزت فكرة تحكيم الأمة فى المشروع، التى وافق عليها اعضاء الوفد، لأنها تعيد البت فى مصير البلاد إلى الأصل وهو الشعب، وقد اعتمدها سعد زغلول بعد تردد، خشية انقسام الأمة، بينما قبلها «اللورد ملنر»، رغبة فى معرفة آراء فئات الشعب، المقارنة بين قوة «المعتدلين» وقوة «المتطرفين».

واختار الوفد أربعة من أعضائه «المعتدلين» لعرض المشروع على الأمة، هم: محمد محمود، عبداللطيف المكبانى، أحمد لطفى السيد، على ماهر، على أن ينضم اليهم فى مصر: مصطفى النحاس، ويصا واصف وحافظ عفيفى «وهم من أنصار رئيس الوفد».

وفى 7 سبتمبر 1920، وصل مندوبو الوفد إلى الإسكندرية، وبدأوا مع زملائهم منذ يوم 10 سبتمبر، عقد الاجتماعات مع لجان الوفد وأعضاء الجمعية التشريعية، والعلماء ورجال الدين والقضاء ومجالس المديريات والمجالس البلدية والمحلية. ونشر الوفد والحزب الوطنى والحزب الديمقراطى، بياناتهم، واتفقت الأغلبية على أن المشروع يصلح لأن يكون أساسًا لعقد المعاهدة، بعد إدخال تحفظات تعدل بعض نصوصه وتزيل منها القيود.

ورغم أن مندوبى الوفد لاستشارة الأمة فى مشروع «ملنر»، لم يلتزموا الحياد، كما طلب منهم سعد زغلول، بل مالوا إلى تحبيذ المشروع، فإن آراء الأفراد وبيانات الهيئات والدراسات التى فاضت بها صفحات الصحف المصرية، وكشفت عيوب المشروع، جعلت اتجاه الرأى العام السائد، هو قبول المشروع بعد تعديله بعدة تحفظات، أولها إلغاء الحماية صراحة، وكل نص يقيد استقلال مصر، فجاءت نتيجة الاستشارة تأييدًا لرأى سعد زغلول، وخذلانا لأعضاء الوفد «المعتدلين».

وبعد وصول مندوبى الوفد إلى باريس يوم 7 أكتوبر 1920، ودراسة الوفد تقارير الاستشارة والتحفظات وقع خلاف بين سعد زغلول ومعه عبدالعزيز فهمى، مصطفى النحاس، حمد الباسل، محمد على، حافظ عفيفى، سينوت حنا وويصا واصف، وبين عدلى يكن ومعه على ماهر، أحمد لطفى السيد، ومحمد محمود وعبداللطيف المكباتى، فقد تمسك الفريق الأول بتحفظات الأمة ورأى ضرورة إدخالها على مشروع «ملنر»، أما الفريق الثانى فرأى انها لا تخرج عن كونها رغبات، يمكن قبول المشروع من دونها ثم أذعن لرأى الأمة، فتقرر بالإجماع تقديم التحفظات إلى لجنة «ملنر»، وعدم استئناف المفاوضات إلا بعد الاستجابة لها.

وبعد نحو أسبوع سافر سعد زغلول وعدلى يكن وأعضاء الوفد من باريس إلى لندن، واجتمعوا باللجنة البريطانية، ورفض «ملنر» إدخال تحفظات المصريين على مشروعه، بحجة معارضة الرأى العام البريطانى لذلك، وطلب احالتها إلى المفاوضة الرسمية.

وفى جلسة التفاوض، يوم 9 نوفمبر 1920، أصر كل من الجانبين على موقفه، فانتهت المفاوضات وأرسل سعد زغلول نداء إلى الأمة المصرية، أبرزته كل الصحف على صفحاتها الأولى، يحثها فيه على الاتحاد والثقة بالنفس ويحيى فيها تمسكها بالاستقلال الحقيقى، وأيدت أكثر الصحف موقف الوفد.

وأخذ الوفد فى باريس يناقش الموقف الناشئ عن قطع المفاوضات، وقد تمسك سعد زغلول بإدخال تحفظات الأمة على مشروع «ملنر»، قبل الدخول فى المفاوضات الرسمية، بينما مال أكثر اعضاء الوفد إلى جانب عدلى يكن، ورأوا أنه مع امتناع الوفد عن استئناف التفاوض قبل تصريح الجانب الريطانى بقبول التحفظات، فإنه لا يعارض تأليف حكومة أو هيئة رسمية برئاسة عدلى يكن، تستأنف المفاوضات على أساس تحقيق التحفظات بها، على أن يقف الوفد موقف الرقيب، لإصلاح ما قد قع فيه المفاوضون الرسميون من أخطاء، ولكن رئيس الوفد رفض رأى أغلبية أعضائه، اعتمادًا على قوة الأمة.

وعاد عدلى يكن إلى الإسكندرية يوم 29 نوفمبر 1920، ولاتقاء تأثير عودته على الرأى العام بمصر أوفد سعد زغلول إلى مصر ويصا واصف وحافظ عفيفى ومصطفى النحاس لمحاربة فكرة الدخول فى المفاوضات الرسمية، قبل التصريح بإلغاء الحماية وصاحب انقسام أعضاء الوفد بين سعد وعدلى مناقشة حامية بين الصحف.

