رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

الاستراتيجية الكبرى الفاشلة للشرق الأوسط

يتميز الإعلام الغربي اليميني، وخصوصاً المتطرف في صهيونيته وعدائه للعرب بقدرة فائقة علي خلط الأوراق واكتساب المصداقية الظاهرية، وعند التعمق في أهدافه يبدو وجهه الخادع علي حقيقته.

فتحت عنوان «الاستراتيجية الكبري الفاشلة في الشرق الأوسط» نشرت جريدة وول ستريت جورنال اليمينية المتطرفة في الانحياز للصهيونية مقالاً لكاتبها والتر رسك ميد، يدعي أن إدارة أوباما كانت لها استراتيجية كبري للشرق الأوسط حسنة النية وجيدة الإعداد، ومتعقلة التنفيذ، ولكنها فشلت مع الأسف الشديد!
والخطة كانت ببساطة وإناقة هي أن تعمل أمريكا مع المجموعات الإسلامية المعتدلة، مثل حزب التنمية التركي، والإخوان المسلمين في مصر، لجعل الشرق الأوسط أكثر ديمقراطية، وبهذا تقتل أمريكا ثلاثة عصافير بحجر واحد، فأولاً بتحالفها مع هذه الجماعات فإنها تضيق الفجوة بين الوسط المعتدل في العالم الإسلامي وبين أمريكا، وثانياً عندما يري المسلمون أن الأحزاب المعتدلة السلمية تحقق نتائج طيبة فإنها تعزل الإرهابيين والمتطرفين وتهمشهم في العالم الإسلامي، وأخيراً فهذه الجماعات بتأييد أمريكي تستطيع إدخال الديمقراطية في بلاد الشرق الأوسط، مما يؤدي إلي تحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية، بما يزيل تدريجياً المشاكل التي أدت لتحول بعض الناس إلي التعصب والإرهاب.
كان أوباما يتمني أن نجاح هذه الاستراتيجية سيثبت أن الديمقراطيين الليبراليين قديرون علي إدارة سياسة أمريكا الخارجية، وبذلك يكسب الحزب الديمقراطي ثقة الناخب الأمريكي، ومن المبكر جداً التنبؤ بحكم التاريخ علي سياسة أوباما الخارجية، فمازال أمامه 41 شهراً باقية في رئاسته، وهي مدة أكثر من كافية لتغيير الصورة في الشرق الأوسط جذرياً، ومع ذلك فللحصول علي نتائج أفضل فعلي أوباما تغيير أسلوبه، فيبدو أن أوباما ارتكب خمسة أخطاء كبيرة في الحساب بالنسبة للشرق الأوسط، فقد أخطأ في قراءة النضج السياسي للتيار الديني وقدراته الإدارية، وأخطأ في قراءة الوضع السياسي في مصر، وأخطأ في تقدير أثر سياسته علي علاقته بأهم حليفين لأمريكا في المنطقة وهما إسرائيل والسعودية، وأخطأ في إدراك الديناميكية الجديدة للجماعات الإرهابية في المنطقة، ولم يراع ثمن عدم التدخل في سوريا.
لقد اعتمدت سياسة أمريكا الخارجية في السنوات الأخيرة علي الاعتقاد بأن الجماعات الإسلامية المعتدلة في المنطقة لديها النضج السياسي والقدرة الإدارية علي إدارة الدول بكفاءة وديمقراطية، وثبت أن ذلك نصف حقيقي في تركيا، فبدا أولاً أن أردوجان يدير تركيا بكفاءة وديمقراطية مهما كانت أخطاؤه، ولكن بمرور الوقت بانت الحقيقة، اعتقل الصحفيين وساند محاكمات صورية ضد خصومه السياسيين، وهدد الإعلام وواجه الاحتجاجات بقسوة، وهاجم اليهود وقوي أخري متهماً إياهم بأنهم سبب مشاكله، ووصلت الأمور لدرجة أن