رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الوجه الآخر للحكام العرب (3)

عرضنا في الحلقة السابقة جزءا من الوثائق السرية التي فضحها الاسترالي جوليان أسانج علي موقع ويكيليكس الذي نشر مئات الألوف من البرقيات والمراسلات السرية التي فضحت ما يدور في الخفاء بين امريكا ونظم الحكم الخاضعة لها في المنطقة، والتي أظهرت أن ما يزعمه الحكام العرب علنا أمام شعوبهم يتنافي تماما وما يدبرونه في الخفاء لحساب الاستعمار الغربي عموما وأمريكا واسرائيل علي وجه الخصوص.

وأوضحت هذه الوثائق أن هؤلاء الحكام يكذبون علي شعوبهم ويتآمرون علي ايران وعلي كل قوة تقاوم الاستعمار والهيمنة الامريكية في المنطقة مثل حزب الله وحماس، فهذه القوي الشعبية هي العدو الحقيقي للأنظمة الديكتاتورية الحاكمة التي تريد حماية أمريكا واسرائيل لها لتنعم بالحكم المطلق وعلي حساب شعوبها.

ولا نجد داعياً لاستمرار عرض هذه الوثائق المثيرة للغثيان ونكتفي بأن نعرض في هذه الحلقة الثالثة والأخيرة الملخص الذي نشره موقع "مقتدار خان" في 30 نوفمبر تحت عنوان: "وثائق ويكيليكس تفضح نفاق الحكومات الاسلامية".

يقول الموقع إن ويكيليكس في طريقها لتغيير الشئون الخارجية والعلاقات الدولية بطريقة درامية، فهي تفضح ربع مليون برقية سرية من السفارات الأمريكية حول العالم لوزارة الخارجية الأمريكية ومستندات سرية أخري، وستكون نتائج هذه الفضيحة المدوية كبيرة جداً في الواقع.

فبالنسبة لأمريكا فان الامر استراتيجي واخلاقي ايضا فعلي المستوي الاستراتيجي فهذه الوثائق السرية التي تفضح التقييم الحقيقي للقادة الأجانب في نظر كبار المسئولين الامريكيين وتفضح الفكر الامريكي بالنسبة لمواضيع حساسة ستعقد قدرة ادارة أوباما علي التعامل مع حلفائها، وقد تزيد الشك العالمي في نوايا امريكا، فكثير من الحلفاء سيغضبون ويفقدون الثقة في أمريكا، وسيخشون مستقبلاً الحديث الصريح، فكل اللاعبين علي الساحة السياسية سيحذرون مستقبلاً من الصراحة مع نظرائهم، ولن يكونوا مستعدين في الكشف صراحة عن حقيقة نواياهم، فليس هناك طبعاً اي شخص يريد أن يقرأ ملخص حديثه السري مع الأمريكيين منشوراً في جريدة نيويورك تايمز وقد يجهض هذا النشر أيضا الكثير من المكاسب الدبلوماسية التي حققتها وزارة الخارجية الامريكية علي مر السنين في الحصول علي تأييد دول كثيرة للسياسات الامريكية، اما علي المستوي الاخلاقي فان السؤال المحوري هو: ماذا سيفعل الرأي العام الامريكي عندما يعرف ان الحكومة الامريكية لديها حلفاء من المجرمين المعروفين، وأن حكومتهم تقول شيئا في العلن ثم تتبع سياسة اخري في الحقيقة، وأن الابتزاز يبدو أنه اسلوب تعامل عادي للسياسة الخارجية الأمريكية، وأن التدخل الامريكي في كل شيء يبدو غريزة طبيعية في السياسة الخارجية الأمريكية، فهل يقوم مجلس الشيوخ او الكونجرس في هذه الحالة بعقد جلسات استماع لمحاسبة حكومتهم علي تصرفاتها؟ هل ستكون هناك غضبة شديدة لدي الرأي العام؟

أما ما فضحته الوثائق السرية؟ حتي الآن بالنسبة للعالم الإسلامي فإنه أمر يفتح عيون العالم، فالمسلمون وحتي بعض المسلمين الامريكيين انتقدوا بشدة السياسات الخارجية الامريكية الي درجة تقرب من التعصب الديني، وكثيراً ما يفسر التطرف الاسلامي وعداء المسلمين لأمريكا كنتيجة مباشرة للسياسة الخارجية الامريكية وحدها علي أساس انها سياسة معادية للاسلام ومزعزعة لاستقرار الدول الاسلامية، ولذلك فإن العداء الاسلامي لامريكا والتطرف ضدها هو شيء يمكن فهم دوافعه، وإن كان التعبير عنه كثيراً ما يتم بوسائل غير مبررة.

