رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أنا مش خايف

 

شد إنتباهي صوت المذياع المرتفع المنبعث من داخل أحد السيارات الواقفة بجوار المسجد الذي أديت به صلاة المغرب في أحد أحياء مدينة أبوظبي.. وركزت مسامعي مع ما يقال من تقرير إخباري حول المخاطر التي تتعرض لها مصر بعد مبارك، ونار الفتنة التي بدأت في الازدياد بصورة تنذر بالخطر.

ما أن انتهيت من ربط حذائي إلا ووجدتني أذهب باتجاه تلك السيارة، لأجد أحد الأشخاص يمسك بالمقود بعصبية والدموع في عينيه. فألقيت عليه السلام ليرده بأحسن منه، بل وليباركني على الصلاة بقوله "تقبل الله منك صالح الأعمال".. وتحدثت معه قليلا من خارج سيارته، ليطلب مني الدخول والجلوس بجواره لنكمل حديثنا.. ليبادرني بالقول:

- الشغل الشاغل لوسائل الإعلام المصرية والعالمية اليوم هو مصر.. ولا أعلم لماذا يركزون على مسألة الفتنة الطائفية.. وإذا كانوا يسعون لتسليط الضوء على المشاكل والأزمات فلدينا العديد منها.. وكأنهم يريدون أن يزيدوا من حدتها؟

- معك كل الحق يا أخي.. لا أعلم لماذا الإصرار على الفتنة الطائفية.. وكأن هناك تعمد في الداخل والخارج على فتح هذا الملف فقط في هذه الفترة الحرجة من عمر مصر.. لكن لم تخبرني لماذا كل هذا الحزن.. وما سبب دموعك؟

- أنت لم تسمع بداية التقرير.. فقد جاء مصحوبا بآراء البعض من عامة الناس.. وكأنهم يختارون رأيين فقط ويتناسوا الرأي الثاث؟

- ماذا تقصد برأيين.. وما هو الرأي الثالث؟

- دائما وخاصة في الإذاعات الأجنبية يختارون الرأي من منطلق مسلم ومسيحي.. ويتناسوا رأي المصري.. فهل مصر لا يوجد بها فرد واحد متزن وعاقل.. ولمصلحة من ما يحدث.. ومن وراء هذا التأجيج.. الكل يتحدث عن فلول النظام السابق وبقايا أمن الدولة والحزب الوطني.. فإذا كان المجلس الأعلى للقوات المسلحة ورجال الحكومة يعرفون هؤلاء فلما لا يتم التعامل معهم سريعا ومنعهم.. ولا نقول هنا توجيه الاتهامات بالباطل لكل من نشك بهم.. بل على أقل تقدير مراقبتهم وتحديد تحركاتهم حتى نسلم من لدغاتهم إن أقبلوا على أي فعل يراد من وراءه تدمير الترابط بين أبناء الشعب؟

- يبدو أننا سنلتقي كثيرا يا أخي.. فأنت مهموم مثلي تماما بما يحدث في "أم الدنيا".. ولديك مخاوف تفوق مخاوفي على ما يحدث حاليا في مصر.. فالذي يزرف هذه الدموع من المؤكد أنه وطني حتى النخاع؟

- وأنت تبكي الآن.. فأنت لا تقل عني وطنية؟

- لقد أبكيتني أخي لأمرين.. الأول, مخاوفي الشديدة من أعداء الوطن بالداخل وهم كثر حاليا.. والثاني لأنك ذكرتني بالعزيز الغالي الذي رحل عن دنيانا دون سابق إنذار.. فقد كان مهموم مثلك تماما بالوطن.. وقد كان له دورا بارزا في الثورة؟.. ووطنيته وعشقه لمصر تفوقنا جميعا.. ولو كان معنا الآن لبكينا ثلاثتنا.

- عن من تتحدث؟

- عادل القاضي.. هل سمعت عنه من قبل؟

- في جنة الخلد إن شاء الله.. وبمناسبة ذكره.. هذا أفضل مثل للمصري الحق.. فقد كان مسلما متدنيا يخشى الله في كل أعماله.. أنا لم أعرفه عن قرب لكني ممن يتابعون أعماله وتصريحاته في الصحف والفضائيات.. أرأيت هذا مسلم صح.. ومصري صح.. فلم يكن لإنتماءه الديني أي تأثير على مصريته.. بل كان له أدوار بارزة في وأد نار الفتنة.. ويكفيه شرفا وفخرا حفل التأبين والجائزة التي أطلقتها على شرفه وأسمه كنيسة أطفيح.. لما لا نتعامل جميعا من هذا المنطلق.. مصر فقط؟.. هل هذه من المعادلات التي يصعب حلها؟

