عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ثورة مصر بقلم أوروبية أمينة

تحت عنوان «شرح حقيقة الثورة السلمية.. خمس خرافات وحقائق عن ثورة مصر» نشرت الدكتورة سينتيا بواز أستاذة العلوم السياسية مقالاً يعتبر أصدق ما كتبه قلم غربي عن ثورة مصر المجيدة وأكثرها انصافاً للثوار، ونقدم للقارئ هذا المقال مع شكرنا العميق للكاتبة علي أمانتها.

 

تقول الدكتورة بواز: إن سقوط الأنظمة في تونس ومصر قد أنتج تحليلات عديدة جداً من معلقي الإعلام حول العالم وكان بعض هذه التحليلات ممتازاً ولكن الكثير منها مما نشر في الإعلام التقليدي عن أسباب وكيفية حدوث الثورة والقوي الواقفة خلفها كان بعيداً جداً عن الحقيقة.. فهناك عدد من الأخطاء تم ترديدها مراراً في تغطية الإعلام للربيع العربي.. ومن المهم معرفة هذه الأخطاء لأن آليات كيفية تغيير القوة مهمة للغاية، وبتعبير المهاتما غاندي فإن الغاية والوسيلة لا تنفصلان.. وأن ما تكسبه بالعنف لا تستطيع الاحتفاظ به إلا بالعنف وأن ما تكسبه سلمياً من خلال حركة سلمية واسعة هو الأكثر شرعية والأجدر أن تحتفظ به في المدي الطويل، وفضلاً عن ذلك فإن همنا وتفسيرنا لمصادر السلطة التي برزت في تونس ومصر في الربيع الماضي يمكننا من تكوين فكرتنا في المدي الطويل عما هو ممكن فإذا اعتنقنا بوعي أو دون وعي أفكاراً خاطئة أو سلبية عن الثورة السلمية فإننا ندمر الروح المعنوية للشعوب القائمة بالصراع بل ونعطي مصداقية لطغاتها وأسرد فيما يلي أكثر خمس أكاذيب احتضنها الإعلام الغربي عن ثورة مصر وتصحيحي لكل منها:

الأكذوبة الأولي: إن الثورة كانت تلقائية والحقيقة أنه رغم أن المعلقين مازالوا يتحدثون عن الثورة المصرية قائلين إن أحداً لم يكن يتوقعها فإن العنصر الأساسي في نجاحها كان التخطيط.. فكما رأينا خلال قمة فترة قمع مبارك للثورة كانت الحركة قادرة علي توحيد الشعب سلمياً وبطرق منظمة وإذا تذكرنا كيف حاول النظام القمعي بضراوة تفجير العنف فإنه من المدهش كيف بقي منظمو الثورة ملتزمين بالمحافظة علي النظام وعدم العنف، ولم يكن أي من ذلك ممكناً دون سنوات من التخطيط، فالناشطون المصريون عملوا لسنوات علي تحديد مصادر القوة في مصر وتحييدها، وامتد جهدهم لإجراء اتصالات شخصية بالقوات المسلحة، خاصة قادتها مما أفسد علي النظام الطغياني المسيطر نظرية «فرق تسد» وبعد بناء علاقات شخصية مع الأعمدة المساندة للديكتاتورية دفعتهم الثورة إلي التساؤل عن شرعية الحاكم والنظام الذي يؤيدونه ولذا فعندما يقول محللوا الإعلان عن ثورة مثل الثورة المصرية إنها كانت عفوية فإنهم يكشفون عن جهلهم بديناميكية الثورة السلمية وينكرون دور النشطاء الذين عمل بعضهم لسنوات وتعرضوا لأخطار جسيمة حتي انتصرت ثورتهم، فالأنظمة مثل نظام مبارك لا تسقط بمجرد قيام الناس تلقائياً بالخروج في ميدان المدينة بل تسقط عندما تستطيع الحركات السياسية ممارسة الضغط المركز علي النظام لمدة طويلة، ولكي يحدث ذلك لابد من وجود وحدة واستراتيجية ورؤية وفوق ذلك وأهم منه وجود تخطيط.