ولكن الآن وقد فضحت الوثائق السرية الدول الاسلامية، خاصة تآمرها مع أمريكا فيما يسمي السياسة الخارجية الامريكية المعادية للاسلام، فماذا ستفعل الشعوب الاسلامية حيال ما فضحته الوثائق السرية؟ هل ستكره أيضا حكومات السعودية وباكستان ومصر وقطر وغيرها من الدول الاسلامية كما تكره أمريكا؟ أم هل ستدرك هذه الشعوب أن الدول لها مصالح وانها في سبيل تحقيق مصالحها تلجأ لأي وسيلة تستطيعها، وتدرك أن السياسة الخارجية الامريكية لاتدعم ولا تستهدف أي دين بعينه؟ ان المراجعة الأولية للوثائق السرية التي نشرتها صحيفتا نيويورك تايمز، وجارديان تكشف ازدواجية وخداع كثير من الحكومات العربية في سياساتها الخارجية خصوصا بالنسبة لايران، فمثلاً خلال السنوات الاخيرة أعلنت الحكومات العربية رسميا أنها ضد ما تزعمه اسرائيل من أن ايران تمثل خطراً أكبر علي العالم من خطر الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، وأن الفشل في حل المشكلة الفلسطينية حلاً عادلاً هو المشكلة الاولي بالنسبة للعرب والمسلمين، ولكن يبدو مما تم فضحه من وثائق سرية أن هذه الحكومات العربية تردد كالببغاء ما يقوله نتنياهو

لأمريكا مراراً من ضرورة ضرب ايران بل وغزوها براً كما فعلت مع العراق.

فالحكومة السعودية تقول علنا إن ايران دولة اسلامية شقيقة، أما سراً فايران هي الشرير الذي طلبت السعودية من أمريكا قطع رأس الأفعي الايرانية، وتشير نفس الوثائق السرية الي أنه حتي الآن فإن أكبر ممولي تنظيم القاعدة هم مواطنون سعوديون، وقد قال الرئيسان الأمريكيان بوش وأوباما أن تنظيم القاعدة هو أكبر تهديد لأمريكا.

ورغم ذلك تتعامل أمريكا كحليف مع دولة يمثل مواطنوها أكبر ممولي تنظيم القاعدة، فلماذا لا يقطع السعوديون رأس الأفعي الحقيقية عن طريق اعتقال وسجن ممولي تنظيم القاعدة؟ إن معظم الامريكيين يعرفون أن 15 ارهابيا ضمن الـ 19ارهابياً الذين هاجموا امريكا في 11 سبتمبر سنة 2001 كانوا سعوديين، ولم يكن بينهم ايراني واحد، وقد انضم عدد كبير من المحاربين الأجانب للمقاومة العراقية من المواطنين السعوديين، فمن هو عدو امريكا الحقيقي؟ أرجو ألا يترجم أحد نقدي للسعودية علي أنه تأييد لإيران، فقادة ايران الحاليون مجموعة من البلطجية الذين سرقوا الحكم من شعبهم بالقوة وجعلوا فكرة الديمقراطية الاسلامية أضحوكة كبري.

يبدو أنه بالنسبة للأمور الأساسية فان السياسة الخارجية العربية تماثل السياسة الاسرائيلية مع فارق كبير وهو أن سياسة اسرائيل واضحة بينما السياسات العربية ليست كذلك، واذا اردنا مستقبلا فهم السياسة الخارجية العربية فعلينا أخذ السياسة الاسرائيلية واضافة كلمة "نفاق" لها.

وهناك مستوي آخر من النفاق الذي يبدو أن الحكومات الاسلامية تمارسه وهو تعاملها مع شعوبها، فبينما تخشي أمريكا من أن وثائق ويكيليكس ستفسد علاقاتها بحلفائها تخشي الحكومات الاسلامية من أن نفس هذه الوثائق تفضح مدي ما تمارسه من أكاذيب علي شعوبها، فمعظم الحكومات الاسلامية ساندت وتعاونت مع امريكا سراً بينما كذبت علي شعوبها فيما يتعلق بمدي مساندتها للسياسة الخارجية الامريكية، فمثلاً اعترف رئيس اليمن أنه سيستمر في الكذب علي شعبه والزعم بأن العمليات العسكرية الامريكية في اليمن هي عمليات يقوم بها الجيش اليمني، وبالنسبة لحكومة باكستان فانها لاتريد أن يعرف شعبها مدي التعاون النووي بينها وبين امريكا، ومن المدهش أن تمارس الحكومات الاسلامية سياسات تعلم أن شعوبها لا توافق عليها.

والآن فبفضل وثائق ويكيليكس فانه علي الأقل فان المسلمين الذين يكرهون امريكا بسبب سياستها الخارجية عليهم أن يدركوا أن حكوماتهم تتواطأ مع امريكا في سياساتها فربما في هذه الحالة ستتوزع كراهيتهم لأمريكا مع كراهيتهم لحكوماتهم علي قدم المساواة، فإذا لم يفعلوا ذلك فهم شركاء في النفاق مع حكوماتهم.

وإلي هنا ينتهي عرض مقتدار خان الملخص للوضع المزري الذي تقف فيه السياسات الخارجية للدول الاسلامية والعربية منها بالذات عارية مفضوحة امام شعوبها، ولا نملك في النهاية الا اننقول لهذه الشعوب الغافلة المهددة بالانقراض الحضاري قول الحق تبارك وتعالي "إن الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم".

عضو الهيئة العليا للوفد