رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مصر بين الناصرية والإسلام السياسى

نشرت جريدة الجارديان البريطانية مقالاً فى 2 يناير الماضى لكاتبها مجدى عبدالهادى تحت عنوان: «مصر من الإيديولوجية الناصرية إلى اكتساح التيار الإسلامى». ويتضمن المقال تحليلاً غاية فى العمق للوضع السياسى المعاصر ونظرة الى الماضى الناصرى لا نعتقد أن معظم المثقفين قد لاحظوها وهى نظرة تربط الناصرية بالإسلام السياسى من زاوية وجدنا فى عرضها على قارئ الوفد فائدة كبيرة لفهم ما يجرى من أحداث بمنظور جديد.

يقول الكاتب إن النصف المدنى أو العلماني فى مصر الذى يتضمن أقلية قبطية كبيرة الحجم يشعر بقلق شديد من برلمان إسلامى هو الأول فى تاريخ  مصر كله، فبينما يشعر الكثيرون بالصدق والجزع يشعر البعض بالأمل حيث يعلقون أملهم على نفس المؤسسة المسئولة ـ وياللعجب ـ عن التراجع الشديد للديمقراطية فى مصر وهى المؤسسة العسكرية، فهم يعتقدون أن الجيش هو القوة الوحيدة القادرة على إيقاف مد التيار الإسلامى أو على الأقل إبطاء سرعته.
لا يعرف أحد على وجه اليقين على أى وجه سينتهى الجمود السياسى الحالى إن كان سينتهى يستبعد المتفائلون انهيار الوضع إلى حمام من الدم كما حدث فى الجزائر عام 1990 عندما ألغى العسكر الانتخابات البرلمانية التى كان التيار الإسلامى على وشك الفوز فيها، بينما يرى آخرون أن السيناريو الباكستانى قد يتكرر فى مصر، وهو ظهور عسكرى يميل للتيار الإسلامى مثل الجنرال ضياء الحق ويكون مقبولاً من الجيش والتيار الإسلامى على السواء، ويرى آخرون سيناريو ثالثاً لا يقل سوءاً مثل ماضى مصر القريب عندما فبرك العسكر الحجة التى عطلوا بها الحياة السياسية عام 1954.
بحلول منتصف يناير عندما تكون نتائج الانتخابات كلها معروفة ستكون لدينا فكرة أوضح، فقد حصد الإسلاميون ثلثى مقاعد البرلمان فى الجولة الأولى والثانية. والمتوقع أن يعززوا مكاسبهم فى الجولة الثالثة، وإذا نحينا المخاوف والاحتمالات جانباً فإن النصر الساحق للتيار الدينى ليس مفاجئاً لمن يقرؤون التاريخ المصرى الحديث.
فمنذ الانقلاب العسكرى عام 1952 الذى أسقط النظام الملكى فإن الرياح السياسية التى هبت على مصر لم تكن نسيماً آتياً من الشمال من البحر الأبيض، ولكنها كانت رياحاً عاصفة ساخنة آتية من شبه الجزيرة العربية كان الزواج السياسى المفروض على مصر مع الغربة قد انتهى نهاية درامية دموية بهجوم بريطانيا وفرنسا وإسرائيل على مصر فى حرب السويس عام 1956.
وأخلت القيم الليبرالية التى كان النظام السياسى المصرى يعتنقها نقلاً من الغرب، أخلت مكانها لقيم شمولية مغلفة بسياج وطنى به مسحة من كل من الاشتراكية والإسلام فى فلسفة الكولونيل ناصر السياسية.
وحتى نوضح هذه النقطة فإن عبدالناصر كان يوماً عضواً بالإخوان المسلمين لم يكن أبداً نسخة من كمال أتاتورك الضابط المتطرف فى علمانيته الذى أنشأ تركيا الحديثة. وقد بدأ الكثير من عوامل أسلمة المجتمع المصرى خلال حكم عبدالناصر صحيح أنه فيما بعد قد ساءت علاقته بالإخوان ووضع زعماءهم فى السجون، ولكن سوء علاقته بالإخوان كان أمراً سياسياً ولم يكن أمراً أيديولوجياً أبداً. ولنتذكر الواقعة التالية فخلال حرب السويس ورغبة عبدالناصر فى حشد الجماهير فإنه لم يذهب لمخاطبة الجماهير فى ميدان رئيسى، ولكنه ذهب إلى منبر الأزهر. وألقى حديثاً نارياً اقتبس فيه من الآيات القرآنية، وأخذ يذكر سامعيه بأن القتال فريضة إسلامية قبل أن يكون واجباً وطنياً، كان هذا المزيج بين الوطنية والإسلامية هو ما ميز خطابات عبدالناصر وساهم فى تقوية شعبيته.
وحتى بعد أن تحول عبدالناصر فيما بعد نحو اليسار وقدم نموذجه من الاشتراكية العربية كانت أيديولوجية تقتبس من الإسلام وتاريخه ليضفى شرعية دينية على أيديولوجية «الشيعية» تنكر الدين وتعتبره أفيون الفقراء، وخلال حكم عبدالناصر زاد نفوذ الأزهر وبالتالى نفوذ الدين على المجتمع بدرجة كبيرة. فبعد أن كان الأزهر مجرد معهد للدراسات الدينية اتسع حجمه ليصبح جامعة رئيسية لها فروع فى كل أنحاء مصر، ما سمح له أن يمد نشاطه إلى مجال الدراسة الابتدائية والثانوية، فبنى شبكة ضخمة من المدارس فى كل مصر لا يسمح