الأكذوبة الثانية: أن الثورة كانت انقلابا عسكريا والحقيقة أنها كانت ثورة شعبية وسبب الأكذوبة ينبع جزئياً من أن الكثير كان يتوقف علي أي جانب وقف الجيش في هذا الصراع ولكن بدل إدراك فضل الشعب في كسب الجيش لصفه من خلال الضغط السياسي فإن الكثيرين من المعلقين السياسيين أخذ موقف الجيش في الدفاع عن الشعب علي أن الجيش هو الذي كان يقود الثورة ولكن الولاء الذي أظهره الجيش للشعب وثورته دليل علي أن منظمي الثورة أدوا عملهم بإتقان، كانت استراتيجية الثورة هي التوحد حول رؤي مشتركة في المجتمع وجزء آخر من خطأ الإعلام في التفسير يعود إلي مفهومنا أن النوع الوحيد من القوة هو القوة العسكرية ولكن لحسن الحظ أن الشعب المصري أكثر وعياً منا وقد ضرب للعالم كله مثلاً يمكننا البناء عليه.

والأكذوبة الثالثة: أن ثورة مصر رتبتها أمريكا إما سراً وإما عن طريق تدريب ودعم من قاموا بها والحقيقة أن هذ الكذبة تظهر جهلا كاملا بكيفية ترتيب العمل السلمي - هناك في الواقع شرط واحد لنجاح الصراع السلمي - وهو أن ينبع من الشعب كله، ولذلك فالادعاء بأن الاحتجاجات المليونية السلمية التي رأيناها في مصر الربيع الماضي يمكن ترتيبها من الخارج هو تضخيم خرافي لنفوذ أمريكا المزعوم، فكيف يمكن للوكالات الأمريكية ترتيب احتجاجات سلمية يخرج فيها مئات الألوف وتحافظ علي سلميتها وهي تتعرض لهجوم وحشي من نظام قمعي يبعد نصف عالم عن أمريكا، لقد عجزت هذه الوكالات الأمريكية لمدة نصف قرن عن زحزحة ديكتاتورية كاسترو التي تبعد تسعين ميلاً فقط عن أمريكا وتسيطر علي شعب عدده ثمن الشعب المصري، ولذلك فالقول إن أمريكا هي التي دبرت ثورة مصر هو قول يتضمن احتقارا لما فعله الشعب المصري لأخذ مصيره في يده.. والتشكيك في قيام الشعب المصري بهذه الثورة هو خدمة نقدمها لهذا الديكتاتور وأمثاله من الطغاة، لأننا بذلك نهز التأييد العالمي لهذه الثورة الشعبية، وليس معني ذلك أن الأجهزة الأمريكية لم تهتم بثورة مصر أو لم تحاول التأثير في الصراع الديمقراطي في العالم، وعلينا أن نتذكر أن عرض المساعدة الأمريكي علي

ثورة مصر وغيرها من الثورات الوطنية المماثلة قد تم رفضه.

