عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

التاريخ يُعيد نفسه

عندما وقع الانقلاب العسكري في 23 يوليو 1952 كان بيانه الأول للشعب أن قادته ملتزمون بالدستور وعودة الديمقراطية بأسرع ما يمكن ولكن الحقيقة أن قائد الانقلاب الحقيقي جمال عبدالناصر كان يخطط منذ أول لحظة لإقامة ديكتاتورية عسكرية

، فقد ذهب يوم 29 يوليو بعد أقل من أسبوع من الانقلاب لزيارة المرحوم عبدالرازق السنهوري باشا رئيس مجلس الدولة عندئذ ليسأله عن حكم الدستور بالنسبة لوراثه العرش، فأفاده بأن الدستور ينص علي جمع مجلس النواب خلال عشرة أيام من وفاة الملك لإعلان ولي العهد ملكاً، فإن كان ولي العهد قاصراً يعين مجلس النواب مجلس وصاية عليه من ثلاثة برئاسة أحد أمراء البيت المالك، وإن كان مجلس النواب منحلاً عند وفاة الملك - كما كان الحال وقتها - يدعي المجلس المنحل خلال عشرة أيام من وفاة الملك للقيام بإحدي المهمتين ثم ينفض باجتماعه.. وصارح عبدالناصر السنهوري باشا أنه لا يريد دعوة البرلمان المنحل ذي الأغلبية الوفدية الساحقة، ويطلب من السنهوري إيجاد مخرج له، وسرعان ما بحث السنهوري - الذي كان يكن عداء سياسياً شديداً للوفد - عن المخرج الذي يريده عبدالناصر فجمع الجمعية العمومية لمستشاري المجلس وكانوا تسعة عندئذ وأملي عليهم المخرج السعيد!! وهو أن الدستور نص علي خلو العرش بوفاة الملك، ولكنه لم ينص علي حالة تنازل الملك عن العرش، وبذلك يكون ضباط الانقلاب في حل من عدم دعوة برلمان الوفد، وعارض هذا العوار القانوني الفاضح رجل واحد من بين المستشارين التسعة وهو المرحوم الدكتور وحيد رأفت الذي صارح السنهوري - غفر الله له - بأنه يساعد علي إقامة صرح الحكم الديكتاتوري وسيتحمل وزره أمام التاريخ.
وسار عبدالناصر في طريق الديكتاتورية الذي مهده له السنهوري وسرعان ما حل الأحزاب السياسية وأبقي فقط علي جماعة الإخوان المسلمين زاعماً أنها جماعة دينية وليست حزباً سياسياً، واستغل عبدالناصر القوي السياسية ببراعة ضارباً بعضها بالبعض الآخر، وكان الإخوان المسلمون رأس الحربة التي وجهها عبدالناصر إلي صدر الديمقراطية، وتوهم الإخوان أن الدنيا قد دانت لهم وأنهم أصبحوا شركاء لعبدالناصر في السلطة، ولكن ما أن أستتب الحكم لعبدالناصر حتي عصف بالإخوان المسلمين ودمرهم قتلاً وسجناً وتعذيباً وانفرد بالحكم علي النحو المعروف.
واليوم وبعد ستين عاماً من الانقلاب المشئوم، ومعاناة المصريين تسعة وخمسين عاماً من ديكتاتورية دمرتهم من الداخل وأذلتهم وأفقرتهم، وكانت أسود سنواتها الثلاثين سنة الأخيرة التي قضاها الرئيس المخلوع في الحكم والتي وصل الفساد والنهب الكامل خلالها إلي درك من الانحطاط لا يتصوره العقل، وكاد الرئيس المخلوع أن ينجح في توريث الحكم لابنه من بعده، ولكن كان الكيل قد طفح بالمصريين ولم يعد في قوس صبرهم منزع.. فاندلعت ثورة 25 يناير 2011 المجيدة بعشرات الألوف من الشباب الطاهر الذين سرعان ما انضم لهم عشرات الملايين الذين غطوا شوارع مصر.. ورفضت قيادة الإخوان المسلمين يوم 25 يناير هذه الثورة المجيدة وهاجمتها ظناً منها أنها مجرد هبة احتجاجية، ولكن عندما تأكد يوم 28 يناير أن الثورة قد نجحت سرعان ما انضم لها الإخوان المسلمين وركبوا وجهتها لاختطافها.
وبعد أيام قليلة سقط المخلوع من السلطة وقام المجلس العسكري بتولي السلطة العليا، ووجد في الإخوان المسلمين أفضل أداة منظمة ذات وجود كبير في الشارع وذات تنظيم فاشستي تحكم قيادته قبضتها عليه، فأطلق العنان للإخوان المسلمين في كل خطوات الإعلان الدستوري واستخدمهم ببراعة في تفتيت باقي القوي السياسية في المجتمع، واستدار علي الآلاف من شباب الثورة الحقيقيين فأشبعهم سجناً وتعذيباً وقدم الآلاف منهم لمحاكمات عسكرية، في الوقت الذي تمتعت فيه عصابة النظام الساقط بمعاملة ممتازة وقدمت لمحاكم عادية سارت إجراءاتها بطريقة سلحفائية، وتاهت معالم المليارات المنهوبة ولم تجد أي جدية في المطالبة بها.
وظن الإخوان المسلمون مرة أخري أن الدنيا قد دانت لهم خصوصاً بعد أن حصدوا مع زملائهم من السلفيين أغلبية كبيرة في الانتخابات البرلمانية التي أجريت، ولم يجدوا غضاضة في التراجع عن كل اتفاقاتهم مع القوي السياسية الأخري من حيث المشاركة في بناء صرح ديمقراطي لا ينفرد فيه جانب بكل السلطة حتي ترسخ

