عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الصين تغير استراتيجيتها العالمية

نشر موقع «أنفورميشن كليرنج هاوس» في 13 يناير مقالاً للكاتب الأمريكي الشهير وليام إنجدال تحت هذا العنوان، وهو مقال غاية في الخطورة لشرح الصراع الجاري حالياً بين الاستعمار الأمريكي الذي يحاول يائسا استمرار سيطرته على العالم وبين العملاق الصيني الذي انتزع من أمريكا في أكتوبر الماضي لقب أكبر اقتصاد في العالم، ويعمل حالياً على زعامة أكبر كتلة عسكرية في مواجهة أمريكا والغرب، ونعرض المقال كما جاء قبل التعليق عليه.

يقول إنجدال: لقد زرت الصين أكثر من 12 مرة خلال السنوات الماضية، وتحدثت مع كل مستويات صانعي السياسة والشىء الذي أدركته أن الصين عندما تقوم بعمل تحول كبير في سياستها فإنها تعمله بحذر وتأن شديد، وعندما تصل الى توافق جديد على سياستها فإنها تنفذها بغاية الكفاءة على كافة المستويات، وهذا هو سر معجزتها الاقتصادية خلال الثلاثين عاما الماضية، وقد قامت القيادة العليا في الصين بإجراء تحول سياسي ضخم سيحول عالمنا خلال الحقبة المقبلة.
في 29/11/2014 عقد اجتماع هام جداً في بكين لم تلحظه واشنطن التي كانت مشغولة بمحاولات تعجيز الاقتصاد الروسي وزعزعة حكم بوتين، كان الاجتماع لمؤتمر العلاقات الخارجية المركزية للصين وبحضور رئيس الصين وقائد قواتها المسلحة، وتلا فيه خطاباً وصف بالأهمية الفائقة، والقراءة المتأنية للتصريح الرسمي الصادر من وزارة الخارجية الصينية يؤكد فعلاً أهمية الخطاب، فقد نشرت قيادة الدولة الصينية رسمياً أنها قد أجرت تحولاً استراتيجيا عالمياً في أولوياتها في سياسة الصين الخارجية.
فلم تعد الصين تنظر لعلاقتها بأمريكا أو حتى بالاتحاد الأوروبي كأولوية أولى للصين، فقد حددت مجموعة جديدة من الدول كأولوية أولى للصين في استراتيجيتها الدولية، وتضم هذه المجموعة روسيا وباقي دول بركس وكذا جيران الصين في آسيا وكذا أفريقيا ودول نامية أخرى.. وحتى نفهم الصورة فقد كانت الصين حتى سنة 2012 تعطي أولوية للمنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة ودول منظمة آسيان وصندوق النقد والبنك الدوليين، وكانت دبلوماسيتها موجهة لهذا الاتجاه في سياستها الدولية، وواضح الآن أن الصين لم تعد ترى أن أولوياتها حتى سنة 2012 تخدم مصالحها الجيوبوليتيكية، فبدل التركيز السابق على القوى الكبرى كأمريكا واليابان ودول الاتحاد الأوروبي وروسيا يتجه تركيز الصين الجديد على الدول المحيطة بها والدول النامية ذات الدخل المنخفض.
ففي حديثه للاجتماع المشار اليه ركز رئيس الصين الضوء على الدول النامية قائلا: إن الصين ستمد تعاونها واندماجها الاقتصادي نحو الدول النامية الرئيسية.
وطبقاً لما يراه المثقفون الصينيون فهذه الدول النامية مهمة جداً للصين لمساندة اصلاح النظام الدولي، وتضم مجموعة لدول هذه روسيا والبرازيل وجنوب أفريقيا والهند وأندونيسيا والمكسيك، وهى دول منظمة بركس مضافا إليها اندونيسيا والمكسيك، وقد توقفت الصين مؤخراً عن تسمية نفسها دولة نامية في محاولة منها لتغيير صورتها السابق أمام العالم.
