رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

كيف يرانا الأمريكيون العرب؟

يعتبر البروفيسور جيمس زغبى، مدير المعهد العربى الأمريكى، من الأمريكيين من أصل عربى الذين يولون اهتماماً كبيراً لشئون العالم العربى وتتميز آراؤه عادة بالاعتدال، وإن كانت لا تخلو أحياناً من تغلب النزعة الأمريكية على النظرة المحايدة لمشكلة بعينها، وقد كتب «زغبى» مقالاً بعنوان «المأساة واللامعقول» بتاريخ 19 أغسطس يعلق فيه على سقوط مرسى من السلطة من وجهة نظر نراها أمريكية وليست تحليلاً محايداً للأحداث، ونعرض هنا مقاله بأمانة، ثم نعلق عليه.. يقول «زغبى» إن أى تقييم أمين للأحداث التى تتوالى فى مصر

سيكتشف أنها تتضمن مأساة كلاسيكية، فالأشخاص الداخلون فى هذه الأحداث كل بطريقته الخاصة قد أثبتوا عجزهم عن الارتفاع على تقصيرهم، والنتيجة هى المآسى التى نراها الآن، فما تحتاجه مصر حالياً هو الاعتراف بعقل متزن بالأخطاء التى وقعت وطريق الخروج منها إلى المستقبل، وما لا تحتاجه هو الادعاءات غير المعقولة التى ترددها بعض القوى السياسية التى تلقى باللوم العنيف على الآخرين ولا ترى فى نفسها ما يوجب اللوم.
إن أكثر ما تحتاجه مصر من ثورتها كان توافقاً وطنياً لإقامة حكومة فعالة قادرة على فرض النظام وتستطيع توفير فرص العمل والرفاهية لشعبها المتزايد، ولكن ما حصلت عليه مصر كان مجموعة غير صالحة للقيادة، وعسكريون يعرفون طريقاً واحداً لحل المشاكل، والنتيجة هى هذه المأساة التى تدور رحاها فى مصر.
ففى المقام الأول لم يستطع الإخوان الحكم أو بناء توافق وطنى تمس الحاجة إليه، فبعد الفوز فى انتخابات كانوا هم الحزب الوحيد المنظم فيها، وفازوا بأغلبية ضئيلة، ركزوا اهتمامهم على تدعيم سيطرتهم على السلطة بدل معالجة مشاكل مصر، وفى النهاية اكتسبوا عداء من خسروا الانتخابات، بل خسروا كذلك حلفاء محتملين مكنتهم أصواتهم من الفوز فى الانتخابات، كان فشل الإخوان فى قراءة المزاج الشعبى سبباً فى عزلتهم، وفى المظاهرات الضخمة التى طالبت بإسقاطهم.
وكانت القوات المسلحة المصرية أيضاً ضحية لضعفها، فعندما نادت الجماهير بالتحرك تجاوب الجيش وبالغ فى تجاوبه وذلك بعزل الرئيس أولاً واعتقاله، ثم بافتراض أنهم يستطيعون استخدام القوة المفرطة لإنهاء اعتصام الإخوان الذى شل الحياة فى أحياء كاملة، فافتراض إيجاد حل عنيف لإرغام الإخوان على فض اعتصاماتهم بالقوة لحل مشكلة سياسية أساساً، أدى إلى اتساع الفجوة وزيادة حجم المشكلة وصعوبة حلها.
إن اعتصامات الإخوان المسلمين لم تكن أعمالاً سياسية بل استيلاء عدوانى على أماكن أقاموا بها دولة داخل الدولة، وكانت حركتهم أكبر من مجرد احتجاجات بل أصبحت أعمالاً استفزازية زادت من حدة غضب شعبى لجمهور معاد لهم، وأصروا فى تحد على دفع الجيش للتحرك ضدهم.
والحقيقة أن الخطأ الغريزى للإخوان وللجيش هو الذى أدى لهذه المأساة، والشىء المقلق الذى يعقد الزمور هو ترديد أنصاف الحقائق، والادعاءات الزائفة من هذا الطريق أو ذاك مما يزيد أزمة الوضع فى مصر ولا يحل مشاكل أبنائها ويوفر احتياجاتهم.
فعلى سبيل المثال حاول أحد وزراء مرسى السابقين فى افتتاحية بجريدة «نيويورك تايمز» أن يصف الوضع فى مصر على الوجه التالى: «هذه معركة بين هؤلاء الذين يملكون رؤية مستقلة لمصر تعدد فيها الأحزاب ويستطيع المواطنون الاحتفاظ بكرامتهم وقدرتهم على تغيير الحكومة من خلال صندوق الانتخاب، وبين هؤلاء الذين يؤيدون عسكرة الدولة وإقامة حكومة مفروضة على الناس بالقوة».
وبينما يبدو أن هناك بعض التبرير للجزء الثانى من هذا الزعم، فإن تحرياتنا الدقيقة تقطع بأن الأغلبية الساحقة من المصريين تؤمن بأن حكومة مرسى لم تعمل إطلاقاً على وجود تعددية سياسية بمصر يتمتع فيها المصريون بكرامتهم، فقد وجدوا أن ما حدث خلال السنة التى حكمها مرسى هو العكس تماماً، فالملايين التى وقعت على النداءات، والتى تظاهرت مطالبة مرسى بالتنحى وكانت مرعوبة من أن الرئيس وحزبه كانوا يدعمون سلطتهم المطلقة ونظامهم الاستبدادى، وكان ما تتمناه الجماهير هو فرصاً حقيقية للتسامح والحكم الذى يسمح بتداول السلطة، ورأى هذه الأغلبية من المواطنين مازال هو السائد وهو الذى تنتظر الأغلبية تحقيقه على الطبيعة.
وما رآه المصريون قبل قيام الجيش بحركته ومنذ هذه الحركة زاد جداً من خوف المصريين من نوايا الإخوان، فأولاً كان هناك تحريض شديد ضد الأقلية الشيعية المسلمة فى مصر كان من نتائجه مقتل عدد من أفراد الشيعة بوحشية فائقة، وفى الأيام الأخيرة كان هناك هجوم شامل ضد المسيحيين فى مصر، ففى الحصر الأخير تمت مهاجمة خمسين كنيسة، أحرق منها تسع عشرة كنيسة على الأقل ونهب الباقى منها، كما تم نهب

