عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

داعش تغير خريطة الشرق الأوسط

نشرت مجلة جيوبوليتكال ويكلى فى 25 نوفمبر سنة 2014 مقالاً غاية فى الأهمية بقلم كاتبها الشهير جورج فريدمان يوضح كيف يتلاعب الاستعمار الأمريكى بمصير المنطقة مستخدماً المسخ الذى خلقته يداه الآثمة باسم دولة الخلافة الإسلامية «داعش».

يقول فريدمان إن التحول الفجائى فى علاقة أمريكا بإيران والتقارب بينهما جاء نتيجة ظهور دولة الخلافة الإسلامية التى لا تختلف كثيراً عقائدياً عن غيرها من حركات الإسلام المتطرف كالجهاد، ولكن من ناحية جيوسياسية فداعش قد فصلت نفسها عن باقى الحركات المتطرفة مثل القاعدة التى كانت تتمنى القيام بدور داعش ولكنها لم تسيطر على أى أرض مثل داعش، ولكن داعش كما يوحى اسمها «الدولة الإسلامية» ترى نفسها كنواة تخرج منها دولة إسلامية تنمو، فقد رسخت قدمها فى سوريا والعراق كوحدة سياسية وتسيطر على منطقة واضحة فى الدولتين.. ولديها ما يشبه الجيش التقليدى بهدف الدفاع عن أرضها وتوسعة مساحتها، وحتى الآن ورغم تمددها وتراجعها أحياناً فداعش تقف كدولة إسلامية تضع معظم مواردها فى تشكيلات حرب عصابات وتملك تنظيماً إرهابياً قوياً، فهى كيان جديد فى المنطقة فى صورة حركة إسلامية تتصرف كدولة إقليمية، وليس من الواضح أنها ستبقى على قيد الحياة، فهى عرضة لهجمات من أمريكا التى تحاول خلق تحالف لغزوها، كما أنه ليس واضحاً إن كانت داعش تستطيع توسيع رقعة أرضها، فيبدو أنها وصلت لأقصى تمددها فى أرض كردستان.
كما أن الجيش العراقى الذى هزمته داعش هزيمة كبرى فى أول قيام لداعش يبدى حالياً القدرة على القيام بهجوم مضاد على داعش.
تهديد إقليمى جديد:
الدولة الإسلامية قد خلقت خطراً سبب دخول القوى الإقليمية والدولية فى الساحة لتحديد كيفية تصرفها، فوجود داعش يستحيل تجاهله لأنها أصبحت كياناً إقليمياً، وأجبرت الأمم على تعديل سياستها وعلاقتها بعضها البعض كنتيجة لذلك، ونرى هذا واضحاً داخل سوريا والعراق، فدمشق وبغداد ليستا وحدهما اللتين تضطران لمواجهة الدولة الإسلامية، فقوى إقليمية أخرى مثل تركيا وإيران والسعودية داخل هذه المعمعة وتحتاج لإعادة حساباتها، فتنظيم إرهابى مثل داعش يستطيع إلحاق أضرار بليغة ولكنه يبقى حيا نتيجة قدرته على الانتشار، فالدولة الإسلامية بها عنصر إرهابى ولكنها قوة مركزة فى الوقت نفسه تستطيع توسيع رقعتها، كما أنها تتصرف بطريقة جيوسياسية، وطالما بقيت موجودة فهى خطر جيوسياسى وتحد لجيرانها، وبالنسبة لسوريا وإيران تمثل الدولة الإسلامية عنصراً عربياً من طائفة السنة.
وقد فرضتا نفسها على المناطق السنية بالعراق، رغم المقاومة التى تلقاها من سنة العراق، فبعض المقاومة لأى دولة جديدة أمر لا يمكن تجنبه، وقد استطاعت الدولة الإسلامية حتى الآن العيشة مع هذه المقاومة، ولكن داعش هاجمت أيضاً المنطقة الكردية والشيعية وحاولت خلق اتصال أرضى مع قواتها فى سوريا مغيرة بذلك العراق من الداخل إلى حد كبير عندما كان السنة ضعفاء ومتقرقين، فالدولة الإسلامية قد أصبحت الآن قوة مهمة فى المنطقة شمال وغرب بغداد مهددة بذلك منطقة النفط الكردية، وقد كان لداعش أثر أكثر تعقيداً فى سوريا، حيث أضعف وجودها المجموعات الأخرى المناوئة لحكم بشار الأسد مقوية بذلك من نفوذ بشار ومن قوتها فى نفس الوقت، وهذه الديناميكية تظهر بوضوح الجيوسياسية المعقدة التى سببها وجود الدولة الإسلامية.
المواجهة عن طريق تحالف
انسحبت أمريكا من العراق على أمل أنه حتى لو لم تستطع بغداد السيطرة الكاملة على الدولة فتستطيع على الأقل خلق توازن بين القوى الموجودة رسمياً أو فعلياً، كان هدف أمريكا متفائلاً ولكن لم يكن مستحيلاً، ولكن ظهور الدولة الإسلامية قلب كل الموازين بشدة وكان الضعف الظاهر فى البداية من القوات العراقية والكردية فى مواجهتها جعل أمريكا تدرس احتمال سيطرة الدولة الإسلامية على أجزاء كبيرة من سوريا والعراق بما يمثل تحدياً لأمريكا لا تستطيع تجاهله أو مواجهته كاملاً، وكان رد أمريكا هو إرسال طائراتها مع قوات أرضية محدودة جداً لمهاجمة الدولة الإسلامية مع العمل على خلق تحالف إقليمى لمواجهتها، والآن فمفتاح هذا التحالف هو تركيا التى أصبحت قوة إقليمية لها وزنها، حيث تملك أكبر اقتصاد وأكبر قوة عسكرية بالمنطقة، كما أنها أكثر عرضة للتهديد بما يحدث فى سوريا والعراق الملاصقتين لها، وكانت سياسة تركيا بقيادة أردوجان هى تجنب المواجهة مع جارتها وهو ما نجحت فيه للآن، والآن تريد أمريكا من تركيا تقديم قوات برية خصوصاً لمقاومة الدولة الإسلامية، ولتركيا مصلحة فى ذلك حيث إن النفط العراقى يساعد تركيا على تنويع مصادر طاقتها، وحتى

