رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

تركيا وإيران دول المنطقة المؤثرة

بينما تتراجع أدوار دول عرب المشرق دون استثناء الي ادوار هامشية تابعة لمركز سيادتها في واشنطن وممثلها الاقليمي في تل أبيب يتصاعد دور كل من تركيا وايران الي قمة النفوذ المؤثر في الشرق الأوسط والعقبة الحقيقية في وجه السيطرة الامريكية وكلب حراستها الاسرائيلي، وقد نشر موقع ستار فور علي الانترنت في 11 يناير تحليلاً مهما للوضع في المنطقة تحت عنوان: "دور تركيا في المفاوضات مع ايران" بقلم المعلق جورج فريدمان.

يقول فريدمان ان مفاوضات الدول دائمة العضوية بمجلس الأمن ومعها ألمانيا مع ايران بشأن ملفها النووي ستستأنف في اسطنبول يوم 21 يناير بضيافة تركيا لها دون اشتراكها في المفاوضات، وقد تعلم الايرانيون من كوريا الشمالية كيف يجبرون الدول الكبري علي احترامهم، وبينما يهدف حاكم كوريا الشمالية من تهديداته النووية الي مجرد الاحتفاظ بالحكم فإن هدف النظام الحاكم في ايران يتعدي الاحتفاظ بالحكم الي بزوغ ايران كقوة اقليمية عظمي، فاذا انسحبت القوات الامريكية من العراق كما تعهدت تصبح ايران اقوي قوة عسكرية غير نووية في الخليج حتي بدون انتاج سلاح نووي فخروج القوات الأمريكية من العراق هو أول خطوة لنمو قوة ايران في المنطقة، وقد عاد الزعيم الشيعي العراقي حليف ايران المعادي لأمريكا مقتدي الصدر الي العراق مؤخراً بعد أربع سنوات منفي اختياريا في ايران بضغط امريكي، وتقطع الملابسات بأن عودة مقتدي الصدر للعراق بتحريض ايراني ليكون أداة للضغط علي حكومة المالكي الصديقة بدورها لايران في الوقت الذي تنسحب فيه امريكا من العراق وتتراجع ثقة حلفاء  امريكا العراقيين فيها.

وتواجه امريكا حالياً خياراً دقيقاً، فان استمرت في سحب قواتها من العراق فسيسير العراق في طريق التحول الي دولة تابعة لايران حتي رغم وجود قوي مناوئة لايران بين شيعة العراق، واذا حدث ذلك فإن حدود العراق مع كل من الكويت والسعودية تصبح حدودا لهما مع ايران عملياً، وسيكون شعور دول الخليج ان امريكا لا تريد المواجهة مع ايران، فقد طلبت دول الخليج من أمريكا ضرب ايران وفشلت في طلبها، وستضطر السعودية لمهادنة ايران بأي وسيلة.

وبمعني أوضح فان النفوذ الايراني في العراق سيمكن ايران من أن تصبح القوة المهيمنة في الشرق الأوسط وتعيد صياغة سياسات شبه الجزيرة العربية.

طبعاً تستطيع أمريكا ايقاف سحب قواتها من العراق، ولكن امريكا لم تستطع السيطرة علي العراق بحوالي مائة وسبعين ألف جندي، فكيف يستطيع خمسون ألف جندي الذين تزمع تركهم بالعراق القيام بالمهمة؟ اذا تأكدت ايران ان امريكا غير مستعدة لزيادة قواتها في العراق فان امامها فرصة ضخمة، فالملف النووي ليس بهذه الأهمية، فالاسرائيليون يقولون ان امام ايران بين ثلاث وخمس سنوات لانتاج سلاح نووي، سواء كان ذلك بسبب تخريب اجهزة المخابرات الامريكية والاسرائيلية لاجهزة الكمبيوتر الايرانية أو لصعوبة بناء ترسانة نووية ايرانية، ولكن السعودية هي التي تضغط بشدة علي امريكا لضرب ايران كما ظهر من وثائق ويكيليكس التي تم نشرها، فالسعودية مرعوبة من تنامي قوة ايران التقليدية، فبينما تستطيع ايران احتمال ضربة لمنشآتها النووية التي لم تنتج سلاحاً للآن فان خوفها الحقيقي هو من هجوم جوي امريكي لسحق قواتها التقليدية وخاصة البحرية، فأقوي سلاح في يد ايران هو اغلاق خليج هرمز بالألغام البحرية واستعمال زوارق فدائية ضد الاسطول الامريكي بالخليج بما يوقف خروج النفط من الخليج، وتعلم ايران ان الحرب الجوية ضدها هي اقوي  اداة في يد امريكا خصوصا لو طال امد هذه الحرب ولذلك تدخل ايران مفاوضاتها مع الغرب ولديها هدفان، الأول هو الحفاظ علي التهديد بالكارت النووي في يدها، والثاني هو تجنب حرب جوية امريكية ضدها.

فالموضوع الحيوي في هذه المفاوضات هو مصير مستقبل الجزيرة العربية، فلا تحتاج ايران لغزو دول الخليج عسكرياً للسيطرة عليها، فيكفيها ان تكون لديها القوة للقيام بذلك، فهذا وحده يهدد نظام الحكم في السعودية بالسقوط فالسعوديون يدركون أن ما دامت امريكا تمهد للانسحاب العسكري من العراق فقد تفعل نفس الشيء في الكويت، ولذا سيجبرون علي الوصول لتفاهم يرضي ايران.