العديد من متاجر المسيحيين والتعدى عليهم.
ليست أطراف الصراع فى مصر هى وحدها المهتمة بترديد أنصاف الحقائق، فهناك هؤلاء الآخرون مثل السيناتور الأمريكى جون ماكين الذين يشيرون بإصبع الاتهام إلى الرئيس أوباما قائلين إن مصر هى فشل أوباما الأكبر، مضيفين أنه على أمريكا جزء كبير من المسئولية عن الدماء التى تسيل، ويزعم ماكين وغيره أن السبب أنه لا أحد يسمع نصائحهم بقطع المعونة فوراً عن مصر متصورين أن ذلك سيصلح الحال.
ولكن هذا النوع من المزاعم يبدو طبلاً أجوف لمعظم المصريين الذين مازالوا يلومون أمريكا على تأييد الإخوان المسلمين وتدعيمهم عندما كانوا فى السلطة، والواقع أنه كما صرح الرئيس أوباما بحق، فإنه بينما كانت لأمريكا مصالح أمنية قوية توجب عليها الاحتفاظ بعلاقات قوية مع مصر، فإن قدرة أمريكا محدودة فى التأثير فى مجرى تصرف الجيش المصرى حيال الأحداث الداخلية، وفى هذا المجال فإن تصريح الرئيس أوباما لم يكن كما قال البعض أنه تصريح سلبى أو ضعيف، بل كان تصريحاً أميناً يصف حقيقة الوضع.
أما بالنسبة للمناداة بقطع المعونة عن مصر فهو بدوره تهديد أجوف، فالمعونة الاقتصادية لمصر قد تم قطعها، والجزء الأكبر من المعونة الأمريكية لمصر هو الجزء العسكرى المتمثل فى تزويد مصر بقطع غيار الأسلحة الأمريكية عن طريق شركات أمريكية تم التعاقد معها، ولذلك فالخاسر الأكبر لو قطعت المعونة العسكرية عن مصر سيكون الشركات الأمريكية الموردة وليس الجيش المصرى، وهذه الحقيقة التى لا تبدو واضحة للجمهور الأمريكى يفهمها المصريون جيداً ويريدون إيقاف هذه المعونة لشعورهم بأن المستفيد منها هو أمريكا وإسرائيل وليست مصر.
وكما لاحظ الرئيس أوباما فإن ما يحدث فى مصر مأساوى ويدعو للأسف، فالتغيير الجذرى ليس سهلاً عادة ولا يسير فى خط مستقيم نحو هدفه، والأحداث المأساوية فى مصر حالياً ليست نهاية مسيرة مصر نحو الديمقراطية، كما يزعم البعض بل هى بداية الطريق نحو الديمقراطية، فقد بدأت العملية منذ عامين ونصف العام، وحينما دقت مطبات ضخمة على الطريق، والنتائج مخيفة، ولكن حيوية المجتمع المدنى فى مصر أثبتت قدرتها على إثبات وجودها، ولذلك فليس هذا وقت قطع المعونة عن الأصدقاء والهروب، فواجب الأصدقاء هو استمرار تأييد مصر وتطلعات شعبها نحو ديمقراطية سليمة تحقق الأمن والرخاء لكل الشعب.
وإلى هذا ينتهى مقال «زغبى» وكما نرى فرغم اعترافه بالقصور الفادح فى حكم الإخوان، نراه يتجنب تماماً مجرد الإشارة إلى الدور الإجرامى للاستعمار الأمريكى والمخطط الذى كان يديره لتقسيم المنطقة وتقطيع أوصال مصر مستعيناً بعصابة الخونة من الإخوان الذين أرادوا نهب مصر بصرف النظر عن الثمن الذى يدفعه الشعب ماداموا هم الحكم، ونحن لا نطلب من «زغبى» عدم الدفاع عن بلده أمريكا والتغطية على جرائمها أمام العالم ولكننا كنا نتمنى أن يتمتع بنفس الشجاعة التى تمتع بها الجنرال شلتون قائد الجيش الأمريكى الأسبق الذى فضح مؤخراً تآمر حكومة أوباما على مصر والبحرين أمام العالم.

نائب رئيس حزب الوفد