رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الرئيس يستجدي العطف!

لماذا فرح أغلب المصريين، بل شمت الشامتون، لبدء التحقيق مع مبارك ونجليه وحبسهم احتياطيا على ذمة التحقيقات؟.

استوقفني هذا السؤال طويلا.. ووجدت رأسي يغلي بأسئلة أخرى أكثر إلحاحا منها: لماذا لم يفرح الكثير من المصريين عندما أقيل محمد نجيب ومات جمال عبدالناصر وأنور السادات؟.

وهل كان الزعماء الراحلون بلا أخطاء أو خطايا؟. ألم تشهد عهودهم وقائع فساد وتعذيب وإهانة وظلم للأبرياء؟. أكانت فترة حكمهم مثالا للديمقراطية والحرية والعدالة وهم أول من حكم مصر- تباعا- بالنظام الجمهوري؟. أشهدت مصر في فترات حكمهم ما لم تشهده في حكم مبارك؟.

ربما يختلف الكثيرون حول الإجابة عن هذه التساؤلات، ولكن- بالقطع- لم يكن نجيب وعبدالناصر والسادات من الملائكة، ولم تخلو فترة حكمهم من سلبيات وخطايا.

ولكن الفارق بين الزعماء الثلاثة والرئيس المحبوس احتياطيا، هو أن مصر وهموم شعبها كانت الشغل الشاغل لهم، فالمتتبع لقرارات الثلاثة يرى بموضوعية أنهم كانوا يضعون مصلحة الوطن في المقام الأول حتى إن كانت الديكتاتورية قد صبغت بعض فترات حكمهم، وتسببت في سقطات وانتكاسات وهزائم عصفت بالبلاد لفترة من الزمن.

ولئن كانت فترة حكم نجيب محدودة، فإنها كانت- بلا شك- تمثل مرحلة انتقالية ما بين الحكم الملكي والجمهوري، استطاع خلالها أن يجتاز بمصر عنق الزجاجة، وأن يضعها على بداية طريق الإصلاح والتنمية.

ولم تختلف الرؤية السياسية لعبدالناصر والسادات عن رؤية نجيب، وإن تباينت الأساليب، فمصلحة البلاد كانت هاجسهم الأول، وكانت الأهداف الوطنية والقومية الكبرى هي مسعاهم، فمن ترسيخ أركان ثورة يوليو في عهد نجيب ثم تأميم القناة وبناء السد العالي وإقامة منظومة من المصانع الوطنية في عهد عبدالناصر، إلى نصر اكتوبر، وإنشاء العديد من المدن الجديدة للتخفيف عن العاصمة، إلى إرساء السلام واستعادة بقية الأراضي المصرية المحتلة، وفتح أبواب الاستثمار وتنويع مصادر الدخل والسلاح في عهد السادات.

ويقينا اعتقد أن عبدالناصر والسادات كانا ملهمين سياسيا، ويدركان جيدا سيكولوجية الشعوب على عكس مبارك، الذي انعزل تماما عن الشعب مكتفيا بجوقة المنتفعين والأفاقين، الذين خدعوه بتقاريرهم الكاذبة، فدفعوه منساقا إلى قرارات ارتجالية، أوصلت البلاد إلى الحالة التي تعاني منها الآن.

وسأضرب مثلا للتقريب والتوضيح، فعندما انهزم الجيش المصري في عام 67، لم يلق عبدالناصر باللوم والمسئولية على ضباطه وجنوده، ولم يكابر أو يعاند، إنما بادر بشجاعته المعهودة بالاعتراف بمسئوليته عن هذه الهزيمة، معلنا التنحي عن الحكم. وأيا ما كانت نواياه آنذاك، والتي قد يراها البعض نوعا من المناورة، إلا أن الرجل كان يعتمد على رصيده الشعبي الكبير، فخرجت الملايين من كل حدب وصوب تطالب الرئيس بالبقاء في الحكم، وإعادة بناء الجيش وتسليحه، والاستعداد للمرحلة الجديدة التي تستعيد فيها مصر وجيشها كرامتهما المهدرة.

