عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ولادة الرئيس القادم من رحم التحالفات

 

هل راودتك نفس المخاوف التي راودتني، وأنا أتابع التغيرات المتلاحقة في ملامح المشهد السياسي المصري خلال الأيام الماضية؟. هل شعرت بالامتعاض والاشمئزاز وأنت تقرأ مقالات الانتهازيين عن عهد الفساد، وكيف انقلبوا بين عشية وضحاها إلى شرفاء وأبطال يدافعون عن النزاهة والعدالة والحرية والديمقراطية والمساواة؟.

 

هل اعتراك ما اعتراني من توجس وريبة وأنت تتابع أنباء عودة التيار الديني بكل أطيافه وأشكاله دفعة واحدة إلى الساحة السياسية؟. وهل تظن مثلما يظن آخرون أن هناك من يسعون إلى إيجاد توازن سياسي داخل المجتمع بعد تنامي تيار الليبراليين والشباب من خلال إيجاد قنوات شرعية لتيار الأخوان والتيار السلفي وغيرهما؟.

وهل أصبحت الساحة السياسية الآن مهيأة أكثر لوصول أصحاب التيار الديني إلى مقاعد الحكم؟. وهل ما يرددونه على الملأ عن زهدهم في مقاعد السلطة يتناقض مع حقيقة ما يضمرون؟.

أمن الطبيعي أن شعبا ثار لتغير نظام سياسي جثم على أنفاس الأمة 30 عاما، توافق أغلبيته – بخطاب عاطفي أكثر من عقلاني- على التعديلات الدستورية على ما فيها من ثغرات قد تهدد بعودة الديكتاتورية بشكل أو بآخر إلى سدة الحكم مرة أخرى.. أم أن الناس ملت من المظاهرات والاحتجاجات ولم يعد لديها مزيد من الصبر على إجراء التغيير الشامل؟. أمن المنطقي أن يقاتل الشعب المصري من أجل الديمقراطية ويدفع الثمن من أرواح شبابه ويريق دماء رجاله ثم لا نحتمل خلافا في الرأي مع الآخرين، وندخل في معارك كلامية قد تصل أحيانا إلى لغة الحواري؟.

أمن الطبيعي أن نرى عشرات الأحزاب تتزاحم على التأسيس واكتساب الشرعية.. أم أن ذلك ولادة غير قيصرية لمرحلة سياسية جديدة تتسم بالتعددية والاختلاف في الرأي؟. وهل كنا نعاني من غياب التعددية بينما لدينا 21 حزبا رسميا معترفا بها وأربعة مجمدة، وأكثر من 15 حركة سياسية لم تعترف بها الحكومة حتى الآن؟.

أمن من طبيعة المرحلة الحالية أن نسمع عن عشرات الأشخاص الذين يعتزمون الترشح للمنصب الرئاسي وهم الذين لم يكن أغلبهم يحلم بأكثر من منصب محافظ أو وزير.. أم أن الطمع في كرسي السلطة الأكبر، وما وراءه يجر هؤلاء جرا إلى حلبة الصراع؟. وهل حققت ثورة 25 يناير بالفعل أهدافها بينما نرى رموز الحكم السابق وحزبه غير الوطني يرفلون في نعيم الشعب وأمواله دون أن تمتد إليهم يد العدالة عدا حفنة قليلة منهم؟.

*******

إن هذه التساؤلات وغيرها مازالت تؤرقني وربما تقلق الكثيرين غيري، لاسيما ونحن نرى وجوها قميئة لا تزال تتصدر المشهدين السياسي والإعلامي، ولكن ذلك لا يعني على الإطلاق أن نتشاءم أو نحبط، فتلك طبيعة الثورات في كل الدنيا.

وإذا كنت أرى أن الخوف ليس على نجاح الثورة، فهي ناجحة بكل المقاييس، فإن القلق الذي قد يساور الكثيرين وأنا أحدهم ينصب على محاولات القفز على الثورة من تيارات سياسية مختلفة، في مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين التي تسعى حاليا لتأسيس حزب سياسي يكسبها الشرعية التي افتقدتها طوال أكثر من سبعين عاما، وكذلك فلول الحزب الوطني التي تحاول أيضا تجميع قواها في صورة أحزاب سياسية مختلفة، وليس حزبا واحدا حتى لا يواجه بقوى رفض شعبية مضادة، فهم يختارون وجوها ليس عليها غبار وتتمتع بشعبية في مواقعها.