لا يمتد النزاع لداخل أرض تركيا، خاصة أن أكراد تركيا على حدود منطقة القتال، ولذلك فوضع تركيا عسير فلو تدخلت فى الحرب ضد الدولة الإسلامية فسيكون هناك اختيار لقدرة جيشها الذى لم يحارب منذ الحرب الكورية سنة 1950، وليس هناك ضمان لأن تكسب الحرب، كما أنها ستكون بمثابة استئناف للدور التركى خلال الإمبراطورية العثمانية بالتحكم فى تشكيل السياسة العربية، خاصة وأمامها مثل العجز الأمريكى عن تشكيل هذه السياسات فى العراق، ولكن فى الوقت نفسه فعدم الاستقرار على حدود تركيا الجنوبية وظهور قوة إقليمية جديدة فى سوريا والعراق يمثل تهديداً ضخماً لتركيا، وهناك شكوك أن تركيا تساعد الدولة الإسلامية سراً، ولكن أشك جداًفى ذلك، فذلك سيغضب أمريكا جداً.
إن تركيا تريد سقوط نظام الأسد فى سوريا، ولكن أمريكا تخشى لأن يحل محله نظام متطرف جهادى سنى أو تسود الفوضى، وتركيا تريد أن تحل محل الأسد حكومة سنية موالية لها، فإذا لم ترضى أمريكا بذلك فسيكون لتركيا العذر ألا تتدخل فى القتال، وإذا قبلت أمريكا فإن تركيا ستحقق أهدافها فى سوريا ولكن على حساب مخاطرة ضخمة فى العراق، ولذلك فإن الدولة الإسلامية أصبحت الموضوع الرئيسى فى علاقة أمريكا بتركيا بعد أن كانت علاقة تركيا بإسرائيل هى الموضوع الرئيسى فى علاقة أمريكا بتركيا.
وإلى هنا ينتهى هذا الجزء من مقال فريدمان المسموم الذى يقلب الحقائق رأساً على عقب حتى تختلط المفاهيم لدينا تماماً، ونوضح فى النقاط التالية كيف يتلاعب فريدمان بالحقائق:
1 - لم يذكر فريدمان حرفاً واحداً عن الدور الشرير الذى لعبته أمريكا فى خلق المسخ الإرهابى الذى يسمى داعش، ولا كيف حصلت عصابات الإرهاب على نصف لواء أمريكى مدرع من أحدث الدبابات التى غزت بها شمال العراق واحتلت مدينة الموصل التى أصبحت قاعدتها فى التمدد فى أرض شمال العراق وسوريا، ولم يذكر كلمة داعش أو isis كما يسميها الغربيون مرة واحدة فى مقاله.
2 - تحدث فريدمان عن الدولة الإسلامية كما لو كانت دولة حقيقية لا يبقى إلا أن يعترف العالم بها، كما كان التمهيد الأمريكى لإقامة إمارة إسلامية فى سيناء كانت أمريكا ودول غرب أوروبا مستعدة للاعتراف بها فور إعلانها، كما أقرت بذلك هيلارى كلينتون فى حديثها الصحفى المشهور، ولولا عناية المولى ويقظة شعب مصر وجيشها الوطنى الذى ضرب المؤامرة الأمريكية فى مقتل وأسقط حكومة عملائها من عصابة الإخوان الإرهابية لكنا نحارب اليوم «دولة» يعترف بها أعداؤنا بزعامة الشيطان الأمريكى الأكبر.
لقد أصبح الصراع حتى الموت بيننا وبين المؤامرة الغربية على المكشوف تماماً، وليس أمامنا من خيار سوى الاستمرار فى الدفاع عن أوطاننا مستعينين بالأصدقاء فى روسيا والصين وباقى الدول التى تتعرض لنفس الخطر الاستعمارى مثلنا.
ونعرض فى المقال التالى باقى مقال فريدمان المسموم الذى يغطى الدور الذى تحاول أمريكا رسمه لإيران ومكان أمريكا الذى تهيئ له فى مركز الشرق الأوسط.

نائب رئيس حزب الوفد