عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ببغاوات سياسية

في خضم الفوضى السياسية التي ضربت ربوع مصر، اختلط الحابل بالنابل، ولم نعد نقوى على فرز الجيد من الرديء، وأصبحت السياسة مهنة كل المصريين في الداخل والخارج، وأصبح من الصعوبة التعرف على انتماءات صاحب الرأي، فهل هو علماني، أم شيوعي، أم أخواني أو سلفي، أم ماذا؟

ومع ازدياد حالة الفوضى، ظهر تيار جديد من المحللين السياسيين، هذا التيار نتاج خلطة سرية جاءت بها الثورة، لا رائحة لهم ولا طعم ولا لون، ولا حتى شكل معلوم، همهم الأول والأخير الإدلاء بالرأي والظهور في وسائل الإعلام، كونهم أصحاب رؤى وفكر، وأنهم وحدهم حملة لواء مصر أولا.. هذا "الكوكتيل" الذي تكون فجأة من أفراد الشعب أغلبهم أنصاف متعلمين، انعكاس طبيعي للثورة والغوغائية التي نعيشها منذ إعلان نتائج الاستفتاء على التعديلات الدستورية.

ولإضفاء مزيد من الوضوح على صورة مصر الحقيقة هذه الأيام، علينا بمتابعة صفحات المنتديات أو التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت، وسنلاحظ مدى الفوضى والتخبط والتناقض الذي تعيشه مصر حاليا.. فحملة "المليون ملتحي"، تواجهها حملة "المليون بيكيني".. ومجموعة "القرموطي في مهمة سرية ضد العلمانية"، تواجهها مجموعة "العلمانية منهج تفكير".. وهكذا.. الصراع على أشده بين كافة الطوائف والملل والتيارات والفئات.. ولم يقتصر التناحر على المسلمين والمسحيين كما يظهر لنا في بعض الأحيان، لكنه ضم كل التيارات الانتماءات السياسية والدينية.

ورغم فوضى التعبير عن الرأي والسعي لتثبيت رؤية أو فكر ما بين التيارات والانتماءات السياسية، إلا أن الخطر محدود بل وصحي في أحيان كثيرة ويمكن السيطرة عليه مهما كانت شدته، لأن الصراع يدور بين أناس يمارسون لعبة السياسة وعلى دراية كافية بالأدوات التي يلعبون بها.. والخطر الحقيقي هنا يتمثل في "الكوكتيل" الغريب الذي ظهر فجأة.. الغالبية منهم تجهل قواعد اللعبة، وفي الغالب ما هم إلا ببغاوات تلقنها بعض القوى أو التيارات السياسية بمقاولات أو أفكار لتحقيق مصالح ما أو الإضرار بمصالح الخصوم.

ببغاوات السياسة بدأوا ينشرون بصورة مكثفة على صفحات المنتديات والتواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت، باعتبارهم قنوات خصبة لتوجيه الرأي العام في مسار ما، والغريب أن بعض ما يتم تمريره لا علاقة له بالصراعات السياسية التي تدور حاليا بين التيارات المختلفة، بل فيه ضرر مباشر بأمن ومستقبل البلد، ومن بين الحملات التي يقودها ببغاوات السياسة حاليا بدعم توجيه مباشر – وللأسف – من رموز سياسية لا هم لها سوى فرض رأيها على الشعب والعمل من خلال منظور أحادي، خاصة تلك الرموز غير المحبة للمسلمين.

ومن بين ضمن حملات "الفيس بوك" لإثارة الفوضى والفتن بين أفرد الشعب، الحملات المكثفة التي يسوق لها البعض ضد القوات المسلحة تارة، والدكتور عصام شرف وحكومته تارة أخرى، فقد قرأت مضمون حملة أفزعني كثيرا، لما تدعو إليه، فقد طالبت هذه الحملة بسحب الثقة من المجلس العسكري من خلال عمل توكيل رسمي بالتفويض لمسؤولي الحملة لتمرير هذا المطلب.

من حق كل مصري الآن أن يدلي برأيه، ولن تكون هناك رجعة للوراء، وسنتنفس الحرية التي حرمنا منها لعقود من الزمن، لكن من حق مصر علينا المحافظة على أمنها وسلامتها.. فهل سأل من تبنوا هذه الحملة أنفسهم هل لديهم بديل لقيادة البلاد في هذا الوقت العصيب؟.. وهل هناك شخصية اعتبارية أفضل من المجلس العسكري لتولي هذه المهمة؟.. وما هي مواصفات هذه الشخصية؟.. إسلامية أم علمانية.. أم ماذا؟.. وإذا

كنا إلى الآن نختلف على الدستور أولا أم الانتخابات، فهل سنتفق على من يمثلنا بصفة مؤقتة؟.. وهل المجلس العسكري لديه من الأخطاء ما تجعلنا نطالب بتخليه عن مسؤوليته الحالية لإدارة البلاد؟.

نعلم جميعا أن أخطاء ما نتجت في إدارة البلاد خلال مرحلة ما بعد تنحي مبارك إلى الآن.. تلك الأخطاء منها ما يحتمل ويمكن التنبيه إليه بالإشارة لأخذ الحيطة والحذر مستقبلا، ومنها ما لا يجب السكوت عنه، كما حدث في محاكمات المسؤولين السابقين وخروج الملايين الجمعة الماضي للاعتراض السلمي، وقد ضربنا نموذجا فريدا للمرة الثانية في أسلوب إدارة التظاهرات، وكانت هناك استجابة فورية قبل وبعد التظاهرة.. لكن هل يستدعي الأمر سحب الثقة من المجلس العسكري؟

شبكة الإنترنت كما نجحت في إشعال فتيل الثورة، وسارت معنا بإخلاص للوصول إلى أرضية الحرية التي نقف عليها الآن، بما في ذلك تظاهرة يوم الجمعة الماضي، يتم استغلالها حاليا في الاتجاه المضاد، فما يحدث من صراع وتناحر بين التيارات السياسية، واستغلال العامة والبسطاء من أبناء هذا الشعب، لن يؤدي إلا إلى الرجوع للخلف، وخسائر لم تكن في حساباتنا، أو على أقل تقدير تباطؤ في جني ثمار الثورة، والابتعاد عن رسم المستقبل، وتحديد الأولويات.

فكما كان الإنترنت سببا في نجاح الثورة، أدعو الجميع إلى مراجعة بسيطة لما ينشر أو ينقل عبر صفحاته ومعرفة الضرر الذي قد ينجم عن نقل معلومات خاطئة، أو تمرير أفكار ورؤى هدفها الرئيسي تدمير هذا البلد الأمين، ولا يقف الأمر عند حد نقل أو نشر المعلومات، فهناك أعداد لا بأس بها من مستخدمي صفحات التواصل الاجتماعي تؤيد أو تقر استفتاء أو فكرة أو رأي ما دون أن تعرف مضمونه، وليس هناك دليل أفضل من أعمار من يصوتون على استفتاءات الإنترنت أو تفضيل حملة ما تشن ضد أي من التيارات السياسية أو المجلس العسكري أو الحكومة، فأغلب من يصوتون لا تتجاوز أعمارهم العشرين عاما، كما أوردت إحصاءات تم نشرها مؤخرا حول مستخدمي صفحات التواصل الاجتماعي في مصر.

مصيرنا بين أيدينا الآن.. نحن فقط نقرر الأصلح ولا نحتاج إلى وصاية أو توجيه.. ولسنا ببغاوات نردد ما يقال حولنا دون تمعن أو تفكير.. وقليل من التريث لن يضير أحد.