عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الصناعات الهاربة من مصر

بوابة الوفد الإلكترونية

كثيرة هى الصناعات التى خرجت من مصر خلال السنوات الثلاث الأخيرة تأثرا بتراجع معدلات النمو وانخفاض مؤشرات السياحة، فضلا عن الصناعات الهاربة من صناعات أخرى أكثر تطورا وما استتبع ذلك من آثار سلبية على العمالة المدربة التى توارثت بعض الحرف من عقود مضت.

«الوفد» تقرأ واقع الصناعات الهاربة لأنها مؤشر مهم وضرورى لمستقبل التخطيط الصناعى فى مصر وتسهم فى تحديد أولويات التمويل المقدم للقطاعات الصناعية بمختلف منتجاتها.
كانت صناعة السجاد اليدوى واحدة من أهم الصناعات التى تأثرت بشدة نتيجة الضربات المتلاحقة للسياحة خلال التسعينيات، ولا شك أنها انقرضت تماما بعد الاضطرابات التى سادت مصر عقب ثورة يناير 2011.
إن محمد المرشدى، رئيس غرفة الصناعات النسجية السابق يؤكد أن صناعة السجاد اليدوي إحدي الصناعات المهمة التى رحلت مؤخرا بسبب ظروف الاقتصاد المتردية. ويشير إلى أن مشكلة تلك الصناعة أنها ترتبط ارتباطا وثيقا بقطاع السياحة.
ويقول إن ندرة العمالة في مجال السجاد اليدوي كانت أبرز المشكلات التى ساهمت فى تراجع تلك الصناعة خاصة مع تراجع مبيعاتها، مشيرا إلى أن  الطبقة التي تقدر قيمة هذه النوعية من السجاد ومدى أهميتها كحرفة وفن منفرد بذاته في طريقها للاختفاء. ويوضح أن معظم مدارس صناعة السجاد تنتشر فى محافظة الجيزة والأقصر وقنا، لكن عمال تلك المدارس هاجروا إلى دول الخليج طلبا لرواتب أعلى.
نفس الحال تقريبا بالنسبة لصناعة الخيام التى تراجعت بشكل واضح خلال السنوات الأخيرة وغير كثير من المصانع نشاطها إلى المفروشات وملاءات الاسرة بعد تراجع المبيعات.
وبحكم التطور والحداثة  فقد خرج كثير من الصناعات التقليدية من مصر، وانتهى تواجدها بعد عقود من الازدهار والتميز. وطبقا لشهادات عدد من الصناعيين فإن أبرز الصناعات التى انقرضت فى مصر صناعة «باجور الجاز» المستخدم فى الطهى، وصناعة الأوانى المنزلية المصنوعة من النحاس، وصناعة لمبات الاضاءة المعتمدة على الجاز، وصناعة الطرابيش، والسجاد اليدوى.
يحكى محمد المهندس نائب رئيس غرفة الصناعات الهندسية باتحاد الصناعات أن مصر عرفت على مدى عقود طويلة صناعة مواقد الطهى «باجور الجاز». ويشير إلى أن مبيعات مواقد الطهى كانت تتجاوز نصف مليون موقد سنويا خلال فترة الستينيات من القرن الماضى، وأنها بدأت فى التراجع تدريجيا لتسجل أقل من 100 ألف موقد عام 1990.
ويؤكد أن منطقة باب الشعرية بالقاهرة كانت معقل صناعة بواجير الجاز، بها قرابة 20 مصنعا وكان كل مصنع يبيع نحو ألف موقد يوميا. ويقول إن عدد المصانع المنتجة لتلك المواقد بدأ فى التناقص لدرجة كبرى قبل سنوات قليلة من الألفية الثالثة، حتى لم يبق سوى مصنع واحد ينتج عددا محدودا من المواقد لبعض المشترين فى الارياف. ويوضح ان تغير النمط الاستهلاكى وتوجه معظم الأسر - حتى فى الارياف - إلى استخدام البوتاجاز أدى إلى انقراض تلك الصناعة. ويضيف أن معظم المصانع والورش التى قامت بتغيير نشاطها اتجهت إلى صناعات أقرب للصناعات.
كما يحكى الرجل قصة خروج صناعة لمبات الاضاءة التى تعتمد على الكيروسين كوقود، مع ظهور بدائل صينية أقل سعرا. ويشير إلى أن معظم العمال المهرة فى

تلك الصناعة هجروها إلى صناعات أخرى خلال السنوات العشر الأخيرة مع تراجع المبيعات بشكل كبير وارتفاع تكلفة الإنتاج.
كذلك الحال فى الاوانى النحاسية التى أدى ارتفاع سعر النحاس لأكثر من 50 الف جنيه للطن إلى تغير واضح فى النمط الاستهلاكى للأسر والتى استبدلت تلك الاوانى بأخرى مصنوعة من الألومنيوم والاستيل.
ويقول محمد العايدى، صاحب احدى شركات صناعة الأوانى المنزلية إن مدينة ميت غمر كانت معقل صناعة الاوانى النحاسية، وكان يتم تصدير أكثر من نصف الانتاج إلى السودان وبعض البلدان الأفريقية، الا أن الزيادة العالية التى شهدتها أسعار النحاس بداية من أول التسعينيات أدت إلى قيام نحو 150 مصنعا من أصل مائتى مصنع بتغيير الخامات المستخدمة ليتم تشكيل المعادن اعتمادا على الألومنيوم. ويضيف أنه مع الوقت توقفت باقى المصنع وانتهت صناعة الأوانى من النحاس تماما.
أما صناعة الطرابيش فهى واحدة من الصناعات التقليدية الهاربة بسبب تحولات الزمن وتغيرات عادات المصريين بعد ثورة يوليو. ومن المعروف أن المصريين أخذوا تلك العادة عن الأتراك فى نهاية القرن التاسع عشر، وكان يتم استيراد الطرابيش من تركيا، وقامت بعض الورش الصغيرة بتفصيل طرابيش بسيطة كانت أولاها ورشة الحاج أحمد الطرابيشى فى الغورية. وفى عام 1933 تأسس خلال الثلاثينيات أول مصنع مصرى  كبير لصناعة الطربوش فى العباسية بالتعاون مع احدى الشركات الالمانية.
وبدأت صناعة الطرابيش فى الانقراض بعد قرار حكومة ثورة فى يوليو 1953 بالغاء الزامية ارتدائه. وتراجعت المبيعات عاما بعد الآخر حتى استقر فى أذهان الناس أن الطربوش زينة مرتبطة بالعهد البائد وأغلقت معظم الورش إلا عدد محدود مازال ينتجها كسلع تراثية فقط.
والغريب أن مصر كان لديها صناعة واعدة للسفن تعرضت هى الأخرى للاهمال والانقراض نتيجة ضعف التمويل وسوء الإدارة، كما يشير لذلك المهندس فاروق شلش الخبير الصناعى. ويقول إن تلك الصناعة أقيمت فى مصر منذ عهد محمد على، وأنها شهدت نموا كبيرا بعد ثورة يوليو، إلا أنها تراجعت بعد ذلك وتحولت شركة التمساح لصناعة السفن إلى الصيانة فقط.