- أتفق معك فيما تقول.. لكن أريد أن أسمع تحليلك لما يدور في مصر حاليا؟

- هذا أمر شرحه يطول.. لكن في عجالة.. طالما أن عملية إشعال الفتنة مستمرة.. فهناك خلل ما لابد من معالجته سريعا.. وهذا الخلل نعرفه جميعا.. بداية من المواطن ذاته.. فهو المتسبب الأكبر في استمرار هذا التأجيج.. فلما لا نبدأ بأنفسنا.. فإذا أردنا أن نقضي على هذا الملف سنمحيه من حياتنا تماما بإرادة فعلية وحقيقية.. هل كنا نتخيل في يوم ما إزاحة مبارك ونظامه الفاسد.. بالعزيمة والإصرار والوحدة قضينا عليهم جميعا سلميا في ثمانية عشر يوما.. لكن يبدو أن إثارة الفتنة من مصلحة بعض كبارات البلد.. ووأدها في الوقت الحالي سيعيد الاستقرار جزئيا إلى مصر.. ومن ثم سيتم تسليط الضوء على مشاكل أخرى.. هذه المشاكل قد

تجر في طريقها بعض الرموز مدعية الوطنية التي نراها حاليا.. لذا فإلهاء الرأي العام بملف الفتنة مهم للبعض.

- لكن كيف للمواطن البسيط أن يقضي على الفتنة؟

- ما نراه من حلول تطرح حاليا مصيره الفشل.. والخطوة التي اتخذها المجلس العسكري مؤخرا خطوة جيدة.. لكنها تأخرت كثيرا.. والحل بسيط للغاية.. ولابد أن نعرف أولا أن ما يحدث في مصرنا الحبيبة لن يعود إلا بالخراب والدمار علينا نحن وحدنا.. البسطاء من أبناء هذا الوطن الغالي.. لذا لابد من الإيمان اليقين بأن وحدتنا الوطنية هي الأهم في وقتنا الحالي ونرفض كل الأصوات التي تعمل في عكس هذا الاتجاه حتى لو كانت تلك الأصوات لها من الثقل والثقة والمصداقية في السابق ما تجعلنا نتبعها ونحن معصوبي الأعين.. بل وحتى لو كان الرأي أو التعليمات لشيخ الأزهر أو البابا شنوده.. فقط نحكم العقل.. ونختار قرارنا وفقا لما تقتضيه مصلحة البلاد والعباد.

- أقسم لك يا أخي لو أن مصر بها عقول مثلك لتحدينا العالم أجمع.. ولخرجنا من أزمتنا هذه سريعا.. ولأكملنا مسيرة الثورة باتجاه البناء والتعمير.

- يا أخي لا تخف إن الله معنا.. والله مع الجماعة.. ألم تسمع إلى قوله في القرآن {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا}.. وإلى قوله {وَصِيَّةً جَدِيدَةً أَنَا أُعْطِيكُمْ: أَنْ تُحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا. كَمَا أَحْبَبْتُكُمْ أَنَا تُحِبُّونَ أَنْتُمْ أَيْضًا بَعْضُكُمْ بَعْضًا} من إنجيل يوحنا.. وقوله {وَيْلٌ لِلْقَائِلِينَ لِلشَّرِّ خَيْرًا وَلِلْخَيْرِ شَرًّا، الْجَاعِلِينَ الظَّلاَمَ نُورًا وَالنُّورَ ظَلاَمًا، الْجَاعِلِينَ الْمُرَّ حُلْوًا وَالْحُلْوَ مُرًّا} من سفر إشعياء.. إقسم لك يا أخي لو اتبعنا ما جاء في القرآن والأنجيل لقضينا فعليا على كل رموز الفساد المختفية وراء أقنعة زائفة.

لم نكمل حديثنا.. فقد جاء صديقه ليخبره أنه أنتهى من الجمع والقصر بين صلاتي المغرب والعشاء حيث كانوا متوجهين إلى دبي وتوقفا لأداء الصلاة عندما حان آذان المغرب.. لأخرج من السيارة ويجلس بدلا مني صديقه في المقعد الأمامي.. ألقيت عليهما تحية الوداع متمنيا لهما سلامة الطريق.. ووجدتني أعود مرة أخرى إليهما لأوجه سؤالي لمن يجلس على مقود السيارة.

- أخذنا الحديث ولم أتعرف إليك.. حتى أنني لا أعلم أسمك؟

- وأنت لم تخبرني عن أسمك أخي العزيز؟

- لأمد يدي بالمصافحة.. أخوك أحمد صفي الدين

- ليمد يده أيضا مصافحا أياي.. أخوك عماد ميخائيل.. والجالس بجواري عبدالهادي محمد ونعمل في شركة للبرمجيات بدبي.. ألقاك على خير إن شاء الله.

لأجدني أحدث نفسي والسيارة تغيب عن نظري تدريجيا وقد غطت وجهي ابتسامة لم أعهدها منذ زمن مصحوبة بدموع قليلة.. "أنا مش خايف.. لسه فيكي يا مصر اللي بيحبك ويخاف عليكي.. والله هتتحل وهنبقى أجمل بلد.. وهترجع مصر تاني منارة العالم زي ما كانت وأحسن.. طول ما فيه ناس زي عماد ميخائيل وعبدالهادي محمد.. مصر هتفضل بخير".