رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مستنقع الفساد المصري ومؤسسته‮ (4)

نعيد نشر مقالنا في 4/6/2010 عن جريمة مصنع أجريوم المنكرة في دمياط التي ارتكبتها رئيسة الشركة القابضة للبتروكيماويات وسببت وقتها ثورة عارمة بين أهالي دمياط.. وقد عادت الثورة للاندلاع اليوم لأن المصنع موضوع الجريمة المنكرة مازال يعمل.

عرضنا في‮ ‬الحلقة السابقة الجزء الثالث من الحلقتين التليفزيونيتين اللتين اذاعتهما قناة الجزيرة ويشرح فيهما الكاتب المصري‮ ‬الشريف الدكتور عبد الخالق فاروق منظومة الفساد في‮ ‬مصر وآليات سياسة الإفساد المتعمد التي‮ ‬يلجأ لها نظام الحكم الديكتاتوري‮ ‬لتطويع كل مؤسسات المجتمع لإحكام سيطرته المطلقة عليه،‮ ‬وشرح الكاتب في‮ ‬الحلقة السابقة إحدي أهم وأخطر سياسات الإفساد المتعمد،‮ ‬وهي‮ ‬محاولات إفساد السلطة القضائية المهيمنة علي العدالة وحقوق الناس‮. ‬
وفي‮ ‬هذه الحلقة الرابعة والأخيرة‮ ‬يعرض الكاتب قضايا بيع الشركات العامة وإهدار المال العام في‮ ‬أكبر عملية نهب للمال العام تعرضت لها مصر،‮ ‬يقول الكاتب في‮ ‬كتابه‮ «‬اقتصاديات الفساد في‮ ‬مصر‮» ‬إن شركات القطاع العام في‮ ‬مصر المملوكة للشعب بيعت بمبالغ‮ ‬زهيدة جداً‮ ‬حتي‮ ‬ان بعض هذه الشركات بيعت بمبالغ‮ ‬أقل من موجودات هذه الشركات في‮ ‬البنوك‮ ‬غير الشركات نفسها وأراضيها وقيمتها،‮ ‬وأن هذه العملية كانت أكبر عملية نصب واحتيال وإهدار للمال العام تتم في‮ ‬مصر منذ عهد الخديو اسماعيل‮.‬
والأمثلة الصارخة واضحة،‮ ‬أمامنا عقد الشركة المصرية للاتصالات،‮ ‬وعقد الوليد بن طلال في‮ ‬توشكا،‮ ‬ومشروع‮ «‬أجريوم؛ الكندية في‮ ‬رأس البر،‮ ‬وشركة البذور الزراعية،‮ ‬وشركة عمر أفندي،‮ ‬ففي‮ ‬الشركة المصرية للاتصالات جرت عمليات مسح وتحويل الأموال العامة الي الجيوب الخاصة،‮ ‬ففي‮ ‬سنة‮ ‬2006‮ ‬اعلنت الشركة التي‮ ‬تملك الدولة‮ ‬80٪‮ ‬منها عن رغبتها في‮ ‬شراء‮ ‬25٪‮ ‬من أسهم شركة فودافون للتليفون المحمول بسعر السهم مائة جنيه،‮ ‬وفي‮ ‬نفس الوقت جرت مساومة أحد كبار رجال الأعمال وهو المرحوم محمد نصير الذي‮ ‬كان‮ ‬يملك ‮‬5٪‮ ‬من أسهم فودافون أي‮ ‬12‮ ‬مليون سهم اشترتها بسعر السهم‮ ‬5‮ ‬جنيهات سنة‮ ‬1998‮ ‬أي‮ ‬دفع‮ ‬60‮ ‬مليون جنيه،‮ ‬وبعد‮ «‬رجاء‮» ‬رئيس الوزراء له سنة‮ ‬2006‮ ‬باع محمد نصير حصته للدولة بمبلغ‮ ‬مليار ومائتي‮ ‬مليون جنيه أي‮ ‬عشرين ضعفا لما دفعه وهو ربح لا‮ ‬يتحقق حتي‮ ‬من تجارة المخدرات،‮ ‬وقد مولت الشركة المصرية للاتصالات هذه الصفقة من خلال قروض،‮ ‬فاستدانت من البنوك‮ ‬5.4‮ ‬مليار جنيه لشراء ‮‬24٪‮ ‬من أسهم فودافون،‮ ‬علما بأن سهم الفودافون لم‮ ‬يكن‮ ‬يحقق ربحا سنويا‮ ‬يزيد علي‮ ‬180‮ ‬قرشاً‮ ‬الي‮ 3‮ ‬جنيهات للسهم،‮ ‬وتبين أن السيد رئيس مجلس ادارة الشركة المصرية للاتصالات كان شريكا للسيد محمد نصير في‮ ‬شركة اسمها شركة الجيزة للأنظمة منذ مطلع الثمانينات،‮ ‬وقد قدم الكاتب بلاغا للنائب العام مع دراسة كاملة من ستين صفحة فيها تحليل مالي‮ ‬واقتصادي‮ ‬كامل لميزانية الشركة علي مدار ثماني‮ ‬سنوات بها نتائج اعمال الشركة والديون المشكوك في‮ ‬تحصيلها وغير ذلك من التفاصيل،‮ ‬ولكن تم حفظ البلاغ‮ ‬لأن محمد نصير وغيره من أقطاب المال المحيطين بالسلطة مثل محمد ابراهيم سليمان كانوا داخل نطاق الحماية التي‮ ‬تغدقها سلطة الحكم علي رجالها،‮ ‬ثم صرح الكاتب علي‮ ‬الهواء،‮ ‬خلال الحلقة التليفزيونية،‮ ‬قائلا‮: «‬هأنذا أتقدم ببلاغ‮ ‬ثان للرجل المحترم المستشار عبد المجيد محمود النائب العام الذي‮ ‬يحوز ثقة الرأي‮ ‬العام راجيا منه أن‮ ‬يفتح ملف الشركة المصرية للاتصالات وسوف‮ ‬يجد كثيراً‮ ‬جداً‮ ‬من التفاصيل في‮ ‬مجال الديون المشكوك في‮ ‬تحصيلها والتي‮ ‬بلغت أكثر من مليار ومائتي‮ ‬مليون جنيه في‮ ‬سنة من السنوات،‮ ‬وجزء كبير منها لدي كبار رجال المال والأعمال وأحدهم صهر أحد الشخصيات الكبيرة المتنفذة في‮ ‬الدولة‮».‬
والحالة الثانية‮: ‬هي‮ ‬ما‮ ‬يجري‮ ‬باستمرار من منح عقود لبعض رجال المال والاعمال سواء كانوا مصريين أو عرباً‮ ‬أو اجانب وينص فيها علي فكرة التحكيم،‮ ‬ثم نكتشف بعد ذلك كما في‮ ‬عقد وجيه سياج أنه دفع تسعمائة الف جنيه في‮ ‬شراء آلاف الامتار في‮ ‬طابا وتضمن العقد خلسة شرط التحكيم،‮ ‬وعندما نازعته الحكومة علي الأرض بغية استردادها لمنحها لرجل اعمال آخر أقرب جداً‮ ‬من قمة السلطة لجأ سياج الي التحكيم وحصل علي حكم تحملت معه ميزانية الدولة مبلغاً‮ ‬يزيد علي ثلاثمائة مليون دولار تعويضا له عن نزع الأرض منه‮.‬
وفي‮ ‬حالة عقد الوليد بن طلال في‮ ‬أرض توشكي‮ ‬تضمن العقد‮ ‬45‮ ‬التزاماً‮ ‬علي الحكومة المصرية،‮ ‬فقد حصل الوليد علي مائة ألف فدان من أرض توشكا لم‮ ‬يزرع منها طوال

هذه السنوات سوي‮ ‬ألفي‮ ‬فدان،‮ ‬وقد اشتري الوليد الفدان بخمسين جنيهاً‮ ‬فقط أي‮ ‬أن قيمة المائة ألف فدان كانت خمسة ملايين جنيه،‮ ‬ومع ذلك تضمن العقد‮ ‬45‮ ‬التزاما علي الدولة بإنشاء طرق ومد خط امداد بالمياه وكل ما تحتاجه الأرض من مرافق‮.. ‬ويعلق الكاتب قائلا‮: ‬إن من كتب هذا العقد لو كان في‮ ‬دولة تحترم نفسها فلابد أن‮ ‬يقدم للمحاكمة،‮ ‬فلم تكن المسألة خطأ من باب المصادفة بل عملية مدبرة تؤذي‮ ‬المال العام المصري‮ ‬أشد الإيذاء‮.‬
