رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

نيران التصفية تصهر الحديد والصلب

بعد 67 عاماً انهيار القلعة ومستقبل مجهول يواجه العمال

 

 فى 27 يوليو من عام 1958 كان افتتاح مصانع شركة الحديد والصلب المصرية فى منطقة التبين بحلوان لتدخل مصر إلى عالم الصناعات الثقيلة.

 اليوم وبعد نحو 67 عاما يصدر قرار بتصفية قلعة الصناعات الثقيلة فى مصر والسبب المعلن تواصل الخسائر لتصل إلى نحو 9 مليارات جنيه.

 نزل الخبر كصاعقة على رأس كل من يعرف قيمة الشركة التى لا تمثل فقط قلعة صناعية ومدينة متكاملة بقدر كونها تاريخاً وصرحاً شاهداً عليه.

كانت شركة الحديد والصلب محققة لمفهوم المجتمعات الصناعية المتكاملة وبقوة فهى صرح صناعى عملاق متكامل بجميع أنشطتها الخدمية تجمع كل المرافق والخدمات وتملك مناجم الخامات وورش تصنيع قطع الغيار وقوة عمالية لها وزنها فضلاً عما تمثله الشركة من وزن اقتصادى كبير.

 بوصول الشركة إلى سن الـ60 للاسف اصبحت على اعتاب مرحلة شيخوخة بدأت تسحبها نحو واقع مؤلم ظهر هذا واضحاً فى استمرار الخسائر دون نظرة لإفاقة الشركة وانتهى الأمر بالتصفية.

وفى آخر تصريحات صحفية لوزير قطاع الاعمال العام هشام توفيق حول الحديد والصلب بعد قرار التصفية قال إن الشركة تواجه مديونية تبلغ 9.5 مليار جنيه، سددت الوزارة منها جزءاً كتسويات مع البنوك والبترول، ويتبقى 8.2 مليار جنيه.

وأضاف أن الشركة تكبدت خسائر فى 30 يونيه 2019، نحو 1.5 مليار جنيه، وتراجعت فى السنة الماضية إلى 900 مليون جنيه، بسبب تقلص الإنتاج.

وأضاف انه فى عام 2007/2008 نظراً لأن الشركة كانت متماسكة والطاقة كانت منخفضة، فكانت المكاسب هامشية، وفى 2009 بدأت الأحوال تتغير، وحتى 2014 بدأ النظر فى الخسائر التى وصلت لأرقام كبيرة، وتم الاستعانة باستشارى وهى شركة (تاتا).

وأكد توفيق أنه تم عمل مناقصة لم تطرح إلا بعد عامين، وفى أواخر عام 2017 تم فتح المظروف المالى، وفى 2018 فُتح المظروف الفنى، حتى جاء الوزير السابق، خالد بدوى، وقرر الاستعانة باستشارى لتحديد مدى التغييرات التى شهدها المصنع.

وأوضح أنه تولى الوزارة وتمت مناقشة قيام الإدارة بالتشغيل، بعدها تم التوصل إلى أن التشغيل كان بطريقة سيئة، لأنه لا يمكن غلق الأفران فجأة وحتى عند نفاد الخامات، لأنه يجب غلقها تدريجياً، وبطرق علمية.

وأشار إلى أن الوزارة قررت تشغيل الأفران بكامل طاقتها القصوى إلا أن الإدارة عجزت عن تشغيل الأفران لما لا يتخطى 12 يوماً فقط، رغم توفير فحم الكوك والخامات.

وقال توفيق: وقفنا عند عدم استطاعتنا تشغيل الشركة، وبالتالى اتجهنا للاستعانة بشريك، وعبر مزايدة، تقدمت لها 5 عروض عالمية، وعرضنا عليهم أن الفائز سنترك له إدارة المصنع، بشرط ضخ استثمارات جديدة وتشغيل العمالة، ورفع حجم الإنتاج لـ1.1 مليون طن سنويا. وأضاف أن الوزارة كانت على استعداد لتسوية الديون، قبل دخول المستثمر وبإجمالى 6.5 مليار جنيه، وستخرج 3 آلاف من أصل 7 آلاف عامل، نظير تشغيل المستثمر وتحقيق إيرادات، كان من الممكن الاستغناء عنها أيضاً، لكن 4 عروض انسحبت، وتبقى عرض وحيد، كان عبارة عن مقاول وليس مستثمراً.

وأوضح أنه تم اللجوء للاستعانة بلجنة برئاسة المهندس شريف إسماعيل، مستشار رئيس الجمهورية للمشروعات، ورئيس الوزراء السابق، لمتابعة الأزمة، وبعضوية الهيئة الهندسية وعدد من الجهات، وبالتالى كان القرار واضحاً وهو إغلاق المصانع ولا جدوى من التطوير، وفقاً لقرار الجمعية العمومية للشركة، مؤكداً تعويض العاملين وطرح الأراضى والمعدات للبيع فى مزادات.

