عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مستقبل التيار الديني في مصر

يعتبر الصراع السياسي بين تيارات الإسلام السياسي وعلي رأسها الإخوان المسلمون وبين التيارات المدنية من ليبرالية ويسارية وناصرية هو أهم ما يميز المرحلة القادمة في تاريخ مصر وما سيحدد مستقبل الديمقراطية التي يجري بناؤها حالياً كنتيجة مباشرة لثورة 25 يناير المجيدة التي فجرها الشباب الطاهر الذي خرج رافعاً راية مدنية صريحة تنادي بالديمقراطية السياسية والعدالة الاجتماعية كحجر الزاوية في مصر الجديدة التي ينشدها الشباب الطاهر، ويعمل علي بنائها علي أنقاض ستة عقود من الديكتاتورية كانت أكثرها سوءاً وعفناً وفساداً عقودها الثلاثة الأخيرة التي حكمها الديكتاتور الساقط كزعيم عصابة من عصابات المافيا، وسخر نفسه خلالها ليكون أداة طائعة في يد الاستعمار الأمريكي وحليفاً أو بمعني أدق عميلاً استراتيجياً للكيان الصهيوني في صراع الحياة والموت مع العرب الذي يري الأعمي أنه صراع وجود وليس صراع حدود بين الدولة العبرية وجيرانها من العرب.

وطوال فترة عقود الحكم الديكتاتوري كان التيار الديني يستخدم كفزاعة يرفعها الطاغية الحاكم لتبرير طغيانه علي أساس أنه البديل الوحيد للفاشية التي ترفع راية الدين حتي تتمكن من الوصول للسلطة ثم تفرض ديكتاتوريتها التي قد تفوق بشاعتها بشاعة طغيان الديكتاتوريات العسكرية في كل صورها، فالخارج علي ديكتاتورية العسكر أقصي ما يوجه إليه من اتهام هو الخروج علي الوطن وخيانة أهدافه، أما الخارج علي ديكتاتورية رافعي راية الدين فهو كافر يهدر دمه ويستحق القتل في الدنيا والعذاب في الآخرة.

ولم يخفف تاريخ التيار الديني منذ نشأته في مصر سنة 1928 من الشكوك التي أحاطت به من قبل الأغلبية الساحقة من الشعب، فخلال حقبة العشرينيات من القرن العشرين عقب ثورة عام 1919 الخالدة كان الشعب بزعامة حزب الوفد بقيادة الزعيم الخالد سعد زغلول ثم خليفته العملاق مصطفي النحاس يقود حرباً سياسية شرسة ضد الاستعمار البريطاني من جانب والملكية المطلقة من جانب آخر لإرساء قواعد الديمقراطية السياسية والعدالة الاجتماعية اللتين كانتا حجر الزاوية في بناء الوفد بجانب العمل علي القضاء علي الاستعمار البريطاني، وخلال هذه الحقبة تسقط الخلافة الإسلامية في تركيا علي يد مصطفي كمال أتاتورك عام 1924 إثر هزيمة تركيا في الحرب العالمية الأولي، ويصحو حلم الخلافة في ذهن فؤاد ملك مصر المطلق عندئذ، ويحاول الوصول لهذا الحلم ليواجه به حزب الأغلبية الشعبية الكاسحة الذي انتزع منه دستور عام 1923 وبدأ يرسي قواعد الحكم الديمقراطي البرلماني في وجه مقاومة عنيفة من فؤاد الذي أراد أن يظل ملكاً مطلقاً وتمني عن طريق إحياء الخلافة الإسلامية أن يضفي علي حكمه صفة أنه ظل الله في أرضه.

ووسط هذا الصراع المرير تنشأ جماعة الإخوان المسلمين في مدينة الإسماعيلية عام 1928 كجماعة للدعوة الدينية أولاً بمباركة كاملة من الملك فؤاد وبمنحة مالية مبدئية من شركة قناة السويس الاستعمارية الأجنبية عندئذ قدرها خمسمائة جنيه - وكانت مبلغاً ضخماً وقتها - وتبارك الجمعية منذ نشأتها طموحات الملك في إحياء الخلافة، وتبدأ في محاربة تيار الأغلبية الشعبية الكاسحة لحسابه، ثم تأتي حقبة ثلاثينيات القرن العشرين، وتنجح الملكية المطلقة في إجهاض الكفاح الشعبي مؤقتاً، ويلغي إسماعيل صدقي أداة الملك ورئيس وزرائه عندئذ دستور عام 1923 ويحكم حكماً ديكتاتورياً بمجلس نواب مزور عام 1930 وكان تيار الإخوان المسلمين أقوي حلفاء الملك وحلفائه.

