رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

صناعة الصلب العالمية على حافة الهاوية!

بوابة الوفد الإلكترونية

تقرير يكتبه- صلاح السعدني:

أحدثت القرارات الأخيرة التي اتخذها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، والخاصة بفرض رسوم جمركية قدرها 25٪ على منتجات الصلب، و10٪ على الألومنيوم انقلابًا في صناعة الصلب العالمية وبدأت كل الدول المنتجة ترد بقوة وتتخذ إجراءات حمائية مشددة على صناعاتها المختلفة بما فيها صناعة الصلب، خاصة الدول الرئيسية المنتجة، مثل الصين وأوروبا وتركيا، قرارات «ترامب» كانت أحادية الجانب دون النظر إلى توابع ذلك علي التجارة العالمية، وبدت أمريكا الحاكم الفعلي لصناعة الصلب في التجارة على مستوى العالم وكأنها تقول لمنظمة التجارة العالمية عفوًا.. الحكم لم يعد حكمك في التجارة الدولية وقوانينك وتشريعاتك غير ملزمة لنا؟!

 الصين ورد الفعل

لأن المبدأ الحاكم في التجارة العالمية وفي قوانين وأعراف الدول الصناعية القوية هو: «المعاملة بالمثل»، قامت الصين بالرد القوى على الأمريكان وفرضت رسومًا حمائية مساوية لما فرضه الأمريكان على العديد من منتجاتها التي يتم تصديرها لأمريكا وغيرها من الدول على مستوى العالم مثل الزبدة، الخمور، الموتوسيكلات وبما قيمته 50 مليار دولار من المنتجات، ما يعني ارتفاع أسعار السلع الأمريكية في السوق الصيني وعدم تنافسيتها، مقارنة بالسلع المثيلة في دول أخرى، ولم يختلف الوضع في أوروبا عنه في الصين فقد بدأت أوروبا في تحقيقات الحماية وأصدرت قرارات يوم 18 يوليو الماضي بفرض حصص استيرادية على منتجات الصلب تبلغ في مجملها 4 ملايين طن وهو ما يعادل متوسط الواردات السنوية خلال الثلاثة أعوام الماضية، يبدأ بعدها فرض رسوم جمركية قدرها 25٪ على جميع واردات الصلب بعد انتهاء فترة تلك الحصة والتي أعطيت لها مهلة 200 يوم تنتهي في الأسبوع الأول من فبراير 2018.

كان من نتيجة ذلك أن سارع المستوردون الأوروبيون باستيراد منتجات صلب نهائية قبل انتهاء المهلة واستكمال الحصة الاستيرادية وهو ما رفع أسعار التصدير العالمية، وكذلك الأسعار المحلية في أوروبا من حديد تسليح ومسطحات صلب، حيث لوحظ في شهر أغسطس الماضي أن التحرك إلى أعلى بما يتراوح بين 15 و40 دولارًا للطن، وهو ما رفع معه أسعار التصدير بين 20 و30 دولارًا للطن، خصوصا في المسطحات التي تتراوح أسعارها التصديرية الآن بين 600 و610 دولارات للطن «فوب»، ويلاحظ أن الأسعار العالمية في أمريكا للمسطحات قد تعدت الـ1000 دولار للطن بعد تطبيق قرار فرض الرسوم في مارس الماضي، كما بدأت دول أخرى في فرض رسوم حمائية لتجنب تحول مجري التجارة العالمية إلى أسواقها وإغراقها بالواردات التي كانت تستوعبها السوق الأمريكية ومن هذه البلدان علي سبيل المثال تركيا ودول مجلس التعاون الخليجي التي فرضت 10٪ رسوما حمائية مؤقتة ولمدة عام قابلة للتجديد على ضوء النتائج والتبعات لقرارات فرض الرسوم سواء أمريكا أو أوروبا.

 إغراق السوق المحلي بنظام «الأوف شور»

كل المؤشرات تدل على أن السوق المحلي في مصر لن يسلم من توابع زلزال قرارات «ترامب»، وبالفعل بدأ السوق في مصر يتعرض لهجمة شرسة من الواردات، خصوصا الحديد السعودي الذي يفيض عن حاجة السوق المحلي هناك؛ نظرًا للمخزون الراكد بعد الانخفاض الملحوظ في مجال  الاستثمارات الإنشائية والبنية التحتية بالتزامن مع انخفاض أسعار البترول وضعف عوائدها مقارنة بفترات ماضية.

