رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

العاشر من رمضان تبحث عن "خطة إنقاذ"

كارثة اقتصادية وإنسانية تعيشها مدينة العاشر من رمضان أشهر مدن مصر الصناعية وذلك بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية وتعثر الإنتاج بعد ثورة يناير،

أكثر من 70 مصنعا في العاشر من رمضان يواجه أزمات طاحنة بسبب تراكم المديونيات للبنوك فيما أغلق حوالي 156 مصنعا آخر أبوابه بسبب نفس الظروف بالإضافة الي عشرات المصانع التي توقف الإنتاج بها جزئيا وتحتاج الي خطة إنقاذ عاجلة من الحكومة لحماية الصناعة المصرية والأيدي العاملة التي تواجه شبح التشرد والبطالة بعد تردي الأوضاع وازديادها.
علي بعد 55 كيلو مترا من القاهرة علي طريق مصر الإسماعيلية الصحراوي تقع مدينة العاشر من رمضان الصناعية المليئة بحبات الرمال الصفراء التي لا ينقصها سوي المياه حتي تكون ثروة مصر القادمة زراعيا، ومدينة العاشر هي أولي المدن الصناعية المصممة من أجل إنشاء المصانع ذات الطبيعة الخاصة من المساحات ووسائل النقل لتتمكن من أداء دورها في الإنتاج الصناعي الذي لا يقتصر علي إشباع الأسواق المصرية بل كان الهدف أن تخرج الي العالمية إلا أن هذه المدينة التي عانت كثيرا في عهد النظام السابق تواجه كارثة الآن، فأغلقت عشرات المصانع وتشرد آلاف العاملين الذين أضيفوا الي طوابير العاطلين بسبب التعثر المالي أو نقص الطاقة أوتدني مستوي الخدمات وارتفاع تكاليف الإنتاج، ويرجع ذلك أيضا الي الطريقة المتبعة في القروض البنكية وهي لا تمت بصلة الي القانون التجاري الدولي وحين يتقدم العميل الي البنك بطلب تمويل لمشروع ما لطلب التسهيلات الائتمانية لمشروعه يقوم البنك بطلب ضمانات أصلية وأخري إضافية والضمانات الإضافية هي توقيع العميل علي شيكات بإجمالي قيمة الائتمان كاملا مسحوبا علي بنوك أخري غير البنك المتعاقد معه وعندما يتعثر العميل - صاحب المشروع - لظروف خارجة عن إرادته يتخذ البنك ضده الإجراءات القضائية جنائيا بالشيكات ويحصل علي أحكام بالحبس، وبذلك لا يستطيع العميل المدين أن يدير مصنعه، ومن ثم يهرب ويتعثر المصنع ويغلق ويصل الأمر في أحيان كثيرة الي الإفلاس وقد يحصل البنك علي ديونه بعد اتمام البيع نتيجة الإفلاس مابين 20٪ الي 40٪ علي أقصي تقديرمن أصل الدين التي منحها صاحب المشروع بعد 20 سنة من التجميد وهذا ما أكده المهندس محمد عبدالعزيز المدير العام لأحد المصانع المنتجة للمطابخ الصناعية والمنزلية، مؤكدا أهمية أن تقوم البنوك بحل مشاكل أصحاب المصانع خاصة هؤلاء الذين تأثروا بأحداث الثورة حيث توقفت عن الإنتاج بالإضافة الي أهمية صدور قرار سيادي لإعدام الديون علي المصانع المتوقفة وإعادة تشغيلها لصالح الاقتصاد المصري وللقضاء علي نسبة كبيرة من البطالة وفي حالة صعوبة تنفيذ هذا المقترح الإسراع نحو عمل مبادرة المديونيات بحيث لو سدد المستثمر 20٪ من أصل الدين يمكنه أن يدير مشروعه مرة أخري، وعندما سألته عن المشكلات التي يعاني منها مصنعه فأجاب: لايوجد أي مشاكل لصناعتنا سوي عدم استقرار الدولة.