والهدف... هو تشتيت جهود المعارضة، فلا تقوى على التركيز على حزب واحد في المعركة الانتخابية للبرلمان والرئاسة، ثم ما تلبث الصورة أن تتبدل مرة أخرى إلى ما كانوا عليه في مسعى للحفاظ على غنائمهم ومصالحهم الذاتية.

ولمن لا يصدق عليه أن يعود إلى ما نشرته بعض الصحف خلال الفترة الماضية عن الأحزاب التي تتهيأ للحصول على تراخيص، ومنها حزب أعلن مؤسسه أنه جمع آلاف الأعضاء خلال أيام، وأنه بصدد تجميع 10 ملايين عضو قبل انتخابات رئيس الجمهورية المقبل.!!

المدهش حقا أنني تتبعت صفحة هذا الحزب على

"الفيس بوك"، فوجدت أن عدد المعجبين  به لم يتجاوز 213 شخصا رغم مرور أكثر من شهر على الإعلان عنه. أما الأغرب من ذلك فهو أن مؤسس الحزب يعمل موظفا لدى رجل الأعمال وعضو الحزب الوطني البارز حسن راتب، ولا أود أن أخوض في تفاصيل أخرى ليس هذا وقتها.

وفي ذات السياق، سمعنا عن اعتزام صفوت الشريف وبعض رموز الحزب الوطني تأسيس أحزاب أخرى بديلة للحزب الراحل، بخلاف الأحزاب الكرتونية التي أسستها مباحث أمن الدولة  في مرحلة سابقة لتفتيت الجهود وضرب أحزاب المعارضة القوية.

يقينا، أدرك أن هذه الأحزاب لن تختلف عن سابقتها الكرتونية، ولن تحظى بأي شعبية مطلقة، فأنا أراهن على الوعي السياسي المصري بعد نجاح الثورة.

*******

أما الإخوان المسلمون الذين لم يرفعوا شعارهم المعروف "الإسلام هو الحل"  خلال مظاهرات الثورة، لأنهم كانوا على يقين أن إبعاد الدين عن السياسة، ساهم في زيادة الضغوط الشعبية والخارجية التي انتهت بتنحي الرئيس السابق، فهم الأكثر قدرة على احتواء الزخم الشعبي، ليس لأنهم على صواب والآخرين على خطأ، وإنما لأنهم يلعبون على أهم ورقة انتخابية، وهي دغدغة مشاعر الناس الدينية والعزف على وتر الحلال والحرام لاسيما في مجتمع مازال متمسكا بالدين. ولعل ما حدث في الاستفتاء على التعديلات الدستورية خير دليل على أنهم- وهذا اعتراف مني وليس تأييدا لهم- محترفو سياسة من الطراز الأول، وأنهم قادرون على تحريك الجماهير.

إذن.. المعركة الانتخابية المقبلة لن تسمح لطرف ما بأن يستحوذ على أغلبية مطلقة، فكثرة الأحزاب والتيارات السياسية- شرعية كانت أم غير شرعية- وبالتالي كثرة المرشحين ستفتت الأصوات الانتخابية خاصة إذا أجريت وفق النظام الفردي وليس القوائم النسبية.

ولذلك، أرى أن الإخوان (حسبوها صح جدا) حينما قالوا إنهم لا يطمعون في غير 20% من المقاعد البرلمانية في الانتخابات المقبلة، وأنهم لن يرشحوا أحدا منهم لمنصب الرئيس، فالمرحلة الحالية لا تتيح لمثل هذا المرشح الوصول إلى الحكم، وإن كان نزول شخص أو اثنين من المقربين منهم ممن ينتمون إلى التيار الديني قد يكون بمثابة بالون اختبار لمدى قوتهم الشعبية للوصول إلى هذا المنصب.

وأظن وليس كل الظن إثما أن التحالفات السياسية ستكون السمة البارزة خلال المرحلة المقبلة، إذ لن يقوى حزب واحد على تشكيل الحكومة الجديدة، ولن يكون الطريق إلى المقعد الرئاسي مفروشا بالورود والرياحين، كما يتوهم الواهمون وما أكثرهم هذه الأيام، فالأحزاب التي ستنجح في "جمع شمل" القوى الوطنية هي التي سيخرج من رحمها الرئيس القادم لمصر، وليست الكاريزما السياسية وحدها.

[email protected]