أردوجان الذي كان أوباما يعتبره أحد أفضل خمسة أصدقاء له من حكام العالم، أصبح أوباما يهاجمه الآن ويتهمه بالعداء للسامية واتهام إسرائيل كذباً بأنها وراء إسقاط حكم مرسي في مصر، ومع ذلك فبالمقارنة مع مرسي يبدو أردوجان في كفاءة المستشار الألماني بسمارك الذي أشرف علي بناء ألمانيا قرب نهاية القرن التاسع عشر، فقد أثبت كفاءة إدارية ممتازة في النهوض بالاقتصاد التركي، أما مرسي ورفاقه فلم يكونوا مؤهلين للحكم ولم يفهموا حدود التفويض الشعبي لهم، وتدهور الاقتصاد علي يديهم، مما جعل ملايين المصريين يرحبون بالانقلاب الدموي الذي أسقطهم.
ولا تصلح نظريات المؤامرة والعجز في الأداء أساساً لاستراتيجية أمريكية كبري، كنا نستطيع التعامل مع تركيا ومصر في أي ظروف، ولكن تحالفنا مع نظامها الإسلامي ثبت فشله، وقد ارتكبت أمريكا وحلفاؤها الغربيون خطأ كبيراً آخر في الشرق الأوسط، فقد أخطأوا في قراءة طبيعة الثورة السياسية في مصر خطأ بيناً، فقد ظنوا أنها تحول نحو الديمقراطية، والحقيقة غير ذلك تماماً، فما حدث في مصر أن العسكريين اعتقدوا أن الرئيس العجوز حسني مبارك كان يمهد توريث الحكم لابنه، فحارب الجنرالات ذلك وتركوا مبارك يسقط، والعسكر أقوي من الليبراليين والإخوان المسلمين مجتمعين، ولذا يحاولون الآن إعادة مصر لنوع حكم فترة الخمسينيات، ويعتقد معظم الليبراليين أن الجيش هو القوة الوحيدة التي تستطيع حمايتهم من الإسلاميين، ويدرك الإسلاميون أن الجيش هو القوة المسيطرة، وفي هذه الظروف ينشغل الأمريكيون والأوروبيون بمحاولة تشجيع إقامة تحول ديمقراطي لا وجود له.
والمشكلة التالية أن أوباما أساء قراءة أثر استراتيجيته علي إسرائيل والسعودية، ولم يعط الوزن الكافي لما تستطيعه هاتان الدولتان من جعل حياة أمريكا في المنطقة جحيماً لو أغضبتهما، حدث الشقاق مع إسرائيل مع بداية ولاية أوباما، عندما اعتقد أنه يستطيع إرغام إسرائيل علي تجميد الاستيطان في الأرض الفلسطينية حتي يستطيع استئناف مفاوضات السلام بين الجانبين، وكانت النتيجة أول أكبر فشل لأوباما علناً، ولم يكن آخر فشل في سياسته الخارجية، فالشقاق مع السعودية حدث بعد ذلك، وكان مفاجأة لأمريكا، فحلف أمريكا مع تركيا ومرسي كان بمثابة ضربة لسياسة السعودية في المنطقة، وانحيازاً لمحاولة قطر تزعم المنطقة.
لا يبدو أن كثيراً من الأمريكيين يدركون مدي كراهية السعودية للإخوان المسلمين وللتيار الإسلامي في تركيا، فهي تعتبرهم منافسين خطرين داخل الإسلام السني، كما أن محاولة أردوجان إحياء مجد الخلافة العثمانية تمثل خطراً علي نفوذ السعودية بين المسلمين، وقد أيدت قطر وقناتها «الجزيرة» بقوة كل من تركيا ومصر، مما زاد في غضب السعودية علي أمريكا وجاءت فرصة السعودية في التحالف مع الجيش المصري ضد مرسي وقطر وتركيا وأمريكا فلم تتردد في اغتنامها.
والمشكلة الرابعة أن أمريكا قللت من شأن حيوية وقدرة مجموعات الإرهاب المفككة، كان قتل بن لادن نصراً لأمريكا، ولكنه

