رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تركيا العملاق الصاعد (2)

عرضنا في الحلقة السابقة الجزء الأول من التقرير المتعمق للكاتب چورچ فريدمان الذي نشرته مجلة «ستراتفور» في 22 ابريل عن الدور المتصاعد لتركيا في المنطقة، وعرض فيه تحول تركيا من امبراطورية عثمانية قبل الحرب العالمية الأولي الي تركيا الحديثة التي تخلصت من عبء مستعمراتها

وإن كانت قد بقيت أسير أخطر خوف يهددها وهو التطلع الروسي للسيطرة علي مضايق البوسفور والدردنيل أيام الاتحاد السوفيتي وقبله، مما دفع تركيا الي ربط نفسها بالحلف الكامل مع أمريكا التي كانت تحيط الاتحاد السوفيتي بقواعد عسكرية لحلف الناتو، وانتهي هذا الجزء من التحليل الي أنه بسقوط الاتحاد السوفيتي وتفككه آخر سنة 1991 وانفصال جمهورياته عنه، لم تعد تركيا تعيش في ظل الرعب من الاتحاد السوفيتي بعد أن انكمش الاتحاد الي مجرد دولة روسيا الاتحادية وبذلك تخلصت تركيا من الاعتماد الكامل علي أمريكا وحلف الناتو وبدأت ترفض مطالب أمريكا.
وفي هذه الحلقة يعرض الكاتب نتائج التغيير في السياسة الخارجية التركية وآثارها علي المنطقة عندما يتم تحول تركيا الي قوة عظمي إقليمية.
تحت عنوان فرعي هو «التحول بعد الفترة السوفيتية» يستطرد الكاتب قائلا: إن كلا من تركيا وأمريكا قد استغرقتا بعض الوقت قبل إدراك هذا التحول فالعلاقات الاستراتيجية تتسم عادة بالثبات الي أن تختفي البيئة الاستراتيجية التي كونت هذه العلاقات، ويأخذ الأمر عادة حقيقية استراتيجية جديدة حتي تزيح الاستراتيجية القديمة، ولذلك بقيت علاقة تركيا بأمريكا راسخة لفترة، وكانت محاولة تركيا دخول الاتحاد الأوروبي الجارية حاليا مستمرة، وبقيت علاقة تركيا بإسرائيل متينة حتي بعد أن صرحت أمريكا بأن علاقة الدولتين قد تراجعت إنه أكثر سهولة أن تضع سياسة استراتيجية في مواجهة خطر حقيقي من أن تضع هذه السياسة للاستفادة من مجموعة فرص غير محددة وفي حالة تركيا كانت الفرص المتاحة عديدة، ولكن تحديد كيفية الاستفادة منها لم يكن سهلا، فبالنسبة لتركيا كانت لحظة الانفصال عن الماضي هي سنة 2003 عندما غزت أمريكا العراق، فمن وجهة النظر التركية لم يكن الغزو الأمريكي مبررا، وكان ينذر بأنه سيكون عاملا علي تقوية نفوذ إيران. كما أنه سبب مشاكل داخلية في تركيا فلأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية رفض الأتراك ليس مجرد الاشتراك في غزو أمريكا للعراق، بل رفضوا عبور قوات الغزو الأمريكية للأرض التركية. لقد واجهت تركيا وضعا وجدت معه أن علاقتها بأمريكا ثبت أنها الأكثر خطرا عليها من حلفها مع أمريكا لمواجهة الخطر الروسي، وكان ذلك نقطة تحول في السياسة الخارجية التركية في فترة ما بعد زوال الاتحاد السوفيتي وبمجرد أن قررت تركيا عدم التعاون مع أمريكا تغيرت سياستها الخارجية تماما، لم يسبب رفضها لطلب أمريكا مرور قوات غزو العراق فوق أرض تركيا نزاعا حادا مع أمريكا، ولكن تطور حرب العراق أقنع الأتراك أنهم كانوا أكثر حكمة من أمريكا في رفضهم التعاون معها ولم تكابر أمريكا في هذه النقطة.
وقد ترك هذا الموقف لتركيا حرية الحركة في اختيار علاقات أخري، وكان إحدي أهم خطواتها الجديدة محاولة دخول الاتحاد الأوروبي الذي كانت دوله الرئيسية تعارض بدورها غزو أمريكا العراق. ومع ذلك لم يكف اتفاق وجهات النظر هذه لحصول تركيا علي عضوية الاتحاد الأوروبي، وكانت أسباب ذلك عديدة فمن ناحية كانت أوروبا تخشي من هجرة تركية ضخمة الي دولها، وكان هناك أيضا العداء بين تركيا واليونان، ولم تكن نظرة تركيا لعضوية الاتحاد الأوروبي قاصرة علي مجال السياسة الخارجية، فالقوي العلمانية التركية كانت تنظر لعضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي علي أنها تجسيد فكرة أن تركيا بلد أوروبي تحكمه القيم الأوروبية ولكن قرار عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي لم يكن بيد تركيا، ولكن في نهاية المطاف عندما رفض الاتحاد الأوروبي عضوية تركيا به كان ذلك سببا في قيام اقتصاد تركي أكثر ديناميكية من معظم دول الاتحاد الأوروبي. كما أنه أعفي تركيا من عبء المساهمة في إنقاذ الاقتصاد اليوناني.
فشلت تركيا في الحصول علي عضوية الاتحاد الأوروبي.. كما حدث تحول جذري في علاقتها بأمريكا.. فبعد أن كانت حلفا قويا لا يمكن الاستغناء عنه لمواجهة خطر الاتحاد السوفيتي أصبحت العلاقة بينهما صداقة يرحب بها الطرفان ولكن كل موضوعاتها قابلة للتفاوض.. وكان هذان العاملان، أي الفشل في دخول الاتحاد الأوروبي والتغيير الجذري في العلاقة مع أمريكا سببا في إقدام تركيا علي وضع