والأكذوبة الرابعة: إن ثورة مصر كانت ثورة إسلامية، والحقيقة أن ذلك مكذوب تماماً كان هناك ناشطون من التيار الإسلامي في الثورة، ولكن كان فيها أيضاً مسيحيون ويهود وملحدون وغيرهم، وحتي نفحص مصداقية هذا الادعاء من المهم أن ننظر إلي الأهداف المعلنة للثورة، كانت أهدافاً تطالب بمزيد من الحقوق والحريات والديمقراطية، وهي أهداف تتعارض تماماً مع تفكير التيار الإسلامي في الفكر الغربي الذي يري أن الإسلام السياسي غير ديمقراطي وعنيف وديكتاتوري، ولا مجال للتوفيق بين الرأين، فإما أن يقر المعلقون الغربيون بأن ثورة مصر لم تكن ثورة إسلامية، وإما أن يقروا بأن الإسلام ليس ديناً عنيفاً غير ديمقراطي، والحل الأمثل أن يقروا الجزء الأول صحيح تماماً والجزء الثاني صحيح في معظمه، وهناك حجة أخري يسوقها المحللون الغربيون وهي أن علينا الحذر من نجاح الثورة فقد يؤدي ذلك إلي مزيد من نفوذ الإخوان المسلمين في المجتمع، والرد علي هذه الحجة أنه من غير المقبول ديمقراطياً أن نشترط أن تأتي نتيجة أي انتخابات حسب رغبتنا.. كما أن الإخوان المسلمون قد تغيروا كثيراً مع تغير المجتمع المصري واتجاهه نحو الديمقراطية، وفي الأسبوع الماضي كون الإخوان المسلمون تحالفاً مع أقوي التيارات الليبرالية بمصر في محاولة لتوسيع قاعدة الديمقراطية وتبادل السلطة من خلال الآلية الديمقراطية.

والأكذوبة الخامسة والأخيرة هي أن الثورة لم تكن سلمية والواقع أنه من غير المعقول أن ثورة بهذا الحجم تواجه نظاماً ديكتاتورياً وحشياً لا تراق فيها أي دماء، ولكن هناك فرق بين القول بأنه كانت هناك بعض الأعمال العنيفة بواسطة عناصر غير سلمية والقول بأن الثورة نفسها كانت دموية.

هذه الثورة كانت سلمية وهذا هو المهم وفي دولة بحجم مصر يستحيل تدريب كل فرد علي عدم العنف، وكانت هناك حالات اشتباه مع البوليس وإلقاء حجارة، هناك دائماً فئة عنيفة في كل الثورات السلمية تاريخياً مثلما حدث في جنوب أفريقيا وشيلي، بل وحركة الحقوق المدنية في أمريكا نفسها، في كل هذه الحالات مثلما حدث في مصر كانت هناك دائماً مجموعة صغيرة تعرقل عمل التيار الأساسي للصراع السلمي وبسبب هذا الاحتمال كان التيار الأساسي في كل صراع سلمي ينأي بنفسه عن العناصر العنيفة غير المنضبطة، ويعلن صراحة أن العنف غير مقبول، ويدرب عناصر جديدة علي الثورة السلمية، وعلينا أن نتذكر لأي مدي حاول النظام الساقط في مصر تفجير العنف ودفع الشعب ليبرر استخدام القمع ضده، وقد نجحت الثورة المصرية في تحجيم وتحييد العناصر المندسة التي حاولت إشاعة الفوضي والعنف.

وفي الختام نستطيع القول إن الثورة المصرية كانت أحد أعظم الثورات السلمية في العالم وأن التاريخ سيذكرها بهذه الصفة.

من المهم جداً أن أحداثاً مثل الثورة المصرية يتم تسجيلها بأمانة فانتصار الثورة المصرية له تأثير مدمر علي الجماعات الإرهابية وعلي الإرهاب عموماً، فالثورات السلمية ضد الطغيان عندما تنجح تجعل الإرهاب وسيلة مرفوضة لمحاربة الطغيان وتقدم نفسها بديلاً حضارياً للطغيان وللأنظمة القمعية علي السواء، ولذلك فشعب مصر يستحق التهنئة علي استرداد حريته من خلال أسلوب ديمقراطي حضاري، وعلي جعل العالم مكاناً أكثر أمناً بانحسار الإرهاب.

وإلي هنا ينتهي المقال العميق في تحليله للدكتورة سينتيا بواز التي لا نملك إلا أن نكرر لها الشكر علي أمانتها وعلي حسن تقديرها لثورة مصر الخالدة.

نائب رئيس حزب الوفد