للطلبة الأقباط بالالتحاق بها، رغم أن المواطنين الأقباط يساهمون فى انشاء هذه المدارس عن طريق الضرائب التى يدفعونها للدولة.
قد يعتبر الأزهر مؤسسة معتدلة بالمقارنة بالمؤسسات الدينية السعودية ولكنه قطعاً ليس مؤسسة ليبرالية تنادى بفصل الدين عن الدولة، ولنذكر مثلاً آخر لا يعرفه الكثيرون خارج مصر، فقناة القرآن فى الإذاعة المصرية هى أول قناة كل برامجها دينية، وقد فتحت مصر هذه القناة عام 1963 عندما كان عبدالناصر فى قمة قوته وشعبيته وبإذاعتها برامج تجمع بين قراءة القرآن الكريم، وأحاديث الدعوة الدينية فإنها لا تفترق عن شعار الإخوان المسلمين الشهير «الإسلام هو الحل»، فلماذا إذن تمول دولة مفروض أنها دولة مدنية مثل هذه القناة الدينية؟ الجواب فى غاية البساطة، هذه الدولة ليست مدنية ولم تكن كذلك أبداً، فعندما نسمع أو نشاهد البرامج الدينية فى التليفزيون والراديو الحكوميين فى مصر فإنه يصعب أحياناً رؤية الفرق بين الإخوان المسلمين وبين الدولة المصرية.
إن الفرق الرئيسى بين حكام مصر من العسكر وبين خصومهم من الإسلاميين هو أن الأخيرين أكثر منطقية مع أنفسهم وأكفأ من خصومهم العسكريين فى استخدام الدين لتحقيق أهدافهم السياسية، ولكن الصورة ليست مظلمة كلها بالنسبة للنصف العلمانى من الأمة.
فنسبة من اشتركوا فى التصويت فى الانتخابات الأخيرة كانت حوالى «50٪»، أى أن نصف من لهم حق التصويت لم يصوتوا، ولا يقل أهمية  عن ذلك أن الثورة قد دفعت للصف الأول لاعباً نشيطاً جداً وهو الشباب المتمرد الذى لولا اشتراكه فى الثورة لما قامت لها قائمة، تقدم الشباب مسلحين بالتعليم والتكنولوجيا الحديثة فأثبتوا مراراً أنم قادرون على هز قواعد البيروقراطية التى حكمت مصر لمدة طويلة وهذا الاتجاه أوسع من الحركة ضد البيروقراطية الحاكمة وحدها، فشباب التيار الإسلامى داخلون الآن فى صراع مع قادتهم من العجائز الجامدين.
كان الشباب هم من قاد الهجوم على المجلس العسكرى الحاكم مؤخراً، وكشفوا وحشية العسكرى وحصلوا على تنازلات كبرى من المجلس العسكرى.. ويصعدون الآن هجومهم بمد المظاهرات من وسط القاهرة الي الضواحى.
ربما تكون مصر مازالت واقعة بين مطرقة العسكر وسندان الإسلاميين، ولكن الكثير سيتوقف على الشباب النشط، وكيف سينظمون صفوفهم  وكيف سيتحركون سيحدد إلى درجة كبيرة مستقبل مصر لعقود قادمة، فالشباب أكثر من نصف عدد الشعب المصرى البالغ «80» مليوناً، ولا يجب أن نستخف بقدرته على المفاجآت وإلى هنا تنتهى هذه النظرة المتفائلة عن مستقبل الثورة المصرية والتى نتفق معها تماماً ولا نشك أبداً فى انتصار هذه الثورة الديمقراطية فى نهاية المطاف مهما كانت التضحيات، فنحن نؤمن فى أعماقنا بأنه إذا أراد الشعب أراد الله.

------
نائب رئيس حزب الوفد