رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حتى لا ننسى.. الإخوان وصراع السلطة (2)

نشرنا في المقال السابق تحليل مجلة السياسة الخارجية الأمريكية في 14 مايو في باب قناة الشرق الأوسط عن صراع السلطة في مصر في ضوء محاولة الإخوان المسلمين المستميتة لأخونة الدولة وبناء فاشية دينية علي أنقاض الدولة المدنية علي وجه السرعة قبل أن يفلت الحكم من يد الإخوان كما يبدو من بوادر السخط العام المتزايد علي حكمهم، نتيجة الفشل الإداري والاقتصادي والسياسي الكامل الذي تميزت به حكومة الإخوان منذ تسلمها السلطة العام الماضي.

وقد عرضنا ما قاله الكاتبان ناثان براون ومختار عوض، عن الصراع الدائر في مصر بين الإخوان وبين مؤسسات الدولة القائمة التي يسعون لهدمها من مؤسسة قضائية وإعلامية وأمنية وتشريعية، حتي تدخل مصر كلها بيت السمع والطاعة الإخوانية، وغطينا في هذا الجزء صراع الإخوان مع السلطة التشريعية، ومع السلطة القضائية، ونستكمل في هذا الجزء الثاني والأخير مراحل الصراع الدائر.
3 - الصراع علي منصب النائب العام:
فجر آخر نائب عام في عهد مبارك وهو المستشار عبدالمجيد محمود ثورة جعلته الهدف الأول للرئيس مرسي، كانت هناك مشكلة واحدة وهي أن مرسي لم يكن يملك السلطة لفصل النائب العام، فحاول أولاً ترغيب النائب العام بتعيينه سفيراً لمصر في الفاتيكان، ولكن عبدالمجيد محمود لم يكتف برفض المنصب، بل جعل نفسه زعيماً لما عرف بتيار منع أخونة الدولة، وبعد شهر تحرك مرسي فمنح نفسه سلطات مطلقة من خلال إعلان دستوري فصل بموجبه محمود، ومنح نفسه حق تعيين خلفه، وحصن قراراته ضد أي رقابة قضائية، ولكن قرار مرسي ووجه بقرار من محكمة استئناف القاهرة في مارس بإلغاء قراره بناء علي قضية رفعها محمود، وحكمت المحكمة بإلغاء قرار مرسي وكل ما يترتب عليه من آثار، وبذلك فتح الباب أمام شرعية النائب العام الجديد الذي عينه مرسي في نوفمبر عام 2012، وكان قرار المحكمة يمثل ضغطاً علي رئاسة الجمهورية لحل المشكلة، ولكن الأمور تعقدت منذ ذلك الوقت، لم يكن النائب العام الجديد مستعداً لفقدان أهم وظيفة قضائية استراتيجياً في مصر، فرفع استئنافاً ضد قرار المحكمة بفصله وبطلان تعيينه، وكان من السخرية قوله إن منصبه لا يسمح بعزله دون إرادته، ولجأ إلي حيلة قانونية تقليدية هي طلب رد المحكمة، وجمد المدعيان العامان المتصارعان علي المنصب الوضع، فاستئناف المدعي الذي عينه مرسي مؤجل لآخر مايو، وقضية عبدالمجيد للعودة إلي منصبه كنائب عام لا يمكن البت فيها قبل الحكم في قضية النائب العام الجديد، هناك طبعاً حل وسط واضح، وهو أن يتنحي النائب العام المعين من مرسي عن منصبه، ويتنازل عبدالمجيد محمود عن المنصب بدوره، ويقوم مجلس القضاء الأعلي باختيار نائب عام جديد طبقاً لأحكام الدستور الجديد الصادر عام 2012، ولكن حتي إذا تم التوصل لمثل هذا الحل، فإن المصريين يحتمل أن يشعروا بوطأة كل هذه المناورات القانونية حتي قبل أن تبدأ.