التطوير: كثير من الكلام.. قليل من الفعل

تعد شركة الحديد والصلب المصرية من أكثر الشركات التى دار الحديث حول حاجتها للتطوير وتم اطلاق أكثر من مناقصة لتطويرها على مدى السنوات السابقة وبعض تلك المناقصات لم تتعدّ كونها كلاماً فى كلام تم تداوله فى الجمعيات العمومية للشركة ثم انتهى الأمر إلى لا شىء.

ووفقا لتصريحات المسئولين، فإن هناك أكثر من 7 دراسات لتطوير الشركة موجودة منذ عام 1977 والى 1999 ولكن نقص التمويل كان عائقاً أمام إتمامها وهذا التراخى فى تطوير الشركة كان السبب الرئيسى فى تدهور أحوالها وتزايد خسائرها.

وفى 29 نوفمبر 2012 تم عقد اجتماع برئاسة رئيس مجلس الوزراء وقتها لمناقشة تطوير شركة الحديد والصلب المصرية وشركة النصر لصناعة الكوك والكيماويات الأساسية وصدر عن هذا الاجتماع قرار بأن يتم طرح عملية تقييم وإعادة تأهيل لشركة الحديد والصلب المصرية على عدد من المكاتب الاستشارية، على أن يتم التركيز على كيفية تخفيض تكلفة الإنتاج والبحث عن أسواق إضافية، وتخفيض استهلاك المياه والكهرباء والغاز وفحم الكوك. وتعاقدت الشركة مع مكتب استشارى محلى ( معهد التبين للدراسات العليا المعدنية) لتعيين فريق بحثى لمساعدة الشركة فى إعداد وتنفيذ خطة التطوير طبقاً لقرار رئيس مجلس الوزراء المشار إليه وإعداد كراسة الشروط والمواصفات، وتم طرح المناقصة والتعاقد مع الاستشارى الأجنبى شركة ( تاتا ستيل الانجليزية ).

وتمت الموافقة عليها وظلت حبيسة الأدراج طوال تلك الفترة.

وفى 2014 تم الإعلان عن الاستعانة بخبير استشارى لتقييم وضع الشركة، وفى 2015 تم إطلاق مناقصة تطوير وتوقفت وفتحت المظاريف فى 2018.

وكان آخر اعلان رسمى من الشركة وأرسل بشأنه إفصاح للبورصة انه سيتم فتح المظاريف الخاصة بتطوير المصنع القديم يوم الثلاثاء الموافق 5 يونيه 2018 واشار منشور للشركة الى ان التطوير للمصنع القديم يشمل المناجم والتلبيد والافران والصلب والوحدات المساعدة.

وأعلنت قبلها القابضة المعدنية انها تلقت عروضاً من 9 شركات عالمية للمشاركة فى إعادة تأهيل وتطوير خطوط شركة الحديد والصلب التابعة لها وقال بيان لوزارة قطاع الأعمال أنه جاء تقديم تلك العروض من خلال المناقصة العالمية التى كانت قد طرحتها الشركة القابضة للصناعات المعدنية فى 21 أبريل 2017 لتطوير وتأهيل خطوط شركة الحديد والصلب، فى ضوء دراسة جدوى مالية وفنية تم إعدادها بواسطة مكتب استشارى متخصص.

وشملت العطاءات المتقدمة للمناقصة 9 شركات إيطالية وصينية وأوكرانية وروسية وألمانية من إجمالى 22 شركة سحبت كراسات الشروط، حيث تم فتح المظاريف يوم 12 سبتمبر 2017 ـ آخر يوم لتلقى العروض ـ وستقوم اللجنة الفنية المشكلة لهذا الغرض بفحص العروض وتقييم كل

منها من الناحية الفنية، ويلى ذلك التقييم المالى للعروض المقبولة فنياً وفقاً للإجراءات المتبعة فى هذا الشأن. وهو ما ينتظره الجميع الآن.

4 أزمات كبرى

ويمكن القول إن أهم المشكلات التى واجهت الشركة هى انخفاض كمية فحم الكوك المورد من شركة الكوك والتى بلغت 30% من الكميات التى ينص عليها العقد الموقع بين شركة الحديد والصلب المصرية وشركة النصر لصناعة الكيماويات الأساسية ويعتبر فحم الكوك مكوناً أساسياً من مكونات شحنة الأفران العالية، حيث يقوم بالدور الرئيسى لعملية اختزال معدن الحديد Fe من الخامات الأولية ( أكاسيد الحديد ).

