رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

كيف اندلعت ثورة الأطهار

سيحني التاريخ هامته إجلالا واحتراماً لهذه المجموعة من الشباب الطاهر عندما تسجل وقائع هذا البركان الهائل الذي فجره هؤلاء الأبطال، استطاعت مجموعة صغيرة من شباب مخلص متفان في حب وطنه تفجير أول ثورة الكترونية في التاريخ كسحت في طريقها ركام جبل هائل من الفساد والعفن استمر ثلاثين عاما خلال ثمانية عشر يوما، ومن معايشتنا المباشرة للعديد من هؤلاء الأطهار في ساحة حربهم أغلب أيام ثورتهم استطعنا أن نجمع خيوط هذه المعجزة بشكل تقريبي، لم تكن الرابطة بينهم أيديولوجية أو دينية او عرقية، كانوا شباباً من الجنسين مسلمين وأقباطا ومعتقدات اخري جمعت بينهم رابطة واحدة هي تخليص بلدهم مصر من كابوس الفساد والطغيان الجاثم علي صدرها.

واستطاعوا بايمانهم واصرارهم حشد الملايين العديدة في طول مصر وعرضها طوال ايام الثورة المجيدة والخروج معهم في مواجهة الطغيان الذي سرعان ما انهار كصرح من الرمال، أما كيف تحركوا فكانت المعجزة كالآتي:

انهم مجموعة من الشباب المتعلم، معظمهم من الأطباء والمحامين جمعم العلم الحديث من خلال الانترنت، وهم بجدارة جيل الـ Facegook الذي ليس له زعيم أو قائد يتبعونه، وكان ذلك سر قوتهم وعجز بوليس الدكتاتورية عن معرفة اشخاصهم وملاحقتهم في البداية، كانوا في بدايتهم حوالي 15 شخصاً ضمنهم وائل غنيم المسئول الكبير بشبكة جوجل الذي اعتقله البوليس وابقاه معصوب العينين لمدة 12 يوماً خلال الثورة، ثم خرج من سجنه ليصبح الناطق الأول باسم المجموعة، كانت المجموعة علي درجة هائلة من الحرفية، استغلت شبكة الانترنت لتضليل البوليس السري بشائعات كاذبة عن تحركاتهم ضللت جواسيس البوليس، بدأوا بالتحرك داخل المناطق الفقيرة لتجربة قدراتهم قبل وضع خطتهم الحربية لتفجير الثورة، كانت الخطة في أولها الدعوة لتظاهرات اسبوعية حتي لا يبددوا طاقاتهم، وخلال مسيرتهم كونوا روابط غير عادية تعكس الطبيعة غير الإيديولوجية لثورة الشباب المصري التي ضمت ليبراليين واشتراكيين وأعضاء من الاخوان المسلمين، قالت الفتاة القبطية اليسارية سالي - عضوة المجموعة - ما يلي بالحرف الواحد لوصف الرابطة غير العادية بين الثائرين:

"إنني أحب أعضاء الإخوان المسلمين أكثر من غيرهم وهم يحبونني، إن لهم دائما أجندة سرية كما نعلم، ولا أعرف ماذا سيكون تصرفهم لو وصلوا للسلطة، ولكنهم ممتازون في التنظيم وينادون بدولة مدنية كما ننادي جميعاً، فعليهم إنشاء حزب سياسي لهم، وأعتقد أنهم لن يحصلوا علي أكثر من 80٪ من الأصوات".

تقابل معظم أفراد هذه الدائرة من الثوار مع بعضهم خلال دراستهم الجامعية فاسلام لطفي المحامي الشاب الذي كان زعيم شباب الاخوان المسلمين صرح بأن المجموعة كانت تجند آخرين من الأحزاب اليسارية الصغيرة لتنضم إليهم في التظاهرات المطالبة بالحريات المدنية حتي تتأكد شمولية تجمعاتهم.

والكثير من هؤلاء اليساريين حلفاء حالياً في الثورة مثل زياد العليمي المحامي الذي كان عند التحاقه بهم قائدا لمجموعة شيوعية، لقد دخل زياد السجن أربع مرات وأصيب نتيجة التعذيب بكسور في عظامه بسبب نشاطه السياسي، ويعمل حالياً مساعداً للدكتور محمد البرادعي، وقد كونت مجموعته روابط قوية بالمجموعات الأخري مثل مجموعة الفتاة القبطية سالي.

وقد وضعت بذور الثورة قبيل وقت انفجار الثورة التونسية عندما قام الشاب وليد رشيد منسق حركة 6 أبريل بارسال رسالة للمحرر المجهول لصفحة الـ faceBook التي كانت تهاجم التعذيب البوليسي للمعتقلين.

طلب وليد منه المساعدة في تنظيم يوم احتجاج في 25 يناير، ولم يفهم وليد أولاً لماذا أصر المحرر المجهول علي التخاطب عن طريق قناة جوجل فقط، ثم أدرك أن المحرر المجهول هو وائل غنيم المسئول الكبير بشبكة جوجل.

ويوم الاحتجاج في 25 يناير حاولت المجموعة تضليل البوليس فزعمت أن تجمع الأعضاء سيكون في مسجد بأحد الأحياء الراقية وسط القاهرة، فحاصر البوليس المسجد بقوة كبيرة، ولكن المجموعة التقت في احد الأحياء الفقيرة غير البعيدة عن المسجد، وكانت تجربة المجموعة في هذا الحي الفقيرة مثيرة جداً لأعضائها، فقد قسمت المجموعة نفسها لقسمين، توجه احدها لمقاهي الحي الفقير لتحريض الرواد علي الاشتراك معهم في المظاهرة، ودار القسم الآخر يخاطب الجمهور عن مشاكله الاقتصادية مثل الفقر والحد الأدني للأجور ونحو ذلك.

