رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

تركيا العملاق الصاعد (1)

نشرت مجلة «ستراتفورد» فى 22 أبريل تحليلاً متميزاً للكاتب جورج فريدمان عن التصاعد الكبير فى القوة لتركيا يتعين علينا فهمه ومتابعة ما يجرى حولنا.. فإذا تذكرنا التصاعد الكبير فى قوة إيران والدور الذى تهيئ نفسها للعبه فى المنطقة وإذا تذكرنا القوة العسكرية

الضخمة للآلة الحربية الإسرائيلية والخطر الشديد الذى تمثله علينا.. وإذا تذكرنا كل ذلك وأدركنا حالة السيولة الشديدة التى تمر بها ثورة 25 يناير المجيدة فى مصر، والأخطار الهائلة المحيطة بها من كل القوى المعادية من أنظمة رجعية تحيط بمصر وعدو إسرائيلى متربص ومظلة استعمارية يمسك الذئب الأمريكى بخيوطها وفلول النظام الذى سقط رأسه فى مصر وتطل أذنابه اليوم فى جرأة وصفاقة محاولة إجهاض الثورة، إذا وضعنا كل هذا أمام أعيننا لأدركنا على الفور أهمية بل حتمية التحليل الدقيق للأوضاع المحيطة بنا من جميع زواياها لنعرف كيف نخرج بثورتنا المجيدة من مستنقع الأخطار المحيطة بها.. ونحدد من هم أصدقاؤنا الذين تجب علينا محالفتهم، ومن هم أعداؤنا الذين يتعين علينا قتالهم بجميع الأسلحة وفى جميع ميادين القتال السياسية بل والعسكرية إذا فرض علينا القتال.

يقول «فريدمان» إن تركيا تخرج الآن على المنطقة كقوة إقليمية فعالة، ومن بعض الزوايا يبدو أنها فى طريق العودة إلى الوضع الذى كانت فيه قبل الحرب العالمية الأولى عندما كانت عاصمة الإمبراطورية العثمانية، ولكن النموذج العثمانى له قيمة سطحية فى فهم الوضع الحالى، لأنه لا يأخذ فى الاعتبار التغيرات التى طرأت على النظام العالمى والإقليمى وكيف يعمل هذا النظام حالياً.

كانت نهاية الحرب العالمية الأولى هى نهاية للإمبراطورية العثمانية وانحسار السيادة التركية فى آسيا الصغرى وفى شريط ضيق من أرض أوروبا على شواطئ مضيق البوسفور، ولكن هذا الانحسار الجغرافى خلص تركيا من مشاكل التمدد الإقليمى الذى حاولت الاحتفاظ به كإمبراطورية تمتد من الجزيرة العربية إلى البلقان، وبمعنى عملى فإن هزيمة تركيا فى الحرب حلت لها مشكلة مصالحها الاستراتيجية التى زادت من حجم قوتها العسكرية، فبعد الحرب العالمية الأولى أعادت تركيا ترتيب مصالحها فى ضوء قوتها، ورغم أن مساحتها قد صغرت كثيراً عما كانت عليه قبل الحرب فقد كانت أقل عرضة للخطر عما كانت عليه الإمبراطورية العثمانية.

المشكلة الروسية: كان هناك خيط أساسى يربط بين الفترتين قبل وبعد الحرب، وكان هذا الخيط هو الخطر الروسى، كانت روسيا عرضة لخطر استراتيجى أساسى، فقد كانت كل موانيها محصورة لا تستطيع الوصول لها إلا عبر مضيق ضيق تسيطر عليه أساطيل معادية، فقد كان الأسطول البريطانى يتحكم فى المضايق الدنماركية الموصلة إلى ميناءى سان بطرسبرج ومورمانسك الروسيين، وكان الأسطول اليابانى يتحكم فى مداخل ميناء فلاديفسك، وكانت تركيا تتحكم فى طريق الوصول من ميناء أودسا الروسى للبحر الأبيض عن طريق مضيقى البوسفور والدردنيل، ولذلك كانت سياسة روسيا القومية مركزة فى محاولة السيطرة على البوسفور لمنع حصار أودسا وللوصول للبحر الأبيض، ولذا كانت روسيا ذات مصلحة حيوية فى تحديد سياسة تركيا الخارجية، وخلال الحرب العالمية الأولى انضمت تركيا لألمانيا عدوة روسيا، وفى فترة ما بين الحربين العالميتين عندما كان الاتحاد السوفيتى مازال ضعيفاً بقيت تركيا على الحياد إلى أن أعلنت الحرب على ألمانيا واليابان فى فبراير سنة 1945، وبعد الحرب عندما بدأت قوة الاتحاد السوفيتى فى الصعود الكبير حاول السوفييت زعزعة استقرار تركيا واليونان، فربطت تركيا نفسها بقوة إلى أمريكا واشتركت فى حلف الناتو.