واعتباراً من يناير 2011 انخفضت إمدادات فحم الكوك الوارد من شركة الكوك بنسبة 30-40% من الكمية المطلوب توريدها نتيجة لانهيار البطاريات الخاصة بتصنيع فحم الكوك، الأمر الذى أدى إلى انخفاض إنتاج شركة الحديد والصلب اعتباراً من 1/1/2011 ويؤثر ذلك تأثيراً بالغ السوء على حالة الأفران العالية وزيادة استهلاك عناصر الطاقة ( غاز طبيعى – كهرباء) لكل طن صلب.

كما أن نقص كمية الفحم يؤدى إلى كثرة التوقفات غير المخططة للأفران العالية وبالتالى ارتفاع معدل تأكل بطانات الأفران العالية وانهيارها وزيادة استهلاك فحم الكوك وتآكل الودنات وبرودة الأفران واحتمال تجمدها وكذلك توقف أفران الدرفلة التى تعتمد على غازات الأفران الأمر الذى يهدد بخطورة توقف الإنتاج.

وفى عام 2011 أدى انخفاض كميات الفحم الموردة إلى تشغيل فرن عال واحد فقط مــن الأفران العالية الأربعة وهذا أدى بدوره إلى انخفاض كمية الإنتاج إلى 301857 طـــناً بالمقارنة بالمخطط بالموازنة والبالغ كميته 650 ألف طن.

ومن المشكلات التى عانت منها الشركة عدم جودة خام الحديد المستخرج من مناجم الواحات البحرية التى تعتمد عليها الشركة فى استخراج الخام وذلك نظرا لانخفاض نسبة الحديد فى الخام المستخرج من الواحات البحريـة الى 51% بالإضافة الى ارتفاع نسبة الأملاح والشوائب ولتهالك معدات التلبيـد ارتفع معدل استخدام خام الواحات فى التلبيد مــن 868 كجم للطن إلى 1.009 كجم للطن وقد أدى ذلك إلى زيـادة فى التكلفــــة، وكذلك ارتفع معدل استخدام الفحم فى التلبيـد من 89 كجم إلى 95 كجم للطن، وأدى ذلك إلى زيادة فى التكلفة. كما أدى إلى زيادة استخدام الخامات الأخرى فى التلبيد إلى زيادة فى تكلفة الإنتاج.

كما يوجد بالخام نسبة عالية من السيليكا والمنحنيز والزنك والقلويات مما يتطلب بدوره معدل أعلى فى استهلاك قطع الغيار واستهلاك طاقة أعلى فى المراحل الأولى لاستخلاص الزهر فى مرحلة التلبيد والأفران العالية حيث يبلغ ما تستهلكه الشركة فى هذه المرحلة فقط نحو 65% من إجمالى استهلاك الشركة من عناصر الطاقة المختلفة: كهرباء، غاز طبيعى.والحل الذى تم هو فصل نشاط المناجم فى شركة منفصلة والعمل على تحسين جودته.

كذلك تسبب توقف التعيينات بالشركة لفترة قاربت عشرين عاماً من 1990 وحتى 2009 بالإضافة إلى خروج المئات من الخبرات المتميزة متوسطة الأعمار أثناء تطبيق نظام المعاش المبكر دون ضوابط اعتباراً من عام 2001، وكذلك تثبيت العمالة المؤقتة وتسوية مؤهلاتهم بعد 25 يناير 2011، فى وجود نقص حاد فى الخبرات على كافة المستويات فى الإدارة المتوسطة والعليا، ويوجد خلل شديد فى هيكل القوى العاملة بالشركة حيث إن نسبة العمالة فوق 45 عاماً تمثل 70% والأقل من 40 عاماً تمثل 30% بما تمثله الفئة الأخيرة من طاقة بدنية وذهنية أساسية لأى صناعة ثقيلة.

وعانت الشركة من تقادم المعدات، حيث بدأت الشركة فى العمل عام 1958 بتكنولوجيا ألمانية تعود إلى بدايات القرن العشرين ثم تطورت فى الستينيات والسبعينيات بتكنولوجيا روسية تعود إلى حقبة الثلاثينيات وتحتاج إلى عمالة كثيفة العدد. وبعد نحو خمسين عاماً أصبح العديد من المصانع فى حاجة إلى الإحلال والتجديد والتطوير، مثل وحدات التلبيد والفرن العالى الرابع ووحدات الصب المستمر للمربعات ومعدات ونظم التحكم فى العديد من خطوط الإنتاج ومعدات المسابك وورش تصنيع قطع الغيار والصيانة وخطوط السكك الحديدية وخطوط السيور وتطوير نظم المعلومات بالشركة.