وهكذا فلا يكون امام امريكا إلا خيار قبول تغيير ميزان القوة في المنطقة لصالح ايران او خيار عدم سحب قواتها من العراق ومحاولة تحطيم قوة ايران العسكرية، وكل هذه الخيارات مزعج لامريكا، فقبول صعود النفوذ الايراني يفتح الباب لتهديدات مستقبلية، وزيادة القوة العسكرية الامريكية في العراق قد تكون مستحيلة بسبب اعباء حرب افغانستان حالياً، طبعاً تستطيع أمريكا ابقاء العقوبات ضد ايران بل وزيادتها، ولكن المشكلة أن روسيا والصين بل واوروبا لا تتعاون في تطبيق هذه العقوبات بفعالية، وتستطيع أمريكا فرض حصار بحري علي  ايران، ولكن معظم واردات

ايران تأتيها برا شمالا من آسيا.

ومع أن العقوبات الحالية قد ترهق إيران فإنها لن تثنيها عن الاستمرار في برنامج التخصيب النووي، وبذلك ستجد السعودية نفسها مضطرة لدفع ثمن السلام مع إيران. أما الأوروبيون فليسوا متفقين علي كيفية معاملة إيران إلا بالنسبة لشيء واحد هو عدم توقف النفط من الخليج. فإذا ضمنت أمريكا لهم نجاح حرب جوية ضد إيران دون توقف تدفق النفط فسيقبلون ضرب أمريكا لإيران. ولكن الصين يفزعها جداً أثر هذه التصرفات الأمريكية علي مصالحها في المنطقة. أما روسيا فإنها تستفيد من توتر عسكري في المنطقة يرفع حتماً أسعار النفط بما يفيدها جداً، فماذا عن مصالح تركيا؟ لقد عارضت تركيا غزو أمريكا للعراق لأنها توقعت أن يفشل الغزو في إقامة حكومة عراقية مستقرة في بغداد، بما يدمر توازن القوي في المنطقة بين إيران والعراق. ولذا وضعت تركيا نفسها في موضع قوة إقليمية رئيسية في العالم الإسلامي وهمزة وصل بين العالم الإسلامي وبين الغرب، ولذا تقوم بدور تنظيم المفاوضات بين القوي الكبري وبين إيران علي أرضها. لقد كانت أمريكا خصوصاً في غاية الغضب من محاولة تركيا مع البرازيل التفاوض مع إيران لنقل وقودها النووي لتركيا بالمخالفة للمخطط الأمريكي. والآن تراجع الخطر النووي الإيراني وفي الوقت نفسه لم يكن للعقوبات ضد إيران أثر فعال. ولكن قرار أمريكا بالانسحاب العسكري من العراق خلال عام جعلها ترحب بدور تركي وسيط كما ترحب به إيران. أما مشكلة تركيا حالياً فهي غياب السعودية عن ساحة المفاوضات. فتركيا تريد أن تكون القوة الإسلامية الأولي في المنطقة دون التورط العسكري فيها. ولذلك فمشكلة تركيا حالياً هي كيفية التوفيق بين إيران والسعودية أو بين العرب والفرس. إن الملف النووي الإيراني ليس مشكلة عاجلة، فالعجلة الحقيقية هي أن انسحاب أمريكا من العراق يدفع العراق لأحضان الحليف الإيراني، وهذا بدوره يفزع السعودية، ولذا فإذا أرادت تركيا دوراً بناء فعليها ثلاثة أشياء لعملها: تسهيل الخروج الآمن للقوات الأمريكية من العراق. وتحجيم السيطرة الإيرانية علي العراق، واقناع السعودية أن النفوذ الإيراني في العراق لا يهدد السعودية.

ولذلك فالطريق الوحيد لتحقيق هذه الأهداف التركية هي أن تكون القوة التركية المباشرة وغير المباشرة هي عنصر التوازن أمام النفوذ الإيراني دون التصادم معه، فالأتراك لا يريدون حرباً أمريكية جوية ضد إيران، ولا يريدون أن تسود الفوضي في العراق. ولا يريدون أن يكون خيارهم هو إما العرب وإما إيران. ولا يريدون سيادة إيرانية علي المنطقة. فكيف توفق تركيا بين كل هذه العناصر المتناقضة؟ إن قيام تركيا باستضافة مفاوضات إيران مع القوي الكبري يجعلها أمام أمرين: إما أن تكون مكان اجتماع للمفاوضين، وإما أن تتدخل لتحديد نتيجة التفاوض. إن هدف تركيا الحقيقي هو استقرار المنطقة والحفاظ علي توازن القوي بها بين العرب والفرس. وسيؤدي هذا بالضرورة إلي تغيير كبير في السياسة الداخلية لتركيا التي تباعدت عن المنطقة منذ سقوط الخلافة العثمانية ومحاولة حكوماتها المتعاقبة الالتصاق بالغرب، ولكن التغيير في السياسة الداخلية المنتظر سيفتح أمام تركيا آفاقاً هائلة.

*عضو الهيئة العليا للوفد