وقد أشار ليوزتمين نائب وزير الخارجية الصيني الى عنصر مهم في السياسة الجديدة عندما أعلن خلال المؤتمر في بكين أن عدم التوازن بين الأمن السياسي لآسيا وبين تطورها الاقتصادي قد أصبح عنصراً مهما جداً ولذا فاقتراح الصين بانشاء تجمع آسيوي ذي مصير مشترك يهدف الى حل عدم التوازن هذا، ويتضمن ذلك قيام علاقات اقتصادية وسياسية أكثر تقارباً مع كوريا الجنوبية واليابان والهند وأندونيسيا وحتى مع فيتنام والفلبين، وبعبارة أخري فبرغم أن العلاقة مع أمريكا ستستمر ذات أولوية عالية نظراً لقوة امريكا العسكرية والمالية فإننا نتوقع أن يرتفع صوت الصين جداً ضد ما ترى أنه تدخل امريكي، وقد كان هذا واضحاً تماماً في اكتوبر عندما نشرت جريدة «شايناديلي» الرسمية تعليقا خلال ما عرف «بثورة المظلمة» في هونج كونج متسائلة: «لماذا تدبر أمريكا ثورات ملونة؟» وأشارت الصحيفة بالاسم الى نائب رئيس الهيئة القومية للديمقراطية التي تمولها حكومة امريكا، ولم يكن أحد يتصور منذ ست سنوات فقط أن تكتب صحيفة صينية رسمية ضد امريكا بهذا الصراحة عندما حاولت امريكا احراج الحكومة الصينية بتدبير احتياجات عنيفة هذا الصين من حركة الدلاي لاما في التبت قبيل بدء الأولمبياد الدولي بالصين سنة 2008.
إن الصين ترفض علنا النقد الغربي المعتاد بشأن ما يسميه حقوق الانسان وقد جمدت الصين مؤخراً علاقاتها الدبلوماسية ببريطانيا على أثر اجتماع للحكومة البريطانية مع الدلاي لاما، وكذا مع النرويج بسبب اعتراف النرويج بحركة ليوكسيوبو المنشقة في الصين.
وخطوة بخطوة خلال العام الماضي رفضت الصين النقد الامريكي لها بسبب مطالبة الصين بحقوقها في بحر الصين الجنوبي تاريخيا.
ولكن ربما يكون أكثر شىء وضوحاً خلال الأشهر الاخيرة هو قيام الصين بشجاعة بتبني أجندة لانشاء مؤسسات بديلة لصندوق النقد والبنك الدوليين الذين تسيطر عليهما أمريكا، وهى ضربة مدمرة لقوة أمريكا الاقتصادية اذا قدر لها النجاح، ولمواجهة محاولات امريكا لعزل الصين اقتصاديا في آسيا من خلال انشاء شراكة امريكية عبر المحيط الهادي أعلنت الصين خطتها الخاصة بمنطق تجارة حرة لدول آسيا الواقعة على المحيط الهادي، وهى عملية ناجحة تماما لكل أطراف الصفقة الصينية في تنمية التعاون بين دول آسيا على المحيط

الهادي.
تطوير العلاقة مع روسيا:
ما يظهر بجلاء حالياً هو قرار الصين يجعل علاقاتها مع روسيا تحت قيادة بوتين علاقة مركزية لهذه الأولوية الاستراتيجية الجديدة، فرغم حقبات من عدم الثقة المتبادل منذ النزاع الروسي الصيني خلال ستينيات القرن الماضي فقد أبدت الدولتان تعاونا عميقا غير مسبوق، فالدولتان الكبيرتان في آسيا تصهران حالياً روابط اقتصادي ستكون المتحدي الوحيد للهيمنة العالمية الأمريكية مستقبلاً، كما وصفهما خبير السياسة الخارجية الأمريكية زبجنو برزنسكي في كتابه سنة 1997 بعنوان «لوحة الشطرنج الكبرى».
