عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

من المسئول؟

طرح الدكتور أحمـد عكاشــة أستاذ الطب النفسي ورئيس الاتحاد العالمي للأطباء النفسيين خلال فعالية عقدت الأسبوع الماضي مع أعضاء نادي "ليونز السلام"، حزمة من الملاحظات المهمة أو التغيرات التي استطونت بين غالبية أفراد الشعب المصري، في مقدمتها وصفه القاسي جدا للمصريين بالعبيد، وتمتعنا – نحن المصريون - بصفات الكذب والنفاق بجانب إنعدام الثقافة العلمية، محذرا من موجة عنف شديدة قادمة إن لم تتغير أوضاع المجتمع الذي أصبح تربة خصبة لنمو العنف.

ألتمسوا لي عذرا، لابد وأن أكمل وصف الدكتور عكاشة لمتغيرات الإنسان المصري، إذ استبعد وجود إبداع لدي شعب يعيش تحت طائلة قانون الطوارئ وغياب القدوة، مما يولد شعورا بالدونية، مشيرا إلي أن النكت المتهكمة علي نظام الحكم هي بداية لإنفلات مدمر، مشبها إياها بالعدوان السلبي، حيث تجعل الحكومة المصرية شعبها يهدئ من فورانه الداخلي بإطلاق مثل هذه النكت، قائلا إنها جعلت الشعب يعوي وليس لديه القدرة علي العض.

وبقدر ما يحمل وصف الدكتور عكاشة من قسوة، وبقدر ما هو وصف ليس بجديد تقريبا، بقدر ما ترك علامات تحذيرية شديدة الخطورة على مستقبل الإنسان المصري خلال المرحلة المقبلة، فقد اقتربت فعليا لحظة الإنفجار، وهي اللحظة التي نخشاها جميعا، ولن نستطيع أن نمنعها، أو نهدأ من قوتها، أو أثارها الجانبية.

ورغم تحفظي على بعض الألفاظ والتشيبهات التي استخدمها الدكتور عكاشة في وصف الإنسان المصري، وأيضا رغم تعميمه بالوصف لكل المصريين، بدلا من استخدام لهجة أخف مثل البعض، أو نسبة من الشعب المصري، إلا أنني أتفق معه في النتيجة التي توصل إليها، وهي ضرورة تغيير أوضاع المجتمع المصري، وإلا زاد العنف بين الناس، وإنفلات السيطرة على البلد.

لكن لدي سؤال هنا، وهو هل من الممكن تشريح شخصية الإنسان المصري والأعراض التي طرأت عليه منذ ثورة يوليو إلى يومنا هذا، وبمعنى آخر مراحل تطور الشخصية المصرية (عامة الناس) خلال 58 عاما، لنستخرج من هذه الدراسة أو الحالة ملامح التغيرات التي طرأت على الإنسان المصري، وأهم الأسباب التي أدت إلى هذا التغير، وكيفية العلاج، وأيضا وضع آلية أو مصدات لمنع حدوث هذه التغيرات، أو ظهورها من جديد.

وبعودة سريعة إلى الوراء، ولن نبعد كثيرا لنتحدث عن الأجداد، فقط نتذكر جيل الأباء، وإن لم يكن لدينا ذاكرة، فمن الممكن التعرف على هذا من خلال الأفلام الأبيض والأسود.. الأب كان لديه عمل واحد فقط، وراتبه يكفي كافة مصاريف الأسرة، من طعام، وعلاج، وتعليم، وكساء، بل وترفيه لدى بعض الأسر المتوسطة، ولم نسمع عن أب انتحر ليلة بداية العام الدراسي لأنه لم يستطع توفير مصاريف المدارس، أو تلميذ في الابتدائي يبيع المخدرات، أو طفل صغير يظهر لك فجأة ليبيع لك أشياء يحملها وهو يتسلل بين سيارات تكاد تدهسه، أو إنسان مصري يفتش في "الزبالة" عن "لقمة" يسد بها جوعه.... أو... أو... أو.. كلها تغيرات طرأت على الإنسان المصري..

وأسمحوا لي أن أطيل بعض الشيئ، لأن وصف الدكتور عكاشة، أحدث في جرح عميق، وشعرت بألم ومرارة، وخوف أيضا على ما هو آت..

تخيل معي لو لك ولد، أنجبته من صلبك، وتعرف تمام المعرفة أنه "أبن حلال"، منذ نعومة أظافره وأنت تعامله بقسوة، وكلما كبر زادت قسوتك عليه، لم ترعاه صحيا، حرمته من التعليم، أجبرته على أكل ما تبقى منك من الطعام إن تبقى، يشاهدك وأنت تتنعم بملذات الحياة، تصرف هنا وهناك على ملذاتك الخاصة التافهة، لم تكسه حتى في ليالي الشتاء شديدة البرودة، تركته للشارع ليربيه، وعندما اشتد عوده طلب مساعدتك لتوفر له عمل يقتات منه، ورغم قدرتك على ذلك لم تفعل، لتجعل منه مجرم أو بلطجي، غالبية من في عمره، وقد يكونوا ممن كان يلعب معهم في الشارع، لديهم عمل، وعندما أصبحوا في سن وقدرات مالية تسمح لهم بالزواج تزوجوا، أنجبوا، عاشوا حياة قد تكون متوسطة بعض الشيئ، لكن أفضل من حياته بكل تأكيد.

ماذا تنتظر من هذا الأبن تجاه أباه أولا، ثم تجاه من حوله (المجتمع)؟

أعتقد أن الإجابة سهلة، وهي نفسها للاتجاهين، ولن يلومه عاقلا على ما سيفعله، فهو أكيد مجرم ومنحرف، فإما أن يهجر أباه ومجتمعه للبحث عن مكان أفضل يحتويه في محاولة لإصلاح ما أنتجه أباه منه، هذا إن كان مازال بداخله بقايا من صفات الإنسان، والأرجح أن يمتهن الإجرام بصورة أكثر احترافية، أو يقتل أباه، أو أن يكون حقده وغله على من يعيش أفضل منه كفيلين بتعمده إفساد حياتهم، إما بتروعيهم أو سرقتهم أو حتى قتلهم لمحو أي صورة تذكره بحاله وما آل إليه.

وإذا كان هذا الولد أو الأبن يشبه إلى حد كبير ما يعيشه بعض المصريين منذ أكثر من خمسة عقود.. فمن نحاسب هنا الأبن المجرم الذي لم يجد من الأساسيات والضروريات ما يجعله يعيش حياة شبه طبيعية، بل وجد أب يشجعه على الإجرام بصورة مباشرة أو غير مباشرة، أم الأب غير المسئول الذي نسيه منذ ولادته ولم يعره اهتماما، وخيره بين الموت و"سكة" الإجرام؟!

وسؤالي في النهاية من هو المتسبب الرئيسي في التغيرات التي طرأت على شخصية الإنسان المصري ؟!

 

[email protected]