وأخذت القيادة تتحول من سعد زغلول إلى عدلى يكن، بينما الخلاف يتصاعد بين سعد وجماعة الأعضاء «المعتدلين» فى الوفد حول تشدد سعد وإدلائه بالأحاديث للصحف دون علمهم، إلى حد أن قرر محمد محمود وحمد الباسل، عبدالعزيز فهمى، أحمد لطفى السيد ومحمد على، العودة إلى مصر.

وأدرك سعد زغلول أنهم سوف يعملون على بث أفكارهم والدعوة إلى تأييد زعيم جناحهم عدلى يكن، فبادر سعد إلى مهاجمة أفكارهم فى مصر قبل ان يصلوا اليها، ببرقية بعث بها يوم 23 يناير 1921، إلى لجنة الوفد المركزية يؤكد فيها تمسك الوفد بتعديل مشروع «ملنر» بتحفظات الأمة قبل بدء المفاوضات الرسمية، ويوضح ان «فكرة نبتت.. فى بعض النفوس، ترمى إلى أن الوفد مع تمسكه بهذه الخطة.. لا يمنع الغير من الدخول فى المفاوضة» على خلافها، «بل يلزمه أن يؤيده». ويصرح سعد برفضه هذه الفكرة تماماً، ويحذر الأمة منها، ويدعوها إلى المحافظة على الاتحاد «عماد قوتنا، والمعول عليه فى نجاح قضيتنا».

وقدم «اللورد ملنر» تقرير لجنته عن مصر، إلى الحكومة البريطانية يوم 9 ديسمبر 1920 ونشب خلاف بينه وبين زملائه فى الوزارة التى كان يشغل فيها منصب وزير المستعمرات حول أمور كثيرة، انتهى بتقديم استقالته، وخلفه فى منتصف فبراير 1921، «المستر ونستون تشرشل» الذى أدلى بتصريح اعتبر فيه مصر «جزءًا من الإمبراطورية البريطانية»، فأثار عاصفة من الاحتجاج عليه فى مصر من الأحزاب والهيئات والأفراد.

وفى 20 فبراير 1921، نشر تقرير لجنة «ملنر» الذى انتهى إلى اقتراح عقد معاهدة توفق بين أمانى مصر ومصالح بريطانيا، وأشار بأن تعترف بريطانيا باستقلال مصر مقيدًا بضمانات للمصالح البريطانية، واشترط أن تقر المعاهدة جمعية وطنية تنوب عن الأمة المصرية، ونصح الحكومة البريطانية بالتعجيل فى مفاوضة الحكومة المصرية لعقد المعاهدة.

 

انقسام الأمة بين سعد وعدلى

انتهت مناقشة الحكومة البريطانية لتقرير لجنة «ملنر» وآرائها إلى الاقتناع بإعادة النظر فى نظام الحماية، والاعتماد على «المعتدلين» فى إبرام التسوية مع مصر بعد أن تعذر الاتفاق مع «المتطرفين».

وأصدرت الحكومة البريطانية قرارها الذى أبلغته دار الحماية بالقاهرة إلى السلطان فؤاد يوم 26 فبراير 1921، وينص على أن الحكومة البريطانية «استنتجت ان نظام الحماية لا يكون علاقة مرضية، تبقى فيها مصر تجاه بريطانيا.. » وأنها «نرغب فى الشروع فى تبادل الآراء، ومع وفد يعينه عظمة السلطان للوصول، إذا أمكن إلى إبدال علاقة تضمن المصالح الخصوصية التى لبريطانيا العظمى بالحماية، وتمكنها من تقديم الضمانات الكافية للدول الأجنبية، وتطابق الأمانى المشروعة لمصر والشعب المصرى».

وكما هذا التبليغ، أهم تصريح سياسى بريطانى لمصر، منذ فرض الحماية البريطانية عليها فى 18 ديسمبر 1914، لأنه اعتبر الحماية «حالة غير مُرضية» فأكسب مصر سندًا جديدًا يؤيدها فى نضالها للاستقلال التام واطلق حرية التفاوض دون التقيد بمشروع «ملنر».

وفى 15 مارس 1921، قدم محمد توفيق نسيم استقالة وزارته إلى السلطان، الذى قبلها فى اليوم التالى، بين مظاهر سخط الرأى العام عليها.

وعهد السلطان فؤاد إلى عدلى يكن بتأليف الوزارة فقام به يوم 17 مارس، واعدًا بدعوة الوفد إلى الاشتراك فى العمل للوصول إلى اتفاق مع بريطانيا «لا يجعل محلًا للشك فى استقلال مصر»، و«تخصيص مشروع دستور موافق للمبادئ الحديثة للأنظمة الدستورية». و«انتخاب الجمعية الوطنية» و«رفع الأحكام العسكرية، والغاء الرقابة فى القريب العاجل»، فرحب الشعب بوزارة عدلى يكن، آملًا الخير منها.

وعرفت وزارة عدلى «بوزارة الثقة» وترجع هذه التسمية إلى سعد زغلول، الذى كان قد رأى تأليف «وزارة ثقة» تضع الدستور وتتولى المفاوضات، وكتب من باريس فى 11 فبراير 1920 إلى عدلى يكن، يشرح هذا المعنى وينوه بأن يتولى عدلى يكن تأليف الوزارة المرجوة.

وأبرق عدلى إلى سعد، يدعو الوفد إلى الاشتراك فى المفاوضات الرسمية، فجاء رد سعد يوم 19 مارس 1921، بأنه اعتزم العودة إلى مصر.

وغدًا نستكمل الحديث