لم يقض علي تنظيم القاعدة في أفغانستان وباكستان، واليوم نري الحياة تعود للتنظيمات الإرهابية في ليبيا ومالي وشمال نيجيريا وسوريا والعراق واليمن وغيرها.
وكان إغلاق عشرين سفارة أمريكية هذا الشهر في هذه البلاد نصراً معنوياً كبيراً للإرهاب.
وأخيراً فإدارة أوباما قلقة علي حق بالنسبة لثمن التدخل في سوريا، ولم تدرك ثمن عدم التدخل في الوقت المناسب، وكلما طالت هذه الحرب تضاعف عدد الضحايا لدرجة مقززة، وزاد انتشار عدم الاستقرار في العراق ولبنان وحتي في تركيا، وكلما طالت الحرب ازداد عمق الكراهية وسموم الحقد بين الطوائف في المنطقة، مما يؤدي حتماً إلي المزيد من الدماء، وأدي عدم التدخل الأمريكي لزيادة فرص الإرهاب، فضلاً عن فرض محور روسيا لإيران المساند لبشار الأسد، ويعني عدم سقوط بشار للآن أن أمريكا عاجزة عن إسقاطه في نظر شعوب وحكومات المنطقة، وخطورة هذا الظن في أن أمريكا عاجزة، تعادل خطورة نفس الظن لدي خروشوف عندما أقام صواريخه النووية فوق أرض كوبا، وكادت حرب عالمية نووية تندلع لولا تراجع خروشوف عام 1962.
وكان استمرار الحرب هبة من السماء للإرهابيين، وتثبيت أقدامهم في المنطقة، مما يهددها بكارثة مستقبلاً، ومن سخرية القدر أن كل فشل لأمريكا كان يعني نجاحاً لأهم حلفائها في المنطقة وهم الجيش المصري وإسرائيل والسعودية، والأحلاف غاية في الأهمية للسياسة الأمريكية، وأهم واجبات أوباما الآن هو استرداد حلفه مع هذه الأطراف الثلاثة، عليه استيعاب دروس السنوات الأربع ونصف الأخيرة، فحلفه مع إسرائيل والسعودية والجيش المصري أهم كثيراً من التحالف مع الإخوان المسلمين ودويلات المنطقة، وأكثر ضماناً لاستقرارها، والصراع ضد الإرهاب سيكون أقوي مما توقعنا، ومن خداع النفس أن نتصور أن القضاء علي الإرهاب يكون بالقضاء علي الفقر والديكتاتورية، أمامنا حرب شرسة علينا أن نتهيأ لنا، أما آخر نقطة تركيز حيوية فهي إيران وخطرها النووي الذي يهدد إسرائيل والسعودية، علينا أن نواجهه باستراتيجية تدعمها إسرائيل والسعودية، وهذا يستدعي سياسة متشددة ضد سوريا حتي تثبت أقدامنا في رمال المنطقة المتحركة.
وإلي هنا ينتهي هذا التحليل المسموم للأوضاع في المنطقة بما يمهد لغزو سوريا بحجة وجود أسلحة دمار شامل كما حدث في أكذوبة حرب العراق، ويتجاهل الكاتب اليميني الصهيوني تماماً المخطط الإجرامي الذي تعمل أمريكا علي تنفيذه حالياً بتفتيت دول المنطقة، وعلي رأسها مصر مستعينة بالخونة من الإخوان المسلمين الذين سارعوا بحماية أمن إسرائيل في غزة، وقبول التنازل عن أجزاء من أرض مصر إرضاء للمخططات الأمريكية، وتصل الدناءة بمرشدهم السابق - قطع الله لسانه - أن يقول «طظ في مصر».
ووضعاً للسم في العسل يحاول الكاتب اليميني الصهيوني تحذيرنا بالقول إن جيش مصر أهم أحد حلفاء أمريكا في المنطقة، وكأن مصر شيء وجيشها الوطني شيء آخر مستقل عنها، ويدفع العبارات المسمومة في سياق تحليله فيقول إن القوي المدنية في مصر رحبت بـ «الانقلاب الدموي» الذي قام به جيش مصر، وتبلغ به القحة أن يتغافل أن ثلاثة وثلاثين مليون مصري نزلوا إلي الشوارع لإسقاط حكومة العملاء قبل أن تنجح في تنفيذ مخطط أمريكا، وأن جيش مصر الوطني المخلص انحاز للشعب الذي هو جزء منه.
إن مؤامرة الأعداء المحيطين بنا في أمريكا ودول حلف الناتو قد سقطت وانكشفت بفضل يفظتنا ووحدتنا، وستستمر مسيرة الانتقال نحو الديمقراطية سواء رضي الأعداء أم أبوا، ولكن علينا استمرار اليقظة والاستعداد لأي تضحية مهما غلت فداء لمصرنا الحبيبة التي نقول لها في النهاية:
بلادي بلادي إذا اليوم جاء.. ودوي النداء وحق الفداء
فحق فتاك شهيد هواك.. وقولي سلاماً علي الأوفياء


عضو الهيئة العليا للوفد