وأمام أحد مصانع الطلاءات الزجاجية وجدناه خاليا ونوافذه مغلقة حتي أن أبوابه المغلقة خالية تماما من رجال الأمن فهو أشبه بمصنع مهجور، وبالتحدث مع أحد المارة ويدعي عبدالباسط إمام الذي يعمل خفيرا بمصنع المعدات الكهربائية المجاور له أكد أن هذا المصنع متوقف بشكل جزئي بسبب الدين المتراكم علي صاحبه مما أدي الي تسريح معظم العمالة.
وعلي بعد أمتار وجدنا إحدي شركات تصنيع الكاوتشوك البلاستيكية - تحت الإنشاء - تقبل التقدم لملء استمارة وظيفية حيث أكد أحمد عبدالقدوس مسئول الشركة أن الشركة تجتهد لدفع الرواتب للعاملين وذلك للتغلب علي مشكلة الهروب الجماعي بسبب تعثر دفع الرواتب مما سيؤدي الي تفاقم الأزمة الانتاجية ونحن جميعا يهمنا أن تدور عجلة الإنتاج.
وبمرورنا بجوار شركة مصنعة للجلود الصناعية إذا برجل أمن الشركة ويدعي إبراهيم عبدالدايم الذي استوقفنا شاكيا من أن شركة الأمن التي يتبعها لا توفر له تأمينا صحيا أو اجتماعيا بالإضافة الي أن راتبه لا يتجاوز 600 جنيه هذا برغم وجود لافتة كبيرة لافتة للنظر مدونا عليها مطلوب للتعيين بالشركة فورا مراقبين جودة وعمال نظافة وعمال حياكة وعمال أمن ومخازن ومساعدين وذلك بمرتبات مجزية وتأمينات صحية واجتماعية بخلاف حافز الانتظام والإنتاج والمواصلات ومزايا أخري عديدة.
وخلال جولتنا لرصد أوضاع المدينة لاحظنا الهدوء الشديد الذي لا يقطعه سوي أصوات سيارات الميكروباصات.
والتقت «الوفد» المواطن محمد عبدالعزيز - 37 سنة - ويعمل موظفا بإحدي الشركات ومتزوجا ومقيما في محافظة الشرقية حيث حكي لنا مأساته اليومية في ذهابه وإيابه الي العمل قائلا: إننا نعاني من مشاكل عديدة أهمها أن المواصلات مكلفة جدا والسائقين يرفعون الأجرة بمزاجهم ورواتبنا ضعيفة وصاحب المصنع مضطر لذلك لتعثر الإنتاج.
جمعة رمضان - دبلوم صنايع قسم تبريد وتكييف - من بني سويف جاء بحثا عن عمل شريف بالمدن الصناعية حيث قال: كنت أعمل في إحدي الشركات المصنعة للسيراميك والأدوات الصناعية لمدة سنتين وكان راتبي لا يتعدي 350 جنيها ولا يوجد مواصلات  ولا حوافز إنتاج ولا تأمينات صحية أواجتماعية وأخيرا تم تقليص الرواتب بسبب ظروف المصنع لذا اضطررت الي ترك العمل في الشركات والمصانع وفكرت في العمل باليومية كعامل التراحيل كي أستطيع الإنفاق علي أسرتي التي أعولها المكونة من 5 أفراد زوجتي وأبنائي ووالدي ووالدتي، كماأنني أقيم مع زملائي الأربعة في غرفة بالمدينة يصل ايجارها الشهري الي 400 جنيه وأتقاضي يوميا 20 جنيها وأحمد ربنا علي فضله لغاية كده.
وفي المنطقة الصناعية الرابعة قابلنا عبدالله قناوي محجوب - 39 سنة - ويعول طفلين ويعمل سائقا يقول: كنت أعمل بشركة الحديد والصلب بطريق مصر الاسكندرية الزراعي منذ 11 سنة وكنت أتقاضي شهريا 750 جنيها خلال هذه السنوات وتعرضت للفصل من التأمينات بسبب رئيس شئون العاملين بالشركة الذي كان يستغل صلاحياته في فصل وعودة عاملي الشركة كما يحلو له حيث إن قانون العمل ألزمني بتوقيع استمارة 6 مسببة عند تعييني بالشركة وكأن هذا بقصد اعطائهم الفرصة للتحكم في مصائر المواطنين علي مزاج أصحاب العمل ومن ثم ضياع حقوق العمالة المصرية، وحاولت بعد فصلي من العمل أن أعمل بشركة أخري في العاشر فلم أجد وشاهدت المصانع تغلق وتقوم بتسريح العمال وأعمل حاليا سائقا في شركة لصناعة الكابلات وأتقاضي راتبا بسيطا لكنني مضطر لذلك.
