رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

قصة سندريللا تنتظر مرسي


نشرت مجلة السياسة التاريخية الأمريكية بتاريخ 27 يونية مقالا لكاتبها ناثان براون الذي غطي أحداث الربيع العربي في مصر منذ 25 يناير سنة 2011 مقالا تحت هذا العنوان المثير يصف الواقع الأليم الذي نعيشه.

يقول براون إن هناك جانبا واحدا من السياسة المصرية يتفق عليه جميع المصريين. فالوحيدون الذين لديهم فهم دقيق للوضع الحالي هم المرتبكون تماما. فأي شخص يدعي القدرة علي إيضاح صورة الأحداث الحالية أو النتائج المتوقعة يحكم علي نفسه بالخطأ. فبعد أن قضيت أسبوعا في مصر فإنني أشترك في هذا الشعور بالارتباك وعدم اليقين. ولكني أشعر أيضا بقلق عميق أكثر من أي وقت منذ بدأت تغطية أحداث ثورة يناير سنة 2011. فالأيام التي أوصلتنا إلي مظاهرات 30 يونية المرتقبة ضد مرسي. والأيام التي ستلي ستكون حاسمة بالنسبة لمستقبل النظام السياسي. ولكني أشك أنه حتي اللاعبين الأساسيين علي الساحة لا يدرون ما سيفعلون. وأنا لا أستطيع إيضاح ما يعجز اللاعبون الأساسيون عن إيضاحه ولكني أستطيع وضع إطار للمواجهة الحالية بين الرئاسة وجزء كبير من التيار الإسلامي من جانب. وبين معسكر المعارضة في الجانب الآخر. وأثر ذلك علي مستقبل مصر السياسي. فالسياسة المصرية الآن يبدو كأنها تسير في عالمين متوازيين ففي جانب الرئيس الصورة واضحة. وهي أنه رئيس حزب قاسي أعواما طويلة من الاضطهاد. ولكن الشعب المصري كافأه أخيرا علي قوة احتماله وإخلاصه  فمنحه ثقته في انتخابات ديمقراطية شرعية ووضعه في السلطة في أعقاب ثورة شعبية. ولكنه يواجه فجأة قوي عديدة تريد إعادة كتابة قواعد اللعبة السياسية في محاولة مكشوفة لإهدار الرغبة الواضحة للشعب. ولا تتورع عن إلقاء التهم الزائفة والاستعانة بالقوي الخارجية. وترفض الحوار مع الرئاسة، ولا تحترم حتي قواعد الآداب العامة. فتتظاهر أحيانا وهي بالملابس الداخلية، وتجمع حولها شبابا وقحا يخدمون سياسيين جائعين للسلطة. وحولهم فلول النظام الساقط الذين يضمون بعض أعضاء قوي الأمن، يريدون دعوة المصريين للتصويت من جديد بشرط أن يختاروا العلمانيين ويسقطوا الإسلاميين.
وفي الجانب الآخر الصورة أيضا غاية في الوضوح، فهي تري رئيسا انتخب بهامش ضئيل ووعد بحكم رشيد كفء. وتوافق بين كل الفئات، وبدلا من ذلك قدم للشعب تضخما اقتصاديا وبطالة وأزمة وقود وديكتاتورية وطائفية وشعارات مستفزة، وتعرض حوارات جوفاء دون تقديم أي تنازلات. وقد تخلي عنه الكثير من حلفائه بما فيهم أحزاب تيارات إسلامية، وكلما زاد حجم المعارضة ضده والتي أصبحت أغلبية الشعب. سقطت شرعيته كرئيس، وبدلا من التزامه بنصوص الدستور الذي وضعه حزبه نفسه، يصر علي الاستمرار في الحكم ثلاث سنوات أخري من التدهور واليأس، إن علي مرسي أن يترك موقعه الآن ويدع الشعب يختار رئيساً آخر.
إن وجود هذين المتوازيين ليس جديدا، ومن بعض الزوايا فإن الوضع الحالي يختلف عن الماضي القريب في الدرجة وليس في النوعية، فمثلا وقع الاستقطاب خلال شهر من سقوط مبارك، وازداد سوءا من وقتها، فالتهجم السياسي الآن وصل لدرجة متطرفة، وقد قال لي أحد المصريين «المعتدلين» إن مرسي أوضح أنه ليس مصريا وأنه خائن، ومن المعسكر المؤيد لمرسي قال لي أحد أئمة مساجد القاهرة إنه كان ينتقد الإخوان في الماضي. ولكن في الظروف الحالية ليس هناك بديل عن تأييد مرسي لأن المعركة الآن أصبحت بين العلمانية والدين. وحذرني هذا الإمام أنه بسبب أنني ملتح بلحية قصيرة، فربما يهاجمني أحد في الشارع علي أساس أني إخواني، ويلجأ طرفا الصراع إلي إخفاء ما ينفر الناس من أفكارهم ويقول ما يرضي سامعيه ولو كان مختلفا.
