رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

الجحيم الزاحف وكيف نتجنبه (2)

عرضنا في الحلقة السابقة المقال المطول للكاتب «توني كارلوتشي» المنشور في 6 مارس علي موقع «انفورميشن كليرنج هاوس»، يشرح فيه المؤامرة الأمريكية الإجرامية علي المنطقة وأهدافها نقلا عن مقال الكاتب الصحفي اليهودي الشهير «سيمور هيرش»، الذي نشره سنة 2007 في جريدة «النيويورك» ويوضح فيه «هيرش» للعرب الخطر الجسيم المحدق بهم وكيف يمكنهم مواجهته، وقد عرض في الجزء الأول الذي نشرناه كيف تستخدم أمريكا تنظيمات الإرهاب التي خلقتها مثل القاعدة وداعش لتحارب بها أعداءها وتنفذ به مؤامراتها، وكيف انكشف دور عصابة الإخوان المسلمين في خدمة الاستعمار الأمريكي.

وفي هذه الحلقة تحت عنوان «داعش هي تنظيم القاعدة وأمريكا تساند كليهما» يستطرد «هيرش» قائلا: إن محاولات حصر المسئولية السياسية بالنسبة لصعود واستمرار المتطرفين في العالم العربي ليست هي اللعبة الوحيدة التي تلعبها المصالح الغربية الخاصة، فقد حاولوا أيضا اللعب بالإرهابيين أنفسهم، فقد صرحت أمريكا بالنسبة لجماعات إرهابية في سوريا بأنها جماعات «معتدلة» وزودتها بالسلاح والمال وكل أنواع التأييد من دول الغرب وواضح الآن أن هذه الجماعات فروع من تنظيم القاعدة مسلحة بأسلحة أمريكية وممولة بالكامل من أمريكا. فتنظيم القاعدة في سوريا يعمل تحت اسم «جبهة النصرة» وبدأت جماعاته المسلحة في سوريا نشاطها منذ سنة 2011، وهذا الكلام ليس كلاما دعائيا تختلقه حكومة بشار الأسد، بل تعترف وزارة الخارجية الأمريكية منذ سنة 2012 أن جبهة النصرة تنظيم أجنبي إرهابي. ويقول تصريح الخارجية الأمريكية بالحرف الواحد: «إن تصنيف جبهة النصرة كتنظيم إرهابي يؤكد أنه فرع لتنظيم القاعدة في العراق، ومنذ نوفمبر سنة 2011، شنت جبهة النصرة ستمائة هجمة إرهابية تتراوح بين عمليات انتحارية وهجمات بالأسلحة الصغيرة وبالمفرقعات في وسط المدن الرئيسية ومنها دمشق وحلب وحماة ودرعا وحمص وإدلب ودير الزور، وقد قتل في هذه الهجمات العديد من السوريين الأبرياء، وقد حاولت جبهة النصرة من خلال هذه الهجمات تصوير نفسها كجزء من المعارضة السورية المشروعة، رغم أنها في الواقع محاولة من تنظيم القاعدة لاختطاف كفاح الشعب السوري وتسخيره لخدمة أغراضها الشريرة، فأمير تنظيم القاعدة المدعو «أبودعاء» يسيطر علي القاعدة وعلي جبهة النصرة وقد حدد الاتهام لـ«أبودعاء» كل من وزارة الخارجية الأمريكية برقم 13224 E.D بتاريخ 3 أكتوبر سنة 2011. كما حددته الأمم المتحدة بقرار مجلس الأمن رقم 1267 في 5 أكتوبر سنة 2011، ويصدر «أبودعاء» من آن لآخر توجيهات استراتيجية لجبهة النصرة وأميرها «أبومحمد الجولاني»، وقد أمره أن يبدأ النشاط في سوريا.
وللقراء الذين يصدقون ما أعلنته وزارة الخارجية الأمريكية من أن «جبهة النصرة تحاول تصوير نفسها كجزء من المعارضة السورية المشروعة بينما هي في الواقع تحاول اختطاف كفاح الشعب السوري لخدمة أغراضها الشريرة».. نقول لهؤلاء القراء إنه سيصدمهم ولا شك أن يكتشفوا أنه  واضح تماما الآن أن أمريكا وحلفاءها يعتبرون جبهة النصرة كجزء من المعارضة السورية المشروعة.
وحتي تسوق هذه الأكذوبة تقوم جبهة النصرة حاليا بحملة علاقات عامة بمساعدة احتكارات الإعلام الغربية مثل شبكة رويترز الاخبارية التي أعلنت في تقرير لها أن «جبهة النصر قد ترك تنظيم القاعدة لتكوين تنظيم جديد وأن قادة جبهة النصرة السورية يفكرون في قطع علاقاتهم بتنظيم القاعدة وتكوين تنظيم جديد تؤيده بعض دول الخليج التي تحاول إسقاط حكم الرئيس بشار الأسد، وقد أعلنت مصادر من داخل جبهة النصرة ومصادر قريبة منها أن قطر التي تحتفظ بعلاقات جيدة مع جبهة النصرة تشجع الجبهة علي المضي في هذا الطريق الذي سيضمن للجبهة مزيدا من المساعدة المادية».
وهذا شيء طبيعي تماما فجبهة النصرة حاليا تحت النفوذ الكامل لحلف الناتو الذي يساعدها ويمدها بالسلاح، ويمكنها من إقامة مركزها فوق أرض تركيا عضو حلف الناتو وبينما تحاول شبكة رويترز تصوير جبهة النصرة علي أنها «عدو لعدونا» زاعمة أن مساعدتها بالمال والسلاح سيشجعها علي محاربة «داعش» فإن الواقع الأكيد يقطع بأن جبهة النصرة وعصابة «داعش» هي نفس الشيء.
والأسوأ من ذلك أن هذه الخدعة هي محاولة تصوير