وفي ميدان المهندس محمود عزب بمنطقة العاشر التقينا أيمن محمد حسن الذي يبلغ من العمر 30 سنة وحاصل علي دبلوم صنايع قسم مباني الذي قال لنا: كنت أعمل في مصنع قماش بالعاشر وكان راتبي الشهري 600 جنيه بلا عقود ولا تأمين ولا مواصلات وكانت مواعيد العمل الرسمية من الثامنة صباحا حتي الثامنة مساء يعني 12 ساعة عملا متواصلا وأقيم في منطقة شبرا الخيمة وأحتاج الي 15 جنيها كمصروفات ومواصلات يوميا بخلاف أنني أنفق علي أسرتي وفوجئت بتأخر المرتبات شهرا وراء شهر لأن صاحب المصنع مديون فاضطررت للعمل باليومية، حيث أتقاضي يوميا مبلغ 30 جنيها وأنا وشطارتي ممكن توصل الي 50 جنيها وأنا راض بما توصلت له طالما أنني

بعدت عن العمل بالقطاع الخاص اللي بيمص دم الغلابة بلا مقابل أو ثمن.
ويأمل أحمد عبدالعزيز - 26 سنة، خريج كلية العلوم ويعمل مندوبا بشركة تسويق أجهزة معامل بمنطقة العاشر الصناعية - أن تقوم الدولة بعلاج الخلل في سوق العمل حتي يمكنه أن يعمل في مجال اختصاصه بمعامل شركات تصنيع الأدوية أو مصانع المنتجات الغذائية متخوفا من أن يمر عليه الزمان هباء حيث إنه يتقاضي مبلغ 1200 جنيه ومقيم في مركز كفر صقر التابع لمحافظة الزقازيق وينفق جزءا كبيرا من راتبه علي مصروف البيت بخلاف التزامات التحضير للزواج، وأعرب عن مخاوفه من فقدان عمله بسبب ما يراه من إغلاق للمصانع والشركات.
خبراء الاقتصاد والتنمية البشرية أجمعوا علي أهمية إعطاء المزيد من الاهتمام والعناية في حل مشاكل المصانع المتعثرة والعاملين علي حد سواء وإعادة تشغيلها بما يساهم في زيادة وتيرة النمو الاقتصادي ومواجهة جيوش العاطلين وتداعيات وتحديات مرحلة التغيير الثوري خاصة أنه خلال السنوات الماضية عانت الصناعة المصرية والاستثمار بصفة عامة من انفلات في حدوث عمليات التعثر، وتسبب عنه إغلاق معظم المصانع الإنتاجية والخدمية.
وأكد الخبراء أن مصانع العاشر تنتج وحدها حوالي 25٪ من إجمالي صادرات مصر بينما يصل الدخل السنوي لكافة مصانع المدن الصناعية بنحو مائة مليار جنيه.
من جانبه أكد الدكتور حمدي عبدالعظيم - الخبير الاقتصادي وعميد أكاديمية السادات للعلوم الإدارية سابقا - ضرورة القضاء علي العقبات التي تعوق التنمية الاقتصادية بدءا من توافر إسكان خاص بعمالة المصانع ليكون في شكل مدينة عمالية ممولة إنشائيا باتفاق أصحاب المصانع بالتعاون مع بعضهم البعض أو من خلال جمعية المستثمرين باعتبار أنها تهدف الي تحقيق مصلحة المصانع التي تنمو بالدولة وتحرص علي تواجد الموارد البشرية فيها، وأن يتم سداد القيمة المستحقة لكل شقة بنظام الأقساط طويلة الأجل حتي تكون في النهاية ملكية خاصة للعامل وذلك للتخلص من مشكلة العمالة التي تهرب من العمل ولتفادي حدوث خصومات من رواتب العمال نتيجة التأخر.