أركان ديمقراطية حقيقية بعد مرحلة انتقالية لأربع سنوات، ولم يجدوا أي حرج في التراجع عن كل الاتفاقات التي وقعوها مع القوي السياسية الأخري من حيث نسب المشاركة مما أفقدهم الكثير جداً من مصداقيتهم في الشارع السياسي، وطبعاً كان المجلس العسكري سعيداً بهذا التفتت في القوي السياسية التي تطالب بعودة العسكر إلي ثكناتهم وتسليم السلطة للمدنيين، ومع الأسف لم يكن الكثير من القوي المدنية علي الساحة السياسية أقل انتهازية في أدائهم السياسي من الإخوان المسلمين.. وحاولوا الالتفاف علي بعضهم البعض لاكتساب الخطوة لدي المجلس العسكري، وتقديم خدماتهم في منافسة مهينة بين بعضهم البعض.
وباقتراب نهاية فترة الانتقال وتسليم السلطة للمدنيين ظن الإخوان المسلمون أن سيطرتهم علي مجلس البرلمان تضمن لهم صناعة دستور يحقق أهدافهم، وتصوروا أنهم أصبحوا الشريك الأقوي في لعبة السلطة مع المجلس العسكري، وبدأوا يتحدون حكومته التي لا تملك من أمرها شيئاً سوي تنفيذ أوامر المجلس العسكري، وعندما هددها الإخوان بسحب الثقة منها، ردت بالتلويح بحل مجلس البرلمان.
في نفس الوقت انفجرت الأزمات المفتعلة التي كادت تشل البلاد تماماً، فمن الانفلات الأمني إلي أزمة طاقة تهدد بتوقف العمل تماماً إلي شلل مروري يجعل الحياة شبه مستحيلة، وبدأت فلول النظام الساقط تخرج في جرأة من جحورها وتستعد بما نهبته من أموال لاقتحام معركة رئاسة الجمهورية، وتبلغ بها الصفاقة أن تدفع ببعض أكثر رموزها فساداً وغرقاً في مستنقع القتل إلي خوض معركة الرئاسة، وتعرض في استخفاف رد جزء من المليارات المنهوبة مقابل العفو الشامل عن كل جرائمها، وتجد من الأقلام الملوثة التي استأجرها المال المنهوب من يهلل لفكرة التصالح وعفا الله عما سلف، ولتذهب دماء الشهداء دون قصاص في الدنيا.
لعل الإخوان المسلمين يدركون جيداً الآن أن المواجهة مع المجلس العسكري أصبحت شبه محتومة ولكن بعد أن خسروا الكثير من مصداقيتهم وفقدوا الآلاف ممن كانوا متعاطفين معهم نتيجة الانتهازية السياسية التي أصبحت واضحة للعيان في كل تصرفاتهم.
الشيء المهم جداً الذي ربما يغفله طرفاً اللعبة السياسية الجارية حالياً هو موقف مئات الألوف من الشباب الطاهر الذي فجر هذه الثورة المجيدة ودفع فيها للآن ثمناً هائلاً من دمه، الذي تسانده الملايين من أهل بلده كما ساندته خلال ثورته المجيدة، ولقد كسر المصريون من خلال هذه الثورة حاجز الخوف إلي الأبد، ولم يعد ممكناً إطلاقاً خداعهم في ظل إعلام عالمي مفتوح، وواضح حتي للأعمي أن هذا الشباب الطاهر لن يضني علي مصر بدماء مئات الألوف من شباب إن لزم الأمر، فهل يدرك طرفا اللعبة السياسية ذلك قبل أن ينهمر مزيد من الدماء الطاهرة التي نراها مع الأسف الشديد فوق الأفق؟.. اللهم إنك علي كل شيء قدير.
* نائب رئيس حزب الوفد