تنظيم القاعدة كحركة متشعبة الأطراف يحارب بعضها بعضا، حتي يمكن استعمال نفس التنظيم الإرهابي في أهداف متعددة ومتعارضة أحيانا، وقد ثبت هذا بجلاء خلال الاحتلال الأمريكي للعراق.
وقد ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» في مقالها الآتي حرفيا: قائد تنظيم القاعدة في العراق  شخصية وهمية كما أكد كبير الناطقين العسكريين الجنرال «كيڤين برجنر» وأكد أن «البغدادي» المزعوم كان في الواقع شخصية وهمية كانت تصريحاته تعد بصوت ممثل عجوز يدعي «أبوعبدالله النايما»، وأضاف الجنرال أن هذه الفبركة كانت من إعداد «أبوأيوب» المصري زعيم القاعدة في العراق والمصري المولد الذي كان يحاول إخفاء الدور القيادي للأجانب في هذا التنظيم الإرهابي، كان الهدف هو ابتكار شخصية «البغدادي» الذي يوحي اسمه بشخصية عراقية، ووضعه علي رأس تنظيم صوري يدعي «الدولة الإسلامية في العراق». ثم ترتيب قيام المصري بأداء يمين الولاء له وحاول أيمن الظواهري خليفة بن لادن تدعيم هذه الخدعة بذكر اسم «البغدادي» في تصريحاته في الڤيديو والانترنت، فالواقع أن «الدولة الإسلامية في العراق» كانت كيانا وهميا فهي نفس تنظيم القاعدة ونفس «الدولة الإسلامية في سوريا والعراق.. داعش».. فكلها أسماء وهمية من باطن تنظيم القاعدة والقوي التي تسانده، وأكبر دليل علي صورية هذه التنظيمات هو موضوع الإرهابي الليبي عبدالحكيم بلحاج فقد كان عضوا فيما يسمي «المجموعة الإسلامية الليبية المقاتلة» لسنوات عديدة، وقد سافر إلي أفغانستان وحارب ضد أمريكا بعد أحداث سبتمبر سنة 2001، ووقع في الأسر وسجل اسمه ضمن برنامج التجنيد السري الأمريكي، وبعد الإفراج عنه في ليبيا قام بتنظيم وقيادة تمرد مسلح ضد حكومة القذافي وتلقي تسليحا وتمويلا هائلا من حلف الناتو بل تلقي غطاء جويا من طائرات الناتو.
وقد كشف تقرير لمركز «وست بوينت لمقاومة الإرهاب» سنة 2007، في بحثه عن جنسيات المحاربين الأجانب الذين قبض عليهم في العراق خلال مقاومتهم للاحتلال الأمريكي للعراق أن المتمردين الذين كان حلف الناتو يساندهم في ليبيا بقيادة «بلحاج» كانوا في الواقع مقاتلين مجندين من صفوف «المجموعة الإسلامية الليبية المقاتلة»، والتي تعتبرها وزارة الخارجية الأمريكية وكذا وزارة الداخلية البريطانية تنظيما إرهابيا أجنبيا، ومع ذلك التقطت صورة للسيناتورين الأمريكيين «ماكين» و«لندزي جراهام» مع أحد أكبر قادة تنظيم القاعدة وهو عبدالحكيم بلحاج بعد أن سلم حلف الناتو الدولة الليبية له ولتنظيمه الإرهابي سنة 2011، وتؤكد المعلومات المتوافرة حاليا أن «بلحاج» يعمل حاليا تحت راية تنظيم «داعش».
ونقف عند هذه الفقرة لنستكمل في الحلقات التالية باقي خطة الخداع الأمريكي وخلط الأوراق لدرجة قد يستحيل معها علي الدول والشعوب المستهدفة معرفة من يحارب من ومن هو العدو ومن هو الصديق.


نائب رئيس حزب الوفد