رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

التغلغل الصيني يرعب أمريكا

بني اليمين الأمريكي سياسته الاستعمارية لاستمرار سيطرة أمريكا علي العالم كقوة عظمي وحيدة علي أساس سياسة الأمن القومي الأمريكي للقرن الحادي والعشرين التي قدومها مجرم الحرب بوش خلال رئاسته الي الكونجرس في 20 سبتمبر 2002 متضمنة أن امريكا لن تسمح لأي دولة أو مجموعة دول اخري بمناوأتها في استمرار السيطرة المنفردة كقوة عظمي وحيدة، وتضمنت هذه السياسة تهديداً مباشراً للصين بأن امريكا لن تسمح لها بالتسلح الي درجة تهدد الهيمنة الامريكية وأن امريكا قد تشن حرباً استباقية لمنع هذا الخطر، ولكن الفشل العسكري في اخضاع العراق وأفغانستان للهيمنة الأمريكية، والكوارث المتتالية التي حاقت بالاقتصاد الامريكي جعلت ميزان القوة العالمية يتحرك ببطء من الغرب الي الشرق، وتتنبأ معظم التحليلات السياسية الغربية والامريكية منها خصوصا بأن مركز الصدارة العالمية بدأ تدريجيا يفلت من يد الغرب، وأن مستقبل القوة العالمية يتجه الي الشرق وإلي الصين بالذات التي يتوقع أن يتفوق انتاجها الاجمالي علي الانتاج الأمريكي خلال عقدين من الآن، وفي نفس الوقت تطور الصين قدراتها العسكرية بدرجة تهدد الهيمنة الامريكية تهديداً مباشرا في شرق آسيا وغرب المحيط الهادي.

وقد نشرت جريدة واشنطن بوست في 26 يوليو الماضي تقريرا غاية في الأهمية لمحررها جون بومفرت عن مدي التغلغل الصيني في امريكا اللاتينية التي كانت طوال القرن العشرين بمثابة الحديقة الخلفية لامريكا ومجال سيطرتها المنفردة، ويغطي التقرير الاستثمارات الصينية الضخمة في البرازيل وغيرها من دول امريكا اللاتينية.

يقول التقرير ان هذه الاستثمارات الصينية تؤدي بالضرورة الي قوة سياسية للصين ويعرض بعض معالم هذا الواقع الجديد الذي خلقته الصين في مدينة بورتودواكو الساحلية الواقعة علي بعد 175 ميلا شمال ريوديجانيرو، تبني الصين في هذا الميناء رصيفا طوله ثلاثة كيلومترات لتستخدمه مراكب الشحن الصينية العملاقة المسماة شايناماكس لنقل خام الحديد من البرازيل الي مصانع الصلب الصينية، الي جانب ارصفة اخري لناقلات النفط من البرازيل الي الصين، وتقوم الصين في نفس الموقع ببناء مدينة من المصانع علي جزيرة تبلغ مساحتها ضعف مساحة جزيرة منهاتن الأمريكية، وستنشأ معظم هذه المصانع بتمويل صيني وستتضمن مجمعاً للصلب وحوضاً لبناء السفن ومصنع سيارات ومجمعاً لتصنيع مستلزمات النفط والغاز.

إن مدينة المصانع هذه تمثل شيئا جديداً هو دفعة قوية للاستثمار في صناعات عبر البحار لدعم صورة الصين ومكانتها السياسية، فلنسمها دبلوماسية الدولار بالطريقة الصينية.

فالاستعمار في البرازيل يعكس استراتيجية التغلغل الصينية التي تهدف إلي تأمين الموارد الطبيعية للتنمية وتأمين الشركات الحكومية ضد النمو البطيء في الصين، فالصين التي تملك اكثر من تريليوني دولار من النقد الأجنبي توجه شركاتها الحكومية نحو البحث عن فرص حول العالم، وتفعل الصين ذلك بأسلوبها الخاص وهو اعطاء شركاتها فرصاً تنافسية تفوق مالدي الشركات الامريكية والعالمية من فرص تحدها قواعد المنافسة العادلة، وفضلاً عن ذلك فإن البرازيل وغيرها من الدول النامية التي كانت تنظر للصين كحليف اصبحت تدرك أن الشركات الصينية تنافس للحصول علي الموارد والاسواق، ويقول بعض المحللين ان امريكا كانت بطيئة في ادراك أن الصين تستعمل الاستثمار في تدعيم نفوذها السياسي.

وفي النصف الأول من هذا العام وصلت الاستثمارات الصينية في البرازيل الي 20 مليار دولار، وهو رقم يزيد عشر مرات علي كل استثمارات الصين الماضية في البرازيل، مما يجعل الصين أكبر مستثمر فيهاهذا العام بينما كان ترتيبها رقم 29 العام الماضي، وتزدهر الاستثمارات الصينية في دول لاتينية اخري مثل بيرو التي تسيطر الصين علي ثلث قطاع المعادن بها، وزاد حجم اندماج او شراء شركات الصين للشركات اليابانية علي اربعة أضعاف سنة 2009 مقارنة بسنة 2008.