ولكن هناك ثلاثة تطورات مؤخرا تختلف في نوعيتها عن الماضي، فأولا يبدو أن نقد المعارضة للحكم قد تعدي مرحلة مجرد الكلام، فالتدهور البطىء في الخدمات العامة، ونقص كل السلع، والشعور العام بانعدام الهدف، قد يؤدي كل ذلك إلي مضاعفة أعداد المتظاهرين في 30 يونية وما بعده، وخلال أسبوع لي بالقاهرة لم أقابل تقريبا أحدا ممن يسمون «حزب الكنبة» غير المكترثين بالسياسة، لا شك أن مرسي له مؤيدوه، ولكن كل الآخرين أعلنوا أنهم سيشتركون في المظاهرات ضده.
والتطور الثاني أن العنف بدأ في الظهور العلني، وربما يجد الطرفان نفسيهما في حرب أهلية، كان للسياسة المصرية ضحايا خلال العامين ونصف الماضيين، ولكن العنف خلالهما كان عارضا، ومحدودا، ولا يدعو أي من الجانبين حاليا للعنف علنا، ولكن الكثيرين يتوقعون حاليا وأصبح عاديا أن تسمع الجانبين يصرحان بأنهما لن يتراجعا عن المواجهة لو حدثت دفاعا عن النفس، والخط الفاصل بين الدفاع عن النفس وبين الهجوم رفيع للغاية لأسباب متعارضة. فالمعارضة ليست لها قيادة مركزية. والعناصر المنفلتة قد اخترقت صفوفها وقامت بهجمات ضد الإخوان ومكاتبهم، وبالنسبة للإخوان فإن الانضباط لديهم جعلهم ينظمون ما يبدو خط دفاع عن النفس يكون في الواقع هجوما علي خصومهم، خصوصا أحداث ديسمبر 2012 عندما نظم الإخوان كوادرهم كطليعة لمواجهة المتظاهرين أمام قصر الرئاسة.
وقادت التهديدات بالتظاهرات الضخمة وانفجار العنف إلي التطور الثالث وهو عودة تدخل الجيش في الحكم كاحتمال قائم، وكانت رسالة القيادة العسكرية في الفترة الأخيرة واضحة في عمومياتها غامضة في التفاصيل، فهي تقول إن الجيش لا يريد القيام بدور سياسي، ولكنه يعتبر نفسه مسئولا عن أمن مصر، ويبدو أن هذا الغموض قد نبع من رغبة في إفهام الرئاسة أن عليها تحسين أدائها حتي لا تعطي المعارضة فرصة الثورة التي قد تؤدي لتدخل الجيش، وكان إنذار الجيش في 23 يونية للقوي المدنية بأن لديها أسبوعا لتسوية خلافاتها بمثابة التحذير الواضح من تدخل الجيش عند الضرورة. ولكن متي تكون هناك ضرورة؟ وماذا سيفعل الجيش؟ فتدخل الجيش له عدة صيغ قمع التظاهر والعنف، أو فرض حكومة وحدة وطنية، أو عزل الرئيس، أو تعطيل الدستور، أو فرض حالة الطوارئ مؤقتا.

وحيث إن أيا من هذه الاحتمالات لن يحل أو حتي تخفف مشكلة مصر السياسية، فإنه لا يمكن التأكد أن الجيش سيتدخل.
والواقع أنه لا يبدو حاليا أن هناك أي احتمال لحل وسط، فجزء من المشكلة أن أيا من الجانبين لم يقدم موقفه بطريقة تتضمن حلولا وسطا، فالرئاسة تعرض الاستمرار بتفويض دستوري من خلال عملية سياسية ترفضها المعارضة، والمعارضة توحدت أخيرا حول طلب واضح وهو أن علي مرسي أن يستقيل.
