عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الجغرافيا السياسية والإسلام


نشرت مجلة العلوم السياسية الروسية بالعدد السابع لسنة 2014 تحليلا غاية في التميز للكاتبين فنيامين بوبوف مدير مركز شراكة الحضارات بوزارة الخارجية الروسية ويوري ميخائيلوف رئيس تحرير أكاديمية الناشرين عما يحدث في العالم الإسلامي نتيجة العبث الأمريكي المتعمد بمصيره ننشره حرفياً:

يقول الكاتبان إن التغييرات الجيوسياسية التي حدثت داخل العالم الإسلامي في بداية القرن الحادي والعشرين والتي تبدو كأنها نتيجة أحداث عفوية هي في الواقع مظهر لتغير نوعي غاية في التعقيد في التحول بتوازن القوي العالمي. ويري بعض المحللين أن ذلك نتيجة لعبة قصيرة النظر لأقوي دولة في العالم وهي أمريكا نتيجة تاريخ قصر نظرها العقلاني والاستراتيجي.
فطبيعي أن أمريكا تدخل نفسها في كل ما يحدث في العالم اليوم. ونشهد لها أنها تستطيع حماية مصالحها الوطنية. ولكن لإمكان تحديد الاضطرابات الحالية علينا أن نعود للوراء لما قبل الأحداث الحالية بنظرة تاريخية أوسع مدي. إن أمريكا تعلم تماما أنه في الشرق الأوسط سار تاريخ القرن العشرين كله تحت رأيه إحياء الثقافة الإسلامية. ولكن أمريكا لم تدرك أثره تماما إلا من خلال الثورة الإسلامية في إيران سنة 1979. وبعد ذلك في أحداث 11 سبتمبر 2001 المأساوية. فبعد قرون من الجمود بدأ مثقفو العالم الإسلامي أواخر القرن التاسع عشر وأوائل العشرين بمن فيهم الإصلاحيون وأشد أعداء الاستعمار مثل جمال الدين الأفغاني وعبدالرحمن الكواكبي وسيد أحمد خان ومحمد عبده ورشيد رضا. ومعهم ممثلو حركة الإحياء التتارية.. بدأوا جميعا حركة نهضة ثقافية إسلامية. بدأوا يحاولون تحديد دور المسلمين في العالم الجديد. وخاصة الفكر الإسلامي الهادف إلي تحديد دور الإسلام في الدولة الحديثة. وكان القاسم المشترك بين هؤلاء الإصلاحيين هو اعتبار الإسلام في مقدمة حركة التطور. ليس فقط في العالم الإسلامي. بل إن واجب المسلمين أن يعملوا علي تطوير أصحاب الديانات الأخري. وأن هذا كان هدف الخلافة الإسلامية منذ عهدها الذهبي.
وفي منتصف القرن العشرين كان أبرز ممثلي هذا الفكر هو «علي شريعتي» الذي ساهم بقوة في تطوير العرف الاجتماعي للإسلام. وساعده النظام الشيعي الصارم في تسلسل الرئاسة علي نشر أفكاره بين رجال الدين الإيرانيين. وكان حصاد هذا الفكر هو الثورة الإسلامية في 1979 بقيادة آية الله الخوميني.
كان التركيز في الماضي علي النظرة للدولة المتخلفة شبه المستعمرة. ولكن الآن فجمهورية إيران الإسلامية عمرها أكثر من ثلاثين عاما. وأصبحت قوة إقليمية كبري شهدت تقدماً في المجال الفكري. ففي عام 2013 أصبحت إيران الدولة رقم 17 في المستوي الأكاديمي. وأصبحت سرعة تقدمها العلمي تفوق معظم الدول الرئيسية بما فيها الصين. وتنوي إيران زيادة الإنفاق علي البحث العلمي من 1٪ حاليا إلي 4٪. وتنوي إرسال رجل للفضاء بصاروخ إيراني سنة 2019. وكل هذه أدلة علي قوة الإسلام السياسي. والمثال الإيراني واحتمالات قيام دول الشرق الأوسط بتقليده مستخدمة ثرواتها يجعل أمريكا غاية في التوتر. فالغرب العجوز الذي يعتريه الضعف أحس بمنافس من الإسلام الشرقي. وقد أثبت شيعة إيران قدرة كبيرة علي الحشد وحماية مصالحهم. مع أن الشيعة 15٪ فقط من مسلمي العالم، فإذا أثبت السنة أنهم يستطيعون النجاح كالشيعة فإن المحللين الأمريكيين يتوقعون أن يمثل ذلك تهديداً لأمريكا. وليس مصادفة أن كثيرا من السياسيين الأمريكيين يصرحون بأن كلما زادت الحروب والصراعات الداخلية في الدول الإسلامية استطاعت أمريكا فرض سيطرتها. ولذلك فهدف أمريكا الأول هو تمزيق العالم الإسلامي والعربي بقدر ما تستطيع. واستغلال كل فرصة لإشعال توترات وصراعات بداخله، بأمل إقامة نظم حكم تابعة لها بصرف النظر عن كونها نظماً إسلامية أو مدنية، جمهورية أو ملكية. ومنطق أمريكا أنه لو ترك الشرق الأوسط هادئا ولو لحقبة واحدة فإن منافسا خطيرا سيظهر علي الساحة الدولية لا يمكن التحكم فيه. وقد يستعمل موارده الضخمة وقد يسحب أرصدته من الدول الغربية فيسبب لها أزمة اقتصادية خانقة، ولمنع هذه الكارثة للغرب تسعي أمريكا لخلق الفتن والصراعات الطائفية والعرقية. وباختصار فإن أمريكا تعي تماما ما تفعله بالمنطقة.