وعندما انطلقت مظاهرات الغضب ضد السادات ما بين عامي 71 و73، استطاع بدهائه السياسي أن يروض المشاعر الثائرة، ويطلق الشباب والطلاب المقبوض عليهم.. حتى عندما انتفضت الجماهير في يناير 77 ضد قرارات الحكومة برفع الأسعار بنسب تراوحت ما بين 5 و15% على ما أتذكر، وكادت مصر تحترق، كشر السادات عن أنيابه حتى لا يظن من يظن أن قبضته ضعيفة، وأنه أصبح لقمة سائغة من السهل ابتلاعها.. ولكنه في الوقت نفسه سارع بإقالة الوزارة، ثم أطلق سراح من اعتقلوا في هذه الأحداث بعد أيام.

أما الرئيس المحبوس، فلم يكن يعير الإرادة الشعبية أي اهتمام، حتى أن رجاله زوروا انتخابات مجلسي الشعب والشورى تحت عينيه، زاعمين له أنه يرأس "حزب

الأغلبية الكاسحة"، وحينما عبرت المعارضة عن غضبها مما حدث، وأعلنت تشكيل برلمان شعبي أو برلمان الظل قال قولته الشهيرة "خليهم يتسلوا".

وعندما باع للمحاسيب مصانع وشركات القطاع العام بأرخص الأثمان، وهاج العمال والموظفون بعد تشريدهم وإجبارهم على المعاش المبكر، لم تتحرك ذرة في ضميره، ولم يشعر بأي ندم أو شفقة أو رحمة تجاه هؤلاء الفقراء.

وحينما دق الشرفاء ناقوس الخطر مؤكدين أن ملايين المصريين يعيشون في عشوائيات تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة الكريمة، أصدر أوامره بتشييد قصور وفيلات ومنتجعات على الشواطئ، فتحولت إلى مدن صغيرة راقية مغلقة على علية القوم. ولم تقف مبادراته عند هذا الحد، إنما تجاهل تقارير الأجهزة الرقابية، بل أصدر أوامره لرئيس البرلمان بوأد أي استجواب يكشف فساد الحكومة والنظام وأطاح بالمسئولين الشرفاء "وهم قلة" إما بالإقالة وإما بتلفيق بعض التهم للتخلص منهم وإما بسحب الصلاحيات منهم لإجبارهم على الاستقالة.

هكذا، كان يفكر وهكذا كان يستهين بالشعب، فأوقع نفسه ومن معه في مستنقع الكراهية، وما نتج عن ذلك من ثورة عارمة ضد نظامه.

بصراحة شديدة، لم يكن مبارك سياسيا محنكا، ولم يستوعب عبر التاريخ، ولم يسع يوما لأن يكون زعيما وطنيا، ولم ينجح في اختيار معاونيه والكثير من وزرائه، ولم يكن مهتما بالرصيد الشعبي، قدر اهتمامه بالرصيد البنكي، وهذا هو مربط الفرس.. فما تردد عن أرصدته وأملاكه وانتشار الفساد السياسي والمالي خلال حكمه، بينما يعاني السواد الأعظم من الناس شظف العيش، زاد من غليان البسطاء ومحدودي الدخل، الذين كان يدعي- كذبا- أنهم يحظون باهتمامه ورعايته، فعانوا في عهده ما لم يعانوه في فترتي حكم عبدالناصر والسادات من طغيان الحكم وفساد المصالح، حتى أن شعورا عاما ساد بين الناس بأن أي مشروع تقترحه الحكومة أو تنفذه، إنما يهدف بالأساس إلى زيادة غنى الأغنياء واستفحال أرصدة لصوص العمولات، بصرف النظر عن تلبية المطالب الشعبية.

ربما يكون فيما سبق ذكره الإجابة عن السؤال المهم: لماذا سقط مبارك سقوطا مروعا، حتى بات ذليلا في نهاية العمر، يستجدي العطف بالمرض، متناسيا جرائمه في حق الوطن والشعب، مُصرا على ألا يتوب عن خطاياه، ويعيد ما أخذ من أموال الشعب بغير حق، وهو الذي أصبح قاب قوسين أو أدنى من حساب الخالق عز وجل.

[email protected]