ورغم هذا فهذه المواقف الحادة ليست لب المشكلة، فقد كان يمكن الوصول لاتفاق، ولكن الإرادة السياسية كانت معدومة، كانت هناك مجموعة محاولات هادئة خلال الشهور الماضية لجمع الجانبين، وكانت هذه المحاولات - بعضها محلي وبعضها دولي - تتمحور حول مجموعة مقترحات لتشكيل حكومة جديدة من شخصيات قومية محل ثقة، تدرس التعديلات الدستورية المقترحة وتضع إطارا انتخابيا متفقا عليه، وكان القائمون بهذه المحاولات يشعرون بتقدم الجهود نحو الحل، ولكن إرادة الحل لدي الإخوان لم تكن موجودة فقد شعروا أن المعروض يتضمن تنازلات كثيرة منهم مقابل مكاسب تافهة، وكانت لديهم مجموعات عديدة ذات أهداف مختلفة، فهناك الجيش وقوات الأمن والمخابرات والجهاز القضائي والبيروقراطية مما استهلك أغلب جهد الحكومة وبالنسبة للمعارضة المفككة فقادتها لم يريدوا أن يظهروا بمظهر المفاوض مع من ليسو أهلا للثقة.
والآن تشددت المواقف جدا، وقد سألت أحد قادة الإخوان الذين احترمهم عما إذا كان يتمني أن حزبه قد عالج الأمر بطريقة مختلفة في بعض القرارات، فأجاب في غضب واضح أنه لو عاد الزمن للوراء فإن حزبه سيعيد اتخاذ نفس المواقف، وعندما قلت لصديق إن مرسي لن يترك منصبه طواعية، أجاب أن المصريين سيعاملون مرسي كما عامل الليبيون القذافي.
ولكن بينما انحدرت العقول الهادئة علي الجانبين إلي التطرف. فهناك فرق واضح بينهما، فالجانب الحكومي به إصرار عنيد وشعور عميق بالغضب، فقد أعطتهم انتطاراتهم الانتخابية فرصة لا يريدون ضياعها، وفي جانب المعارضة هناك شعور غريب بالبهجة، كما لو كانوا قد نجحوا فعلا في إسقاط الحكومة وإهدار شرعية مرسي. وهنا نأتي إلي الوضع المخيف للسياسة المصرية الذي لم يلاحظه الكثيرون، فقد تشخصن النزاع وأهدر كل جانب شرعية الآخر، فكل اللاعبين علي الساحة بما فيهم الجيش والأزهر والقضاء يدعون أنهم يمثلون الشعب كله، وليس بينهم من يقوي علي القيام وحده بمعالجة الخلافات الجذرية في السياسة الدولية أو المصالح الاقتصادية، وقد سبق لي ذكر أن مشاكل السياسة المصرية نشأت من المرحلة الانتقالية والأخطاء الفادحة التي ارتكبت فيها، وليس من النوايا السيئة، فأخطاء مرسي واضحة للعيان، ولكني أشك أن رئيسا أكفأ منه كان يستطيع أداء أفضل، ولكن لا أحد في مصر يبدو أنه يدرك هذا التقييم المحايد، فالمعارضة تجد الخطأ في مرسي ومن حوله، ومرسي يجد الخطأ في سوء نوايا المعارضة والعناصر الأجنبية التي تحركها أحيانا.
والنتيجة أنه أيا كانت نتيجة ما سيحدث في 30 يونية من المواجهة، ستبقي مشاكل مصر العميقة قائمة، وسيواجهها المجتمع بمؤسسات ضعيفة ومتهمة من الجانبين، فالخاسر سيشعر بمرارة شديدة، والفائز سيسحقه الشك، فليس هناك صيغة توافقية لحل الخلاف السياسي القائم، وقد تحل هذه الخلافات نفسها تدريجيا بمرور الوقت، ولكن ليس لدي الجانبين صبر للانتظار، فمنذ عام وصفت السياسة المصرية في المرحلة الانتقالية كقطار معطوب يندفع ببطء، وعندي الآن نفس الشعور، مع فارق كبير هو أن الضحية الرئيسية كانت العملية السياسية، أما الآن فإن الضحية الرئيسية قد تكون مجتمعا من تسعين مليون مواطن، وإلي هنا ينتهي عرض براون للوضع المؤسف الذي أوصلتنا إليه فاشية دينية تحاول استعمال أدوات الديمقراطية لهدم المجتمع المدني وإقامة مجتمعها الفاشي علي أنقاض تحت راية دينية، تماما كما فعل هتلر عندما هدم المجتمع المدني الألماني وأقام علي انقاضه فاشية نازية قادت ألمانيا إلي الحرب ثم الدمار الكامل.
نائب رئيس حزب الوفد