وتشعل عمدا الصراع بين السنة والشيعة علي أمل أن يفني الطرفان بعضهما تدريجيا، وينشر الإعلام الغربي من وقت لآخر فتاوي سنية بأن الشيعة ليسوا مسلمين حقا بل كفار لا يستحقون الحياة.
كما يقود الإعلام الغربي حملة مفادها أن الإسلام عاجز عن تطوير شعوبه. وأنه دين يدعو للعنف وسفك الدماء. والواقع أن تراجع الحضارة الغربية يدفع النخب الغربية لأي طريق يعيد حيويتها. ورغم تصريحات المسئولين في أمريكا فإن أفعالها تساعد بشدة نمو التطرف الإسلامي لتقويض أي دولة قد تنافسها، فهي وراء النشاط الإرهابي في سوريا والعراق وليبيا ودول أخري عديدة. وتتصور أمريكا أنها بذلك ستظل القوة العظمي المسيطرة علي العالم، ولكن حقائق الحياة تقول إن أمريكا لن تحمي أمنها كما تعتقد، وأمامنا أحداث مثل ما فعل الضابط الأمريكي نضال حسن من قتل جماعي لزملائه، فالسياسة الأمريكية مهما كانت حساباتها ستنفجر حتما في وجهها، وقد يخرج تحدي النظام الأمريكي القائم من داخله. ونري حاليا أول حصاد لهذه السياسة في قضية الجندي برادلي ماننج وقضية موظف مجلس الأمن القومي إدوارد سنودن اللذين سربا أسرار مدمرة للأمن القومي الأمريكي وتجسسا ضد بلدهما.
إن كثيرا من العادات الإسلامية تنتمي للعصور الوسطي وتتعارض صراحة مع حقائق القرن الحادي والعشرين. وتسبب توترا داخل مجتمعاتها. والمشكلة هنا ليست في الدين نفسه ولكن في تفسيرات متخلفة لا تتناسب مع تطور العالم. وعدم تطوير التفسير بما يناسب تقدم العالم الإسلامي هو ما يمهد الطريق للجماعات المتطرفة. ويدفع الشباب إلي احتضان الآراء المتطرفة، ويدفع قادة التطرف إلي الادعاء بأن التناقض بين قيم العصور الوسطي وقيم الحداثة لا يحسم إلا بالقوة، مما يؤدي للعنف والإرهاب ضد من يعتبرون كفارا.
وهذه هي الظروف التي تراها روسيا وهي تزيد من صلاتها بالعالم الإسلامي وتجاهر برفض السياسات الأمريكية التي تري روسيا أنها ضارة بالجميع، وبعكس الغرب فإن روسيا لا تريد الإضرار بالعالم الإسلامي ولا تنحاز ضد الغرب. بل تريد استقرارا للعالم. ولذلك تقول للغرب: كفوا عن محاولة تدمير العالم الإسلامي.
وفي نفس الوقت تقول روسيا للعالم الإسلامي، باسم القرآن وتعاليم النبي محمد صلي الله عليه وسلم لا تكرهوا بعضكم البعض بسبب الطائفة أو العرق.
وإلي هنا ينتهي هذا التحليل المتميز لاثنين من أقطاب الفكر السياسي الروسي. وبعد أن تخلصت روسيا من الفكر المتحجر الذي ساد خلال أحقاب الشمولية الشيوعية. لا يسعنا إلا أن ندعو مخلصين لعودة العلاقة الوطيدة مع الصديق الروسي الذي طالما ساعدنا اقتصاديا وعسكريا في الماضي، والذي يقف معنا في وجه الحصار الاقتصادي والعسكري الذي تفرضه أمريكا علينا إلي جانب كل مؤامراتها السرية الشريرة ضدنا.

نائب رئيس حزب الوفد