عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

لله درك يا عبدالله

قد تكون شهادتي مجروحة إذا كنت راغبا في البقاء بالسعودية، فجميع المقربين مني يعلمون أنني اعتزم العودة إلى مصر في أقرب فرصة لإصدار صحيفة جديدة بعد تعديل القوانين المعيبة، وإطلاق حرية إصدار الصحف كنتاج طبيعي لثورة شعبية لم يكن أحد من المصريين يتوقع حدوثها ذات يوم بعدما ظللنا سنوات طوال نقرع أبواب النظام الحاكم دون جدوى.!

ولكن يعلم الله أنني اكتب بوازع من ضمير، لا بحثا عن منصب أو مكسب، وبرؤية كاتب احترف السياسة وتغلغل في دهاليزها، وباشر العمل العام منذ أكثر من 30 عاما.. ويعلم الله أيضا أنني لو كنت من أولئك الكتاب، الذين فتحوا جيوبهم لهذا أو ذاك، لما غادرت بلدي مغتربا وأنا مدين بعدة آلاف وليس لدى بيت وأعيش في منزل أسرتي، باحثا عن مال حلال ولقمة عيش شريفة، تكفيني مذلة السؤال، وتحميني من لحظة ضعف قد تتسلل إلى نفسي.

وحتى لا أطيل في هذا الجانب، أود القول إن من حق الشعب السعودي أن يفخر بحاكمه، الذي بادله حبا بحب ووفاء بوفاء.. ذلك الحاكم الذي اتسم عهده بالعدل والرحمة.. فتح أبوابه للفقير قبل الغني، وللضعيف قبل القوي.. أغاث الملهوف وضمد جراح المكلوم.. انتصر للحق بلا مكابرة أو مواربة.. قال لمن جرفهم تيار الضلال: عودوا إلى صوابكم وسأعفو عنكم، فاستجاب من استجاب، بل وصل الأمر إلى حد سداد ديون هؤلاء والتكفل بتوفير منازل وأعمال لهم. ولم ينس أسر الشهداء، وأسبغ عليهم من الدعم والمساعدة ما يكفيهم السؤال طول العمر.

نعم.. من حق الشعب السعودي أن يفخر بحاكمه، ومن واجبنا أن نعين مثل هذا الحاكم الصالح حتى يؤدي الرسالة التي اختاره الله لها.. بل ندعو الله جل جلاله أن يتهيأ للشعوب العربية حكام يسعون من أجل مصالح شعوبهم وليس لنهب أموالهم وتحويلها إلى حساباتهم في الخارج.

لقد أدرك العاهل السعودي مبكرا رسالة الحاكم الحقيقية، فجاءت قراراته لتصب في هذا المجرى، منطلقا من الحكمة القائلة "استفتي قلبك ولو أفتوك".. فبفطرته النقية، كان يتحسس تطلعات واحتياجات الناس قبل أن يخضعها للعقل، فإذا توافق العقل مع الشعور بالرضا، خرجت القرارات مستهدفة صالح الوطن والمواطن.

فماذا يريد الشعب السعودي بعد ذلك؟. وكيف يتوهم الواهمون أنه سيثور ضد حاكم وضع مصلحة الشعب نصب عينيه؟.

إن حكمة القيادة وحنكة القائد تجلت فيما يمكن أن أسميه "ترمومتر النبض الشعبي"، فهو بهذا الترمومتر يستطيع أن يحدد مواضع الألم ومكامن الحرارة، فيبادر بمعالجة ما يحتاج إلى علاج.. لا يترك الناس تجأر بالشكوى، ولا يرضيه إلا ما يخدم شعبه ويحقق مصالحه.

وبنفس "الترمومتر" يقيس علاقاته الخارجية، ويسعى لترسيخ مبادئ السلام مع الآخرين، ليس خوفا من أحد ولا كراهية في أحد، إنما حرصا على الأمن والسلام العالميين وبما يخدم شعبه ودولته وأمته العربية والإسلامية.. لم يشأ أن يضيع ثروات بلده ودماء شعبه في مغامرات عسكرية، إنما تصدى لمن حاول المساس بالتراب الوطني، وهذا حق مشروع لأي شعب وأي دولة.