4 - قانون الصكوك:
حتي الآن فقانون الصكوك هو قصة النجاح الوحيدة لمجلس الشوري المحاصر بالمشاكل، والواقع أنه طبقاً لزعيم الأغلبية في المجلس عصام العريان فإن هذا القانون هو أول قانون يصدره المجلس منذ منحه سلطة التشريع، ولم يتم تحدي هذا القانون للآن، والصك هو مستند إسلامي لا يعطي حامله فائدة ثابتة، وهو وسيلة تحاول الحكومة من خلالها الحصول علي تمويل سداد ديونها، ويري الإخوان المسلمون أن هذه الصكوك مغرية من الناحية الأيديولوجية، إذ يرون أنها تتمشي مع أحكام الشريعة الإسلامية لأنها لا تعطي حاملها فائدة ثابتة بل حصة محددة من الأرباح، ولكن معارضي هذه الصكوك التي تبدو شرعية قد ظهروا من أمكنة غريبة وهي الأزهر الشريف، واستناداً للنص الدستوري الذي صاغه الإخوان المسلمون أنفسهم.
كانت المسودة الأولي للقانون قد صاغتها وزارة المالية، وأرسلها مرسي للأزهر لمراجعتها أواخر ديسمبر عام 2012، وعرضت علي هيئة كبار العلماء التي عقدت اجتماعاً طارئاً أول يناير، وأبدت معارضة شديدة للمشروع، ولمحاولة الحكومة عرض الصكوك كصكوك إسلامية، وبعد بضعة أيام صرحت هيئة كبار العلماء بنفس الرأي، «وهي الهيئة التي نص الدستور علي أنها الجهة التي تتحتم استشارتها»، عبر الأزهر عن تحفظاته بمزج أسباب قانونية مع شرعية، مؤيداً وجهة نظر معارضي مرسي بأن الصكوك قد تؤدي إلي بيع أصول الدولة لمستثمرين مجهولين.
وعندئذ أخذ مجلس الشوري الموضوع تحت مظلة حقه التشريعي المؤقت، داعياً ممثلي الأزهر إلي لجنة استماع، وكان ذلك في رأي الأزهر شيئاً ليس موجوداً في الدستور الجديد، ولذا فعندما اعتمد المجلس القانون، تدخل شيخ الأزهر مصراً علي أن ما يسمي بالصكوك يحتاج إلي مراجعة من الأزهر للتأكد من مطابقتها للشريعة، أما السلفيون الذين يحملون شكوكاً تاريخية ضد الأزهر وسلطته فكانوا مرحبين بأي فرصة يتظاهرون فيها بأنهم المدافع الأول عن الشريعة وليس الإخوان، فوافقوا علي الدعوة علي أساس أنها متفقة مع الدستور، وأنها خطوة مشابهة لمطالبة البروتستانت للبابا مصرين علي استطلاع رأي البابا في أمور العقيدة مستسلمين للمناقشات الدستورية والضغط السياسي، وأعاد مرسي القانون إلي الأزهر لمراجعته، وكانت الخلافات حول المشروع، وقيام الرئيس بإعادته للأزهر سبب لوجود مركز مميز للأزهر دستورياً، ودفع العملية بجعل شرعيتها مما لا يمكن تجنبه عملياً، وتم اعتماد الصيغة الأخيرة لمشروع القانون يوم 30 أبريل ولكن بعد توتر شديد بين علماء الأزهر وممثلي الحرية والعدالة في مجلس الشوري، الذين كانوا يناقشون علناً حق الأزهر في فرض سياسة اقتصادية، ومن سخرية القدر أن المناقشة بين

الطرفين لم تركز علي الشريعة ولكن علي هل من حق الدولة إصدار صكوك من الشركات الحكومية ذات المال العام.
وتم توقيع قانون الصكوك من مرسي في 8 مايو، وستعرض مشروعات الصكوك للبيع قريباً، ولكن ستنشأ لجنة دائمة للصكوك للتأكد من مطابقة أي صكوك تصدر لأحكام الشريعة، مما قد يفتح الباب مستقبلاً لمعارك محتملة عن دور المؤسسات الدينية في السياسة الاقتصادية.