ويضيف دكتور عبدالعظيم أنه من الممكن أن تقوم الدولة بتقسيط متأخرات مقايسات الغاز والكهرباء المستحقة علي المصانع.
وأوضح الدكتور عبدالعظيم أن مواصفات المشروع الصغير يختلف من مشروع لآخر حسب نشاط المشروع نفسه، فهناك أنشطة تعتمد بشكل أساسي علي الآلات والمعدات الكهربائية بعكس الأنشطة الاقتصادية التي تحتاج عمالة كثيفة، أما عن رؤوس الأموال التي يحتاجها المشروع فالمشروعات الكبيرة تفوق مبلغ المليون جنيه والمشروعات المتوسطة تصل لنحو مليون جنيه والمشروعات الصغيرة تحتاج رؤوس أموال بنحو نصف مليون جنيه، بينما المشروعات متناهية الصغر فتقل عن نصف مليون جنيه.
ويؤكد د. عبدالعظيم أن إنتاج مصانع العاشر من رمضان تمثل 25٪ من إجمالي صادرات مصر بينماخسرت مصر خلال فترة الإغلاق ما يوازي حوالي 12٪ من إجمالي صادراتها في الربع الأول من العام الحالي ولكن يوجد بمدينة العاشر من رمضان حاليا حوالي 100 مشروع يتضمن مصانع تحت الإنشاء وصناعات وورشا صغيرة وذلك حتي نهاية 2010. كما أنشئ بالمدينة 1800 مصنع كمشروعات حقيقية في إطار برنامج الرئيس الانتخابي من أصل 3 آلاف مصنع كان مخططا إنشاءها.
فيما طالبت الدكتورة ابتهال أحمد رشاد مستشار التنمية البشرية أهمية إقامة حالة من الحوار العاجل بين مسئولي المصانع أو الدولة وعمالة المصانع للاستماع لمطالبهم الفئوية والاستجابة لهاعن طريق وضع جدول زمني يمكنه تنفيذ هذه المطالب في مواعيد محددة مسبقا بدءا من المطالب العاجلة مؤكدة أن يتم الاستعانة بمسئول يتوافر فيه شروط الخبرة حتي يمكنه القدرة علي احتواء الموقف ونقل مطالب العمالة بمنتهي الجدية لأصحاب الشأن.
وتنصح الدكتورة ابتهال أصحاب المصانع بعدم ترك وتجاهل مشاكل العمالة حتي لا تتفاقم أكثر من ذلك ويصل الأمر مجددا للتظاهر والاعتصام في الشوارع نظرا لما يعانيه هؤلاء المواطنون من صراع دائم من أجل توفير الحد الأدني من معيشة كريمة لأسرهم ومن ثم تعرضهم لكافة أشكال الآلام والمعاناة النفسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعبر عنها أحوالهم المعيشية المتردية.
وشددت علي ضرورة إنشاء المزيد من المشاريع الصناعية وذلك لمواجهة مشكلة البطالة والعمل علي زيادة الحدين الأدني والأقصي للأجور وتحسين أوضاع المواطنين هناك وأحوالهم المعيشية مع توفير الرعاية الصحية والعلاجية اللازمة للحفاظ علي العامل المصري باعتباره أهم مدخلات الإنتاج.
كما طالبت الدولة بأهمية إجراء مناقشة مع أصحاب المصانع المتعثرة أو المصانع المتوقفة بشكل جزئي لكي يتم وضع خطة تكفل لهم حل مشاكلهم التمويلية والإنتاجية وإعادة تشغيل هذه المصانع سواءالمغلقة أو المتوقفة جزئيا بكامل طاقتها بالإضافة الي أهمية إجراء التيسيرات اللازمة لتوفير مناخ جاذب للاستثمار وضخ استثمارات جديدة لإنشاء مشروعات تنموية لتسهم في زيادة معدلات النمو الصناعي خلال المرحلة القادمة.