وتقول الفتاة القبطية اليسارية سالي: "عندما دخلنا الحي الفقير كان عددنا حوالي خمسين شخصاً، وعندما خرجنا كان معنا الآلاف من أهل الحي، وعندما هاجمنا البوليس وأطلق علينا الرصاص قتل أحد زملائي أمامي، فحملت حقيبة الاسعافات التي كانت معي وتوجهت لمكان المظاهرة التالية وأقمت به مركز اسعافات".

وعندما وصلت سالي ورفاقها لميدان التحرير واحتلوه كان معهم أعضاء اتحاد الأطباء العرب الذي يضم عدداً كبيراً من الاخوان المسلمين، وأقاموا سبع عيادات ميدانية،

وفي ليلة 27 يناير قبل يوم "جمعة الغضب" في 28 يناير التقت المجموعة بمنزل عليمي بينما قاد زميلهم لطفي مجموعة صغيرة لتضليل البوليس  فساروا مساء في الحواري الضيقة لحي شعبي ينادون سكانه للتظاهر لتقدير حجم الاستجابة لندائهم، ويقول لطفي أن حجم المظاهرة التي تكونت كان سبعة آلاف شخص قاموا باحراق سيارتين للبوليس، وعندما ابلغ هذه المعلومات للمجتمعين بمنزل عليمي وضعوا خطة التجمع للغد والتحرك نحو ميدان التحرير، وأبلغوا الدكتور البرادعي بالمسجد الذي سيكون عنده اللقاء ثم أعطوا هذه البيانات لوسائل الاعلام، وعلم البوليس وواجه المظاهرة بخراطيم المياه وامتلأت شاشات تليفزيونات العالم بصور البرادعي الحائز علي جائزة نوبل غارقاً في مياه البوليس.

وظهرت الفجوة بين الأجيال في مصر في تصريح لطفي للاعلام الذي قال فيه: "إننا مستاءوون من جيل آبائنا، فهم جزء من نظام مبارك لقد نجح مبارك خلال فترة حكمه الدكتاتوري في استئناسهم".

ويضيف لطفي إن وجود أعضاء للاخوان المسلمين في ميدان التحرير كان مساعدة كبيرة، فبحجم كونهم جماعة غير شرعية كانوا مدربين تنظيميا، وأثبتوا في الأيام التالية قيمتهم في اقامة سياج للدفاع عن المتظاهرين ضد هجوم بوليس وبلطجية مبارك عليهم بالحجارة والزجاجات الحارقة،كون المتظاهرون مجموعات تكسر الأرصفة لاعداد حجارة لمواجهة الهجوم ومجموعة لنقل الحجارة وثالثة للدفاع من خلال المتاريس التي أحاط المتظاهرون أنفسهم بها، وقال لطفي: "بعد نهاية المعركة تلك الليلة شعرنا أن وطننا يستحق دفاعنا عنه".

وبعد بضعة أيام قبض البوليس علي سبعة من قيادات الشباب عند مغادرتهم لمنزل الدكتور البرادعي عقب اجتماعهم به، ثم أطلق صراحهم بعد ثلاثة ايام، ووضع الشباب برنامجا للتظاهر في طول مصر وعرضها أيام الثلاثاء والجمعة حتي لا تتشتت الجهود، وقبل كل مظاهرة كانوا يطلقون شائعات كاذبة عن مكان بدئها لتضليل البوليس، فادعوا مثلاً ان هدف احدي المظاهرات كان اقتحام مبني التليفزيون بينما كان هدفهم الحقيقي مبني البرلمان ورئاسة الوزارة اللذين احتلوهما بسهولة.

وكون الثوار تحالفا ليمثلهم وضعوا وائل غنيم في لجنته التنفيذية، وعندما دعتهم الحكومة للحوار رفض سبعون في المائة منهم الاستجابة، والأغلبية الكبري من قيادات الثورة هم من الليبراليين واليساريين.

وكلهم بمن فيهم أعضاء الاخوان المسلمين يقولون أن هدف الثورة اقامة ديمقراطية دستورية علي غرار الدول الغربية حيث تكون المؤسسات المدنية اقوي من الافراد، وعندما سئل لطفي هل يتصور يوما أن يكون رئيس جمهورية مصر امرأة قبطية اجاب: "اذا كانت الدولة التي نبنيها دولة مؤسسات فلا يعنيني ان يكون رئيسها رجلاً او امرأة أو فرداً".

كانت هذه السطور هي مجرد لمحات مما استطعنا جمعه من معلومات عن شباب هذه الثورة الطاهرة التي ستغير وجه مصر والعالم العربي كله بين المحيط والخليج، وستعود لنا مصر عمر مكرم وسعد زغلول وطه حسين والعقاد وسيد درويش وعبد الوهاب وأم كلثوم ومئات العباقرة علي طول تاريخنا بعد أن ننقيه من أدران الديكتاتورية اننا نصلي لك يا رب العالمين ان تحمي هذه الثورة المجيدة وشبابها الأبرار، إنك سبحانك نعم المولي ونعم النصير.

عضو الهيئة العليا للوفد