5 - قانون الانتخاب:
ربما تبدأ العقد القانونية في مصر في الحل عندما ينتخب مجلس شعب جديد، والواقع أن المادة 229 من الدستور تنص علي أن انتخاب مجلس جديد كان مفروضاً أن يتم قبل شهرين، ولكن نفس الدستور عمل بقوة لضمان جعل الانتخابات فوق إمكانية بطلانها قانوناً، مما قد يؤجلها إلي أواخر العام، فمنذ عام 1985 رفضت المحكمة الدستورية العليا أربع مرات قوانين انتخاب بعد انتخاب برلمان بموجبها، وآخر مرة كانت عام 2012 عندما حلت المحكمة مجلس الشعب، وكان ذلك ضربة موجعة للإسلاميين، ولذلك اتخذوا خطوة غير مسبوقة بأن طلبوا من المحكمة الدستورية مراجعة قانونية قانون الانتخاب قبل أن يصدروه، وكانت المرة الوحيدة في الماضي التي حدث فيها ذلك كان في مارس عام 2011 بالإعلان الدستوري لانتخابات الرئاسة، وكانت المحكمة الدستورية وقتها تدعو المجلس العسكري الحاكم لإدخال تعديلات علي مشروع قانون انتخابات يناير عام 2012.
وأدي التطبيق الحرفي للانتخابات النيابية إلي نتائج غير متوقعة سيأتي تفصيلها، فقد أصدر مجلس الشوري قانوناً، وأرسله الرئيس للمحكمة الدستورية لمراجعته، ووجدت المحكمة عدة أخطاء به، وأخذ المجلس علماً باعتراضات المحكمة وأصدر نسخة جديدة للقانون، معتقداً أنها لن تكون محل اعتراض، ولكن المعارضين قالوا إن التعديلات كانت شكلية وأن المسودة الجديدة يجب إعادتها للمحكمة، ولكن أغلبية المجلس تمسكت بعدم إعادة العرض علي المحكمة الدستورية، ولكن المحكمة الإدارية حكمت بعكس ما رآه المجلس، ولكن مرسي ومجلس الشوري طالبوا المحكمة في تردد بإعادة النظر في قرارها، ولم يسارعوا في هذا الطلب بل تلكأوا في تقديمه، وبدأ مجلس الشوري صياغة مشروع ثالث وهو المشروع المعروض حالياً علي المحكمة الدستورية.
واحتمال رفض المحكمة للمشروع بل ترجيح هذا الاحتمال قائم، فجزء من المشكلة هو طبيعة الرفض السابق من المحكمة، فعندما سئلت المحكمة عما إذا كانت المسودة الأولي مطابقة للدستور، أجابت بالنفي قائلة إن هناك شيئاً من عدم المساواة بين المناطق الانتخابية والمحافظات، وأصرت علي أن توزيع الدوائر غير عادل، ولا يمكن إقرار القانون بناء عليه لأنه سيكون غير دستوري، ولم يتح للمحكمة فرض شرح المخرج من هذا الوضع، وتحديد ما هو الوضع الذي يكون دستورياً، ولذلك يحتمل أن يظل المشروع متأرجحاً بين المحكمة ومجلس الشوري أكثر من مرة قبل أن يدعي الناخبون للتصويت، ولذلك فالصورة مزيج من المصارعة ولعبة «البنج بونج» وحفل الشاي في الصراع السياسي المصري.
وإلي هنا ينتهي عرض تحليل المجلة للوضع السياسي في مصر، وأول ملحوظة لنا عليه أنه شرح صراع السلطة في مصر ولكنه أغفل ذكر الدافع الحقيقي لهذا الصراع، ولا نظن أن دافع الصراع مازال خافياً علي أي مراقب سياسي للمنطقة، فالدافع يتلخص في جملة واحدة وهي محاولة الإخوان المسلمين المحمومة هدم الدولة المدنية القائمة في مصر وإقامة فاشية تتاجر بالدين علي أنقاضها، وهو ما نعتقد أنه مستحيل الحدوث في شعب كسر حاجز الخوف والجهل، ويحميه جيش وطني مستحيل أن يتحول للعمل لحساب طائفة، وإلي أن يقتنع الإخوان المسلمون باستحالة تنفيذ مخططهم الشرير ستسيل مع الأسف دماء غزيرة وتضيع أرواح طاهرة ستكون في رقبتهم يوم لا ينفع مال ولا بنون.


نائب رئيس حزب الوفد