رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تسكنون داخلنا ولا ندري!

عشت عمري كله أحلم بعيش زمن أبي.. فإذا بي في لحظة فارقة أشعر بالحزن لأنني لن أعيش زمن ابنتي..!

لحظة يعادلها دهر بأكمله.. لا تحصيها الثواني بل تسكنها السنون!

لحظة لم تلمع في 11 فبراير أو حتى 25 يناير.. بل كانت في جمعة الغضب 28 يناير، عندما أدركت أننا دفعنا مهر الحرية الذي لا مناص منه.

لحظة غرقت وسط دموعها.. تتهدج فرحا بأمل يلوح، وتنتحب حسرة على سنوات عجز عمر ضاع!

أنا مدين باعتذار لهؤلاء..

لمن ظنناهم من السطحية والسذاجة والتفاهة، ما يجعلهم غير جديرين بتحمل حتى مسئولية أنفسهم، فإذا بهم يتحملون مسئولية بلد وأمة..

مدين بالاعتذار لهم عن صورة سلبية رسمناها لهم، كانت تجول بخاطري، تسكن نفسي ونفوس كثيرين.

أدين بالاعتذار لشباب التحرير والحرية والنزاهة والمسئولية وإيقاظ مصر من سبات عميق.

جيلكم أثبت عجز جيلي وقلة حيلته في ظل التويتر والفيس بوك!

جئتم بعد أن أفلت الأمل من أيدينا.. كنت أردد دائما أننا وصلنا إلى نقطة اللا عودة.. كنت أشفق على جيل ضائع تلى جيلنا العاجز.

جئتم في زمن بلطجة تجذرت عقودا..

بلطجة سياسية في بحر ميت يسكنه حوت كبير اسمه الحزب الوطني الديمقراطي يلتهم كل شئ، وتسبح إلى جواره في وداعة أسماك المعارضة الصغيرة التي تقتات من طفيليات جلده السميك!

بلطجة اقتصادية تركزت على توفير حياة الرفاهية لطبقة المسيطرين المنتفعين.. فانطلقت حركة إعمار دؤوبة على ساحلين بالطول والعرض.. واحد أبيض شمالي وآخر أحمر شرقي، إكتظا على امتدادهما  الشاسعين بقصور المترفين.. مالكوها هم أنفسهم من حاصروا بقاهرتهم الجديدة قاهرتنا القديمة!.. إنه اقتصاد الرفاهية الذي يأكل فيه الكبار على موائدهم لحم المطحونين، وحولنا إلى أكبر بلد في العالم ينتج الشيبسي وكروت شحن الهواتف.

بلطجة اجتماعية غابت معها العدالة وحولتنا إلى مجتمع منزوع القيم!

بلطجة إعلامية لم تعد ترى إلا بعين السلطة، ولا تتحدث إلا بلسان أسيادها من رجال الأعمال الذين يدفعون الرواتب بالملايين لنجوم الإعلام الجديد حتى أصبحت مصر هي النموذج الأعلى أجرا بين كل الهياكل الإعلامية في المنطقة بما في ذلك دول الخليج نفسها.. إعلام لعب باقتدار دور ثقب التنفيس لإناء ضغط محكم الغلق يغلي بداخله السواد الأعظم من المطحونين!!

بلطجة ثقافية أزهقت روح الإبداع، فأنتجت ثقافة لا تصلح أوراقها إلا للف البانجو وتغليف أكياس الشيبسي!

بلطجة رياضية أزهقت أيضا روح الرياضة النبيلة، فخرج نجومها عن النص والآداب العامة، وتفرغت محاكمنا لإدارة قضايا الأندية والاتحادات الرياضية.

وبالطبع كانت كل هذه الأنماط من البلطجة تحظى برعاية بلطجة أمنية كبرى توفر الحماية للنظام ومنتفعيه.. وكان رجالها هم أول من دفعوا الثمن يوم الثأر في 28 يناير.

شتان بين مبارك الذي شارك في حرب أكتوبر والذي كان يرتجف من ثقل المسئولية وهو يلقي قسم رئيس الجمهورية لأول مرة في 1981 أمام مجلس الشعب.. وبين مبارك اليوم الذي أصبح مباحا يهان في كل مكان.

شتان بين رجلين.. الأول بحلته الصيفية الزرقاء يحتضن العمال والفقراء رافعا في سنواته الأولى شعار الإصلاح الاقتصادي ومحاربة الفساد.. والثاني اليوم بوجه متجلد ومشاعر لا تتفاعل ولا تستجيب ولا تؤثر، مظللا على نظام من الفاسدين!

مبارك أصبح "عتريسا" معاصرا في الرائعة الخالدة "شئ من الخوف".. ذلك النقي الذي كان ينتفض عندما يرى مشهد ذبح الحمام، تحول لينتهي به الأمر محاصرا خلف قضبان قصره، يلمع في عينيه وهج النيران حوله في كل مكان!

دراما إنسانية تبعث على الأسى، تتكرر اليوم هنا وغدا هناك.. دراما يكتب فصولها كرسي السلطة وبلاط المفسدين وشعوب تؤله حكامها.

في الماضي كتبت هنا مقال "على مقهى الجبل الأحمر" ذكرت فيه أن نفس الوجوه الضائعة البائسة التي رأيتها في تونس منذ سبع سنوات وثارت منذ أيام، أراها هنا في الجبل الأصفر والأخضر وعلى كل مقاهينا، وأنه ليس بالضرورة إذا "احترق" الولد، يكسب الشايب!..

للأسف لم يفهم "الشايب" فاحترق ومعه كل كروت نظامه!

اليوم مصر تولد من جديد.. من رحم سواد الليل واليأس والعجز، بزغ الأمل من جديد في عودة الكبيرة الزعيمة الحامية الوفية لأبنائها وأمتها..

رحم الله شهداءنا.. ولكم التحية يامن كنتم تسكنون داخلنا ولا ندري..!