رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

لعنة الديمقراطية

في المقال السابق تحدثت عن ما أسميته نظرية "الحشد الأعمى" والتي شاهدناها طوال أيام الثورات العربية.. وملخصها البحث عن سبب معتبر لاستفزاز الجماهير إلى الشارع.. أما ما سيحدث بعد ذلك الخروج  فهو بالتأكيد ليس في يد تلك الجماهير.. وبهذه الطريقة أُختُطفت أوطان ودمرت أخرى، رغم حسن النوايا وشرعية الثورة على الأنظمة الفاسدة.
أستطيع أن أحشد تحت رايتي أكثر من مليون شاب مستعدين لتقديم أرواحهم.. لكني بالطبع لن أقول لهم احتشدوا من أجلي.. سأبحث عن سبب وجيه للحشد، وليكن "تحرير القدس مثلا".. بالتأكيد غاية لن يتأخر عنها كثيرون.. وربما فاق العدد مليون مقاتل بكثير.. لكن ما سيحدث بعد هذا الحشد هو الأهم.. هل سأنطلق بهم لتحقيق ماخرجوا من أجله، أم سأستغل هذا الجمع لمساومة النظام الحاكم وإرهاب الخصوم وتحقيق مكاسب سياسية زاعما قدرتي الفذة على الحشد، وكثرة الأتباع!

في أمريكا الجنوبية نجح جهاز المخابرات الأمريكية في حشد "كل" الشباب الكوبي في موقع للتواصل الاجتماعي بهدف إسقاط نظام كاسترو.. بالطبع الموقع لم  يشر لكاسترو أو نظامه من قريب أو بعيد.. الموقع كان لعشاق كرة القدم، ومتابعة أخبار الساحرة المستديرة حول العالم!
نأتي للسؤال الأهم.. إذا كانت الثورة في منطقتنا ليست تجربة داخل معمل، لكنها حالة سيولة تضرب الدولة وتضعها بين مخالب عشرات أجهزة الاستخبارات والتنظيمات.. فكيف إذن تحقق الشعوب مطالبها ؟.. وكيف يمكن الإطاحة بأنظمة فاسدة ومستبدة عديمة الفهم والإحساس دون الإطاحة بالوطن نفسه؟
الإجابة البديهية لدى كثيرين هي الديمقراطية.. بالفعل (ربما) تصلح الديمقراطية كنظام لتداول السلطة أو اختيار الأنسب للحكم.. لكن هل يحدث هذا دوما؟.. ماذا عن تجربة الديمقراطية في بلادنا؟.. فهل لدينا الشجاعة للاعتراف بأن الديمقراطية كنظام فشل في بلادنا أو فشلنا في تطبيقه، ولا بد من البحث عن نظام آخر يحقق طموح الشعب؟.. لماذا لا نواجه أنفسنا بفشلنا في تمهيد الأرضية لتجربة ديمقراطية صحيحة، بدءا من التثقيف السياسي، ووصولا إلى مواجهة الفساد والجهل والرشاوي الانتخابية، واستغلال الدين والبلطجة  والقتل في إرهاب الناخبين؟.
لابد أن نواجه حقيقة خطر ديمقراطية "نعم الطريق للجنة" و"لا كلمة الكفار"، ونقر بكثرة من تستعبدهم تلك الكلمات.. لابد أن ندرك خطورة الدخول في لعبة ديمقراطية التأثير الأكبر فيها لمن يرى الديمقراطية كفرا!.. لابد أن ندرك أننا مازلنا نقبل بمشاركة اللعبة الديمقراطية من لا يعترفون بالدولة أصلا.. وسلمنا وطننا يوما لمن يرون الأوطان حفنة من تراب عفن!.. ومازلنا نصر على أن يشاركنا لعبة الحكم من لا يعترف بالدولة أصلا ولا يحترم حدودها أو تاريخها بل ويرى في رايتها ورموزها أوثان ( وإن اختلف الوضع إن كان الوثن أمريكي).. لابد أن نعي جيدا حقيقة أن من يملك مليار جنيه يمكنه كسب أي انتخابات في هذه الدولة..
الحقيقة المؤسفة أن ما أرصده هنا خبر وليس رأي.. هذا ماحدث ويحدث.. وسيبقى يحدث لسنوات طويلة مقبلة.. وبالتالي هل تصلح الديمقراطية في ظل ذلك الواقع المرير نظاما للحكم، أم أنها تستحيل إلى آلة لهدم الدولة..!
إن فقه الواقع يؤكد أن الديمقراطية كنظام لا تصلح لبلادنا.. بل هي حصان طروادة لإثارة الفوضى  والإيقاع بها في أسر أعدائها.. والعبث بعينه استمرار المحاولات البائسة لفرض ذلك النموذج الغربي على مجتمعاتنا التي لاتشبه المجتمعات الغربية في شئ.
إذن لا مفر من أن يتحول كل هذا الحراك الثوري إلى حراك فكري.. يتمخض عن رؤية ونظام جديد يخص مجتمعنا بكل ما به من مشاكل وأمراض..  يضمن لنا آلية واضحة وفعالة لمحاسبة وعزل المسئولين من المحافظ والوزير إلى رئيس الدولة، دون الدخول في مغامرات غير محسوبة.
إن غياب هذه الآلية، مع فشل إقامة النموذج الغربي في بلادنا هو السبب الأول لاستمرار بحور الدماء من حولنا في سوريا وليبيا واليمن.
في مصر رفض الشعب النظام الحاكم، فتحرك الجيش استجابة للرغبة الشعبية وأطاح بالنظام..
وعاد الشعب ليعلن رفضه للنظام الحاكم للمرة الثانية وفشله في الاختيار فتحرك الجيش مجددا وأطاح بالنظام.. فهل يصلح ذلك آلية للحكم في مصر!.. بالطبع لا، وأبسط مطاعنها هو أنها منحت قيادة المؤسسة العسكرية سلطة فوق رئاسية.. وإن كانت الإطاحة بالسلطة اليوم استجابة لمطلب شعبي.. فبالتأكيد لا ضامن لأن تكون مستقبلا ضد الإرادة الشعبية.
إن ما أعنيه هو أنه لابد للعقل الجمعي في مصر من التوقف وتصحيح المسار الفكري للثورة التي بدأت بلا رأس أساسا.. ولا يمكن أن تستمر هكذا.. آن الأوان لوضع الإطار الفكري للثورة، واستحداث نظام للحكم في الدولة المصرية يقوم على حقائق الواقع المصري المعاصر.. و"الواقع المصري" أعني به أن نتوقف عن النظر شرقا وغربا لجلب تجارب الآخرين ومحاولة إلباس دولتنا ثياب غير ثيابها.. إنها دعوة لعقد سياسي واجتماعي جديد لمصر.. لثورة فكرية من أجل بناء إنسان ودولة قوية مستقرة قادرة على الاستمرار والنمو على أسس وثوابت وطنية لا تتغير.
بغير ذلك سيبقى مستقبل بلادنا قشة في مهب الريح.. وتبقى المؤسسة العسكرية الضمانة الوحيدة لسلامة الدولة إن صلح قائدها، سلم الله.. وإن كان غير ذلك كان كل ما تمناه وحاوله أعداء هذا الوطن.!