ويقول لي جيانكيان الذي يدير عمليات الملاحة الصينية في امريكا اللاتينية ان البرازيل كانت تنظر للتعامل مع اوروبا وامريكا، ولكنها اكتشفت انهما متخلفتان جداً بالمقارنة للتعامل مع الصين، فاذا كان معك المال كان معك مفتاح القوة السياسية.

وتتفاوض الشركات العملاقة الصينية علي شراء مزارع ضخمة في البرازيل تزيد مساحة بعضها علي ستمائة الف هكتار لزراعة فول الصويا، كما تعاقدت علي انشاء خط حديدي فائق السرعة، وتريد مساعدة البرازيل في مشروعها الذي يتكلف اكثر من 250 مليار دولار للتنقيب عن النفط علي شواطئ البرازيل، ودفع بنك التنمية الصينية عشرة مليارات دولار لأكبر شركات النفط البرازيلية كدفعة اولي وقد حلت الصين منذ العام الماضي محل امريكا كأكبر دولة تتعاملمع البرازيل، وفي مارس الماضي اتهم رئيس اكوادور

الصين بأنها تتصرف كأسوأ شركة استعمارية عندما رفضت الصين تقديم مليار دولار له لبناء سد لتوليد الكهرباء ثم عاد فاستسلم للشروط الصينية.

كان روبيرتو أبرنور سفيرا للبرازيل في الصين سنة 1980 وأحد بناة العلاقة مع الصين، ولكن عندما تعمقت علاقة البلدين بدأ ينظر للعلاقة بينهما كتحد للبرازيل وليس فرضاً لها، وعندما نقل كسفير لبلاده في امريكا منذ اربع سنوات صرح بأن امريكا بدأت تقلق من الصين ولكن بطريقة مختلفة، فهي تخشي من التغلغل العقائدي الصيني في امريكا اللاتينية ومن احتمالات قيام الصين بتدريب بعض جيوش امريكا اللاتينية، فقد أفاض محللون امريكيون في الكتابة عن تدعيم الصين لجيش فنزويلا ولأنظمة الدفاع الجوي الكوبية، وتساءلوا هل حلت الصين محل روسيا في شغل ثلاثة مواقع مخابراتية في كوبا؟ وتشعر أمريكا بقلق شديد من تعاون الصين والبرازيل في مجال الأقمار الصناعية والصواريخ.

ولكن أبدنور يقول ان الصين تلعب في المجال التجاري أساسا فقوتها فيه لا يمكن لدولة اخري منافستها، فبعض ادواتها في هذا المجال هي طريقة الصين في عقد صفقاتها، فهي تقدم قروضا بالمليارات مقابل فائدة ضئيلة وفترات سداد طويلة قد تصل لعشرين عاما، وقد أصابت هذه الاساليب الصينية منافسيها في الغرب بالعجز عن المنافسة خصوصا دول مجموعة التعاون الاقتصادي والتنموي OECD الـ 32 التي يحظر ميثاقها علي أعضائها استعمال القروض وسيلة للمنافسة.

واشترت شركة ووهان للحديد والصلب الصينية 21٪ من مجموعة شركات باتيستا العملاقة مقابل اربعمائةمليون دولار بقرض من بنك الصين الحكومي بسعر فائدة يقل كثيراً من السعر العالمي، وتخطط الشركة الصينية لاستثمار خمسة مليارات دولار في بناء مجمع حديد وصلب في ميناء آكو بتمويل صيني حكومي بشروط مغرية جداً، كما تفاوض شركات النفط والغاز الصينية مجموعة باتيستا العملاقة لتبيعها منصات بحرية تمكن باتيستا من التنقيب في البحار، وتقدم هذه العروض بشروط مغرية جداً، ويقول رئيس مجموعة LLX اللاتينية الامريكية التي تشرف علي مشروع ميناء آكو البالغ تكلفته 25 مليار دولار ان حجم البنوك الصينية يمكنها من اقامة المشروعات العملاقة فلديها الموارد والقدرة علي ذلك.

ورغم أن شركات النفط الامريكية اكثر تقدما تكنولوجيا من مثيلاتها الصينية الا ان شروط القروض التي تقدمها الصين للبرازيل لا يمكن منافستها.

ولايجد فريد هوكبرج رئيس بنك التصدير والاستيراد الامريكي ما يبرر به فشل امريكا في منافسة الصين الا القول بأن امريكا تلتزم بالشفافية والمنافسة الشريفة في السوق بينما تفتقد الصين لهذه القيم!! وينسي هوكبرج أن العالم كله يري الفساد والرشاوي التي تدفعها الشركات الامريكية العملاقة في كل تعاملاتها اللا أخلاقية حول العالم، وتكفي فضائح شركات مثل هاليبرتون وبلاكووتر وغيرها لتكذيبه، ولكن العاجز عن المنافسة يحاول رفع قناع الفضيلة تبريراً لفشله.

ونكتفي بهذا القدر من التغلغل الصيني في أمريكا اللاتينية وغيرها من دول العالم والذي ينذر بقرب أفول نجم الاستعمار الامريكي وتحول مركز الثقل العالمي من الغرب الي الشرق.

*عضو الهيئة العليا للوفد