وفي الوقت الذي كان بوتن فيه مشغولاً تماما بالعقوبات الاقتصادية التي توقعها دول حلف الناتو على روسيا في محاولة لإسقاط نظام حكمه وقعت الصين مع روسيا عدة صفقات عملاقة مع شركات الطاقة الحكومية الروسية بما يعوض روسيا عن ضياع أي أسواق تصديرية للغاز والطاقة الروسيين للغرب، وهي مسألة حياة أو موت للاقتصاد الروسي.
وخلال اجتماع APEC في بكين خلال نوفمبر الماضي عاملت الصين أوباما باستخفاف دبلوماسي واضح في الصورة التذكارية للاجتماع حيث طلب منه الوقوف الى جانب زوجة أحد الرؤساء الآسيويين بينما وقف بوتين بجانب رئيس الصين، وفي السياسة تحمل الشكليات وخاصة في الصين أهمية كبيرة، وفي نفس الاجتماع كان اتفاق بوتين ورئيس الصين كاملاً على بناء خط غاز غربي من سيبيريا للصين كإضافة لخط الأنابيب الشرقي التاريخي الذي اتفقا عليه في مايو الماضي، وعندما يكتمل انشاء الخطين ستزود روسيا الصين بـ 40٪ من الغاز الطبيعي الذي تستهلكه.. وفي نفس المناسبة في بكين أعلن رئيس الأركان الروسي عن مجالات تعاون مهمة جديدة بين الجيشين الروسي والصيني.
والآن وسط حرب الحملات الشاملة التي كشفتها أمريكا ضد الروبل الروسي أعلنت الصين استعدادها لو طلب الشريك الروسي المساعدة أن تساعده، وفي 20 ديسمبر الماضي وسط هبوط شديد للروبل أمام الدولار أعلن وزير الخارجية الصيني أن بلاده سوف تقدم المساعدة لروسيا وأنه واثق بأن روسيا ستتغلب على مصاعبها الاقتصادية.
وقام وزير التجارية الصيني بالتعامل الواسع مع روسيا باستخدام عملتي بلديهما، وهناك مجالات تنسيق أخرى بين الدولتين مثل اعلان بوتين عن مقابلة رئيس كوريا الشمالية في الربيع القادم، وكذا مع الهند وفيتنام التي ساعدتها روسيا جداً خلال الحرب الباردة.
وباختصار فإن تعاون العملاقين سيحقق أكثر كوابيس برزيتسكي الامريكية، والفضل الأول في ذلك هو الغباء السياسي المفرط الذي يدير به المحافظون الجدد سياسة امريكا ورئيسهم أوباما وأغنياء أمريكا، فكل هذه التحركات الروسية الصينية رغم أنها محاطة بالمخاطر يعني أن الصين تكشف نوايا امريكا العدوانية ولا تنوي مثلها في ذلك مثل روسيا الانحناء أمام العدوانية الامريكية ويبدو أن سنة 2015 ستكون أكثر السنوات حسما في التاريخ الحديث.
وإلى هنا ينتهي هذا التقرير المتناهي في أهمية وخطر المعلومات التي احتواها بقلم كاتب أمريكي شهير لا يمكن اتهامه بالعداء لأمريكا، ولكن ضمن الكتاب القائل الذين يرون مصلحة بلدهم هى تغيير سياستها الخارجية جذريا نحو السلام العالمي.
فطالما كانت مخططات الشر الأمريكية مثل الشرق الأوسط الجديد الذي تريد به تدمير دول المنطقة لحسابها ولحماية اسرائيل، وطالما كان العدوان هو الخط الذي تسير فيه امريكا في سياستها نحو روسيا والصين وغيرها من دول العالم طالما خشيت الأقلام العاقلة في أمريكا مثل إنجدال أن يرتد خنجر العدوان الامريكي الى نحر امريكا في النهاية.

نائب رئيس حزب الوفد