أما حالة شركة‮ «‬أجريوم‮» ‬مصر فهي‮ ‬نموذج لحالة سلوك مافيا وليس سلوك رجال دولة،‮ ‬فالشركة شركة كندية للصناعات البتروكيماوية وانتاج الاسمدة،‮ ‬وقد تقدمت الشركة بطلبها في‮ ‬20/11/2004 ‮ ‬لهيئة الاستثمار لإنشاء شركة لصناعة الأسمدة،‮ ‬كما تفعل دول أوروبا وأمريكا بإنشاء المصانع الملوثة للبيئة مثل الأسمدة والأسمنت بدول العالم الثالث،‮ ‬وبعد حصول الشركة الكندية علي التصريح توارت عن الأنظار ستة عشر شهراً،‮ ‬خلال هذه المدة قامت رئيسة الشركة القابضة للبتروكيماويات وهي‮ ‬شركة مصرية حكومية بتوقيع عقد مع هيئة ميناء دمياط‮ ‬يمنحها قطعة أرض ضخمة علي الساحل برأس البر ويلزم هيئة الميناء بإنشاء رصيف خاص للشركة لتقيم مصنع أسمدة وتصدر انتاجه،‮ ‬المذهل أن العقد وهو بين هيئتين حكوميتين مكتوب كله بالانجليزية ومنصوص فيه علي حق الشركة القابضة في‮ ‬التنازل عن العقد للغير وعلي‮ ‬التحكيم عند نشوء خلاف بينها وبين ميناء دمياط،‮ ‬فجأة ظهرت شركة‮ «‬أجريوم‮» ‬من جديد بعد تنازل الشركة القابضة للبتروكيماويات لها عن العقد،‮ ‬ولما قامت ثورة شعبية جامحة في‮ ‬رأس البر ضد الشركة الكندية لمنعها من إنشاء مصنعها اضطر رئيس الوزراء للإعلان بأن الحكومة سترجع في‮ ‬العقد‮.‬
وإذا بسفير كندا في‮ ‬مصر‮ ‬يعلن رسميا أن الشركة الكندية دفعت‮ ‬25‮ ‬مليون دولار عمولة للحصول علي العقد فإذا لم‮ ‬ينفذ فيتعين رد العمولة أي‮ ‬الرشوة،‮ ‬ومازال الموضوع معلقاً،‮ ‬أما رئيسة الشركة القابضة التي‮ ‬ارتكبت هذه الجريمة الشنعاء فقد تم تعيينها عضوة بمجلس الشعب لمنحها حصانة ضد أي‮ ‬ملاحقة جنائية،‮ ‬وهكذا تحمي‮ ‬عصابة الفساد أحد مخالبها الملوثة‮.‬
لا تسمح المساحة المتاحة بسرد تفاصيل باقي‮ ‬وقائع الاستيلاء الاجرامي‮ ‬علي المال العام في‮ ‬شركة البذور الزراعية وشركة عمر أفندي،‮ ‬ويكفي‮ ‬أن نذكر أن صفقة عمر أفندي‮ ‬دفع فيها المشتري‮ ‬العربي‮ ‬82‮ ‬مليون جنيه وهو مبلغ‮ ‬يقل عن قيمة فرع واحد من سلسلة المحلات الشهيرة،‮ ‬ثم بدأ في‮ ‬طرد العمال وتخريب الشركة لبيعها أراضي‮ ‬بناء بعد تسقيع قيمة الأرض أضعافا مضاعفة‮.‬
غني‮ ‬عن البيان أن هذا النوع الاجرامي‮ ‬من حكم العصابات لا‮ ‬يمكن أن‮ ‬يوجد في‮ ‬دولة ديمقراطية تحكمها الشفافية،‮ ‬فخفافيش الفساد لا تعمل الا في‮ ‬الظلام ولعل في‮ ‬هذا تفسيرا بسيطا لضرورة استمرار قوانين الطوارئ الي ان تسقط الخفافيش في‮ ‬الجحيم ويفيق الشعب من سباته‮.‬
ملحوظة: رئيسة الشركة مرتكبة الجريمة المنكرة مازالت مطلقة السراح ولم يحقق معها أحد!

--------
نائب رئيس حزب الوفد