ثم يدور الزمان دورته وينجح الكفاح الشعبي في إسقاط دستور إسماعيل صدقي عام 1936 وإعادة دستور عام 1923 ويضطر الاستعمار البريطاني للتنازل المرحلي للكفاح الشعبي نظراً للظروف الدولية والخطر الألماني النازي الذي كان يلوح في الأفق، ويستسلم القصر مؤقتاً لرغبة الشعب فيعيد الملك فؤاد وبعد موته ابنه فاروق الحكم للشعب ممثلاً في وزارة الوفد عام 1936.. وتسير الأحداث وتندلع الحرب العالمية الثانية وينتصر الاستعمار البريطاني وحلفاؤه، وبمجرد قرب نهاية الحرب يقوم فاروق في أكتوبر عام 1944 بإقالة وزارة الشعب وإعادة الحكم المطلق للقصر علي يد أحزاب أقلية من صنعه وبمباركة من التيار الديني الذي كان الإخوان المسلمون يمثلونه، وتحاول بريطانيا فرض معاهدة جديدة علي مصر تكبلها بأغلال التبعية الدائمة لها، فيعود صدقي لرئاسة الوزراء عام 1946 ويبدأ العمل علي فرض هذه المعاهدة الجديدة التي عرفت بمشروع صدقي - بيفن.. ويجد صدقي في الإخوان المسلمين حليفه الأول، ويقول مرشد الجماعة عنه قولته الشهيرة »واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد«.. ويقود الوفد صراعاً ضارياً مع القوي الشعبية ضد مشروع صدقي - بيفن وضد الإخوان وينجح في إسقاط المشروع ويتصور الإخوان المسلمون أنهم أصبحوا قوة ذاتية فيحاولون التمرد علي حكومة الأقلية التي خلفت وزارة صدقي، فيضرب

رئيسها جماعة الإخوان ضربة قاصمة ويحلها ويسجن قياداتها، فترد الجماعة باغتياله آخر عام 1948 وترد الحكومة التي خلفته باغتيال مرشد الجماعة أوائل عام 1949.

ثم يدور الزمن من جديد ويقع الانقلاب العسكري في 23 يوليو عام 1952 ويأتي عبدالناصر مصمماً علي إقامة ديكتاتورية عسكرية، فيظن الإخوان أن الفرصة قد حانت للوصول للحكم عن طريق عبدالناصر الذي يستخدمهم في القضاء علي الوفد وباقي القوي الديمقراطية علي الساحة السياسية، ثم ينفرد بالإخوان أواخر عام 1954 علي أثر محاولة اغتيال ضده يعلم الله مدي صحتها، فيسحق عبدالناصر جماعة الإخوان ويعدم ستة من قادتهم وأعضائها ويسجن الآلاف من أعضاء الجماعة ويقتل المئات منهم في سجونه نتيجة التعذيب الرهيب الذي تعرض له السجناء، وتتحول مصر علي يد عبدالناصر بشدة نحو اليسار في سياستها الخارجية.

ثم يدور الزمن مرة أخري ويأتي أنور السادات عام 1970 فيبدأ بالتساهل مع الإخوان والإفراج التدريجي عنهم ليستخدمهم في تحول مصر نحو اليمين ونحو أمريكا حليفه الجديد بدل الاتحاد السوفيتي حليف عبدالناصر، ويستشري نفوذ الإخوان ويظنون أن فرص الحكم قد لاحت، فيضربهم السادات مع كل القوي الشعبية التي ضربها في سبتمبر عام 1981، فيرد التيار الديني باغتيال السادات في أكتوبر عام 1981 كما اغتال النقراشي في ديسمبر عام 1948.

ثم تبدأ أبشع فترات الحكم العسكري الديكتاتوري لمدة ثلاثة عقود علي يد الديكتاتور الساقط مبارك وعصابته وتتعرض البلاد لنهب غير مسبوق في تاريخها حتي خلال حكم الهكسوس والرومان والمماليك، ويستعمل مبارك الإخوان كفزاعة يخيف بها الأغلبية الشعبية وسادته في واشنطن وتل أبيب، ويفرض كل أنواع الحصار والاعتقالات والمصادرات المالية علي التيار الديني لتحجيمه مع بقائه علي السطح كفزاعة لا غني عنها.

ثم يدور الزمن أخيراً دورته ويخرج أبطال 25 يناير عام 2011 وأطهر شباب مصر في ثورة هزت العالم وأسقطت الديكتاتور وعصابته في ظرف 18 يوماً من الثورة وبدماء ألف شهيد وتسعة آلاف جريح، ويرفض الإخوان الاشتراك في الثورة يوم اندلاعها، ثم عندما يلوح النجاح يوم 28 يناير ينضمون لها بحماس ويدافعون عنها بتفان، وعندما يتولي المجلس العسكري الأعلي المنبثق من جيش مصر الوطني العظيم حكم البلاد يسارع الإخوان بالمطالبة بسرعة إجراء الانتخابات قبل وضع دستور مدني جديد للبلاد لاعتقادهم أنهم القوة السياسية الوحيدة المنظمة التي تأمل في الوصول إلي الحكم ووضع الدستور الذي يناسب طموحاتها، ترفع فيدرالية الدين وتعيد شعار المصحف والسيفين حتي تدغدغ مشاعر البسطاء، وعند الوصول للحكم يكون لكل حادث حديث.

نقف اليوم عند هذا المنعطف الحاسم، فإما أن تفيق القوي الديمقراطية المدنية - وهي بحق السماء أغلبية هذا الشعب الصامتة - وتحشد قواها لمواجهة ما يدبر لها، وإما أن تنتظر حتي تندم يوم لا ينفع الندم، وأمام أعيننا علي الساحة الإسلامية مثالان علي طرفي النقيض: ديكتاتورية فاشية ترفع راية الدين تحت حكم الملالي في إيران، وديمقراطية ذات مرجعية دينية تؤمن بالتعددية السياسية في تركيا، والخيار لنا لأن الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم.

*نائب رئيس حزب الوفد