ومن هذا المنطلق، بادله الشعب السعودي والإسلامي حبا بحب ووفاء بوفاء، فتركزت جهوده لإطلاق مسيرة نماء وتنمية، قل أن نجد لها مثيلا في الوطن العربي.. وبالوفاء والإخلاص لشعبه، سامح وتسامح إلا في حق الوطن.

لم يبخل على أحد سواء من أبناء شعبه أو من الشعوب الإسلامية.. امتدت أياديه البيضاء إلى كافة أصقاع الدنيا، لا يبغي إلا مرضاة الله، وأداء دوره الوطني والإسلامي الذي تحتمه مسئولية بلاده كراعية للحرمين الشريفين ورائدة للعالم الإسلامي، ففتح

بلاده للعمالة القادمة من هنا وهناك حتى وصل عدد من يعيشون في كنفها إلى أكثر من سبعة ملايين.. هؤلاء ينفقون على عشرات الملايين من عائلاتهم في بلادهم، ويحولون إلى أوطانهم عشرات المليارات من الدولارات سنويا دون مَن أو أذى.

إن الكتابة عن مآثر هذا القائد قد تحتاج إلى مجلدات، فعن ماذا نكتب؟. عن رعايته للمقدسات الإسلامية في مكة المكرمة والمدينة المنورة، أم عن محاولاته الدائمة لرأب الصدع العربي، أم عن سعيه الحثيث لمساعدة الأشقاء والأصدقاء في المحن والكوارث.

إذا رأيته مستقبلا شعبه في مجالسه المفتوحة، تذكرت عمر بن عبدالعزيز في عدله وحكمته وتواضعه، فقد وضع العدل دستورا له وتواضع لله فرفعه ليس في المقام وحسب، إنما في قلوب الإنسانية كافة.

أوليس ذلك حق له، وهو الملك الذي فتح خزائن الدولة لمواطنيه وضخ في شرايين المجتمع مئات المليارات من الريالات، من دون أن يطلب شيئا منهم غير الدعاء له قائلا بكل تواضع وصدق "أسألكم جميعا الدعاء".

أوليس من حقه كحاكم أن يحظى بحب شعبه، وهو الذي أصدر في غضون ثلاثة أسابيع بعد عودته سالما من رحلته العلاجية الأخيرة أكثر من 33 أمرا ملكيا، تصب جميعها في مصلحة الوطن والمواطن، لينعم الشعب السعودي بخير بلاده.

أوليس من حقه، وهو رجل الدولة، عظيم الشأن، سديد الرأي، ثاقب البصيرة، ناشر قيم العدل والحرية أن يبادله الناس مشاعر الحب والوفاء؟.

قال في كلمته الأخيرة لشعبه إنه لن يسمح بالفساد لكائن من كان، واتسمت قراراته بعبارات حاسمة: ينفذ فورا، أو عاجلا.. لا تسويف ولا مماطلة.. ماذا يريد الشعب السعودي بعد ذلك؟.

لقد انطلقت مسيرات عفوية بالآلاف في كافة شوارع السعودية، تعبيرا عن حب وولاء الشعب لقائده، ليس لأنه استجاب لتطلعات أبناء شعبه وحسب، إنما للرد على دعاوى المغرضين، الذين يدبرون المكائد لهذه البلاد، حتى لا تهنأ بما أفاء الله عليها من نعم الأمن والرخاء.

إن هذه المسيرات- من وجهة نظري- استفتاء شعبي على حب السعوديين للملك عبدالله.. استفتاء لم تمتد إليه يد التزوير، ولم تصنع نتائجه أيدي الضلال والمظللين، الذين التفوا حول العديد من الأنظمة العربية فأفسدوها ووضعوها في مواجهات عنيفة مع القلاقل والاضطرابات والثورات الشعبية.

لله درك يا عبدالله، فلو كان في بلاد العرب قائد مثلك، لحقنت الشعوب دماءها، ولنامت قياداتها قريرة الأعين.