استراتيجية جديدة لفترة ما بعد نهاية الحرب الباردة وقد انبثقت هذه الاستراتيجية الجديدة من ثلاث حقائق: أول هذه الحقائق أن تركيا لم تكن تواجه أي خطر جسيم يهدد كيانها،وكانت الأخطار الأقل من النوع الذي يمكن لتركيا مواجهته والسيطرة عليه، وثاني هذه الحقائق أن تركيا كانت تتطور اقتصاديا بسرعة شديدة وكان جيشها هو أقوي جيش في المنطقة، وثالث هذه الحقائق أن تركيا كانت محاطة بدول ذات استقرار مزعزع تماما وبجانبها جيران خطرون، كانت كل من العراق وسوريا غير مستقرتين إطلاقا، وكانت إيران تزداد اعتدادا بقوتها، وكان احتمال الحرب بين إيران وإسرائيل أوبين إيران وكل من إسرائيل وأمريكا هو احتمالا قائما تماما.
كانت منطقة القوقاز هادئة، ولكن الغزو الروسي لجورجيا سنة 2008 والتوتر القائم بين أذربيجان وأرمينيا كانا مازالا عاملين قويين في اضطراب المنطقة المجاورة لتركيا، وكانت منطقة البلقان قد هدأت بعد الحرب في كوسوڤو، ولكن بقيت المنطقة غير مستقرة ومتخلفة اقتصاديا، وخلال العام الماضي تحولت منطقة شمال أفريقيا الي منطقة مضطربة غير مستقرة وزادت روسيا من استعراض عضلاتها في العالم وبدأت أمريكا تبدو في صورة العملاق البعيد الذي لا يمكن التنبؤ بتصرفاته.
هناك ثلاثة مسارات تحدد الاستراتيجية التركية.. المسار الأول: هو الارتفاع النسبي في القوة التركية، ففي منطقة تتميز بوجود عدة قوي تعمل علي زعزعة الاستقرار تبدو القوة التركية في ازدياد مما يتيح لتركيا فرصا جديدة، والمسار الثاني: هو الأخطار المحتمل أن تواجه المصالح التركية نتيجة عدم الاستقرار في المنطقة مما يضطر تركيا الي مد نشاطها الي خارج حدودها حتي تتمكن من السيطرة علي عدم الاستقرار المحيط بها، والمسار الثالث: هو حقيقة أن أمريكا حاليا في مرحلة إعادة تحديد دورها في المنطقة بعد حرب العراق وهذا التردد الأمريكي يجعل من أمريكا قوة غير ثابتة ولا يمكن التنبؤ بتصرفاتها.
ونقف عند هذه الفقرة من التقرير لنعرض في الحلقة الثالثة والأخيرة باقي البحث الذي يعرضه الكاتب تحت عنوان فرعي هو «المرحلة الانتقالية».
ونري بعد ذلك أثر الدور التركي الجديد في المنطقة علي مصر ودورها في المنطقة. إن مصر أيضا تمر بمرحلة انتقالية ولكن شتان بين مرحلتنا الانتقالية المتميزة حاليا بسيولة سياسية شديدة، وانفلات أمني مدبر وأزمة اقتصادية خانقة يدبرها أعداء الخارج والداخل شتان ما بين هذا الوضع وبين المرحلة الانتقالية التركية التي تتميز بصعود تركي في كافة المجالات السياسية والاقتصادية في المنطقة. ورغم ذلك فإننا نشعر بتفاؤل شديد بأن ثورتنا المجيدة ستنتصر في نهاية المطاف مهما كانت التضحيات بفضل المولي تبارك وتعالي وبوعي الشعب الذي بدأ صحوته ضد كل تيارات الفاشية من عسكرية ودينية, وما القبس الجميل الذي يعمل الدكتور محمد البرادعي حاليا علي إضاءته بتجميع القوي الوطنية والليبرالية حول حزبه الجديد إلا شعلة تذكرنا بالزعيم الخالد سعد زغلول وبقيام حزب الوفد العريق في أعقاب ثورة 1919 الخالدة.
----
نائب رئيس حزب الوفد