ومن سنة 1945 إلى سنة 1991 كانت تركيا مرتبطة فى علاقة وثيقة بأمريكا التى كانت تسير على سياسة احتواء الاتحاد السوفييتى بأحلاف عسكرية ممتدة من النرويج إلى باكستان، وكانت تركيا عنصراً حيوياً فى هذا الحلف بسبب سيطرتها على مضيق البوسفور، ولو كانت تركيا حليفاً للسوفييت لفتحت لهم طريق الضغط على

إيران والعراق وسوريا، ولقضت بذلك على مركز الحصار الأمريكى للاتحاد السوفييتى وغيرت توازن القوى الدولى تماماً ولذلك كانت تركيا ومعها ألمانيا هى مركز الثقل فى استراتيجية أمريكا وحلف الناتو.

من وجهة النظر التركية لم يكن لتركيا أى خيار آخر، فقد خرج السوفييت من الحرب العالمية الثانية بوضع غاية فى القوة، وكانت أوروبا الغربية مهلهلة بتأثير دمار الحرب، وكانت الصين قد أصبحت شيوعية وأصبح جيشها احتياطياً عسكرياً للسوفييت، ورغم الدمار الذى سببته الحرب للاتحاد السوفييتى فلم تكن الدول المجاورة له ومنها تركيا قادرة على الوقوف فى طريقه وكانت أهمية مضيق البوسفور وآسيا الصغرى لروسيا من الحيوية لدرجة جعلت تركيا هدفاً حيوياً للسوفييت، ولما كانت تركيا عاجزة عن مواجهة الاتحاد السوفييتى وحدها لذلك دخلت فى تحالف وثيق مع أمريكا لمصلحة الطرفين.

وخلال فترة الحرب الباردة كانت تركيا ذات أهمية استراتيجية قصوى لأمريكا، فقد كانت تواجه السوفييت من الشمال وتواجه دولتين تابعتين له من الجنوب هما العراق وسوريا، وشدت إسرائيل سوريا بعيداً عن تركيا ولكن هذا المنطق الاستراتيجى تفكك سنة 1991 بسقوط الاتحاد السوفييتى، فقد تفكك الاتحاد وانسحبت القوة الروسية من جنوب القوقاز ومن البلقان.

وتجمدت حركة القوات الروسية فى شمال القوقاز نتيجة الثورة التى اندلعت ضد الروس فى المنطقة الشمالية من القوقاز، واستقلت كل من أرمينيا وجورجيا وأذربيجان بعد أن كانت جمهوريات فيدرالية داخل الاتحاد السوفيتى قبل تفككه، وحصلت أوكرانيا كذلك على استقلالها من الاتحاد السوفييتى، مما جعل وضع الأسطول الروسى فى البحر الأسود فى شبه جزيرة القرم التابعة لأوكرانيا غاية فى الصعوبة، ولذلك فلأول مرة منذ قيام الاتحاد السوفييتى زال خوف تركيا التاريخى من روسيا، لم يعد العامل الحاسم فى السياسة الخارجية التركية وهو الخوف من روسيا موجوداً، وبزوال هذا الخوف زال كذلك الاعتماد التركى الكامل على أمريكا.

ونقف عند هذه الفقرة من هذا التقرير المتعمق فى تحليله لجزء أساسى فى هذه المنطقة التى نعيش فيها ونتأثر سلباً وإيجاباً بما يتم فيها، ونعرض فى المقال التالى نتائج هذا التغيير فى السياسة الخارجية التركية فى فترة ما بعد تفكك الاتحاد السوفييتى وأثر هذه التغيرات علينا، ثم نستكمل العرض بشرح ما يتضمنه هذا البحث المتعمق من آثار علينا وعلى باقى المنطقة عندما تنتهى هذه الفترة الانتقالية للسياسة الخارجية التركية من اعتماد شبه كامل على حلفها مع أمريكا إلى بروز تركيا كقوة عظمى إقليمية، وربما كإحدى القوى الكبرى التى تتحكم فى مصير العالم.

----

نائب رئيس حزب الوفد