 تصدر الشركات السعودية الحديد إلى مصر بتكلفة تقل بنحو 700 جنيه في الطن عن الحديد المصري، وهو الشيء الطبيعي؛ نظراً للفوارق الكبيرة في تكلفة الانتاج، حيث تحصل الشركات هناك علي الغاز بـ2 دولار للمليون وحدة حرارية بريطانية مقابل 6 دولارات في المصانع المصرية، بالإضافة إلي الارتفاعات الكبيرة هنا في أسعار الكهرباء والنقل وتكلفة التشغيل الإجمالية، صادرات الحديد السعودي تأتي من خلال شركتين هما «سابك» و«الراجحي» والأولي تعد من الشركات العملاقة في الوطن العربي في

الانتاج، مؤخراً بدأت شركة لبنانية تدعي «فيرلينك» تعمل بنظام «الأوف شور» وهو نظام يعتمد علي الوساطة والسمسرة تشتري حديدا من شركة «سابك» و«الراجحي» وتقوم ببيعه مرة أخري لمستوردين مصريين وهو الأمر الذي يخالف الاجراءات والقرارات التي اتخذتها وزارة الصناعة والتجارة والمتعلقة بتسجيل الموردين للسوق المصري والتي تشترط أن يكون الاستيراد من خلال الموزع المعتمد لدي الشركة المصدرة، وليس عن طريق شركة وسيطة «أوف شور»، كما أن تخزين الحديد المستورد في الموانئ يخالف ما تم الاتفاق عليه بين المنتجين المحليين ووزير الصناعة السابق من عدم تخزين الحديد تام الصنع وبيعه في الموانئ وأن يكون التخزين فقط للبليت باعتبارها المادة الرئيسية في التصنيع علماً بأن هناك «50» ألف طن قد وصلت الموانئ المصرية. والسؤال الآن: أين رد فعل الحكومة من كل هذا؟ وهي تري أن هناك ارتفاعا كبيرا في تكلفة الانتاج، خاصة بعد الزيادات الكبيرة في أسعار الكهرباء والمحروقات والنقل، ما جعل المصانع المحلية تتكلف مصروفات كبيرة في تكاليف التشغيل؟!

 جملة القول، إن صناعة الصلب في مصر في حاجة لمن ينقذها قبل فوات الأوان، الأمر الآخر أن الصناعة المحلية باستثماراتها الضخمة التي تتعدي الـ 150 مليار جنيه أصبحت في مهب الريح ورهينة لإغراق المستورد في ظل سوق عالمية يسودها الفوضي واجراءات حمائية مطبقة تقريباً في كل دول العالم، بدليل الاجراءات الأخيرة التي اتخذتها الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا والصين وتركيا لحماية صناعة الصلب لديها من أخطار الإغراق والدعم والوقاية والمنافسة غير العادلة.. كل هذا في الوقت الذي نجد فيه السوق المحلية مفتوحة علي مصراعيها لكل من هب ودب وكل من يستطيع إدخال منتجاته دون أن تستفيد الخزانة العامة للدولة من الرسوم الجمركية، ناهيك عن ذلك أن المنتجات المستوردة تدخل البلاد بطريقة لا تتوافر فيها المنافسة العادلة في ظل ظروف إقليمية وعالمية غير مواتية، الأمر الذي يؤدي في النهاية إلي إلحاق الأضرار بواحدة من أهم الصناعات الوطنية نمواً وتشغيلاً للعمالة الوطنية وهي صناعة الصلب والتي تقدر استثماراتها خلال العشر سنوات الأخيرة بنحو - كما سبق أن أشرنا - بأكثر من 150 مليار جنيه وهذه الصناعة تعد من أكثر الصناعات نمواً طبقاً لإحصائيات منظمة الصلب العالمية خلال النصف الأول من العام الجاري، والتي أظهرت أن معدل النمو في الصلب الخام قد بلغ 13٫1٪ أي ثلاثة أضعاف المعدل العالمي للنمو البالغ 4٫6٪ في تلك الفترة.