رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

لا تسامح في دم

 

نحمد الله على التكذيب والنفي الفوري الذي خرج به المجلس الأعلى للقوات المسلحة حول صحة ما نشرته وسائل إعلام عن مبادرة عفو قد يتخذها تجاه الرئيس السابق حسني مبارك وأسرته، وهو الخبر الذي جاء متزامنا مع خبر آخر نشرته صحيفة الشروق في صدر صفحتها الأولى تؤكد فيه استعداد مبارك للإدلاء بخطاب اعتذار يعلن فيه عن أسفه عما بدر منه وأسرته بحق الشعب نتيجة سوء تصرف ناجم عن نصيحة بعض مستشاريه، أو معلومات خاطئة تم رفعها إليه.

خطاب الاعتذار العائلي كما ورد في "الشروق" - والذي لا نعلم مدى صحته، خاصة وأن مضمونه كالثوب السوداني ممكن أن تلبسه من أي اتجاه - من المتوقع أن يتضمن إبداء مبارك وزوجته الرغبة الأكيدة في التنازل عن كل ممتلكاتهما لصالح الشعب المصري، ويتضمن أيضا استعطاف الشعب للصفح عنه من خلال التذكير بما قدمه من خدمات للدفاع عن الوطن في القوات المسلحة.

وسؤلنا هنا هل نكرر نفس الخطأ السابق في تركه للإدلاء بما يحلو له من تصريحات وكلمات كما فعل بحديثه لقناة العربية والذي نتج عنه رد فعل سيئ، بل وترك انطباعا عن شبهة تواطأ بين مبارك وأعوانه، وبين مسؤولي الحكومة الحاليين والمجلس الأعلى للقوات المسلحة؟.. وهل هذا الخطاب يعني تمهيد للبحث عن مخرج آمن لمبارك وعائلته ليفلتوا بما اقترفوه بحق الشعب؟.. وفي هذه الحالة كيف سيكون رد فعل الشارع الذي يعاني حاليا من اضطرابات خاصة فيما يتعلق بمسألة الفتنة الطائفية؟.. وهل الخطاب في الأساس بقصد الاعتذار أم ورقة جديدة من أوراق اللعب القذر التي يمتلكها مبارك وأعوانه ويظهرونها بين الحين والآخر لزرع الفتن وعرقلة مسيرة الثورة في بحثه عن مخرج حتى لو كان الثمن تدمير مصر بمن عليها؟

وانتظارا لما سيدلي به – إن أدلى - إمام الفاسدين، نتذكر معكم مقتطفات من خطاباته التي أدلى بها خلال الثورة، ففي خطابه الأول أكد متابعته شخصيا للتظاهرات، وطلب من الحكومة أتاحة الفرصة أمامها للتعبير عن آراء المواطنين ومطالبهم، وأكد أيضا متابعته محاولات البعض لاعتلاء موجة التظاهرات والمتاجرة بشعاراتها، معربا عن أسفه لما أسفرت عنه من ضحايا أبرياء من المتظاهرين وقوات الشرطة، ومؤكدا في نفس الوقت التزام الحكومة بتعليماته، وكان ذلك واضحا – كما قال - في تعامل قوات الشرطة مع شبابنا، التي بادرت إلى حمايتهم في بدايتها احتراما لحقهم في التظاهر السلمي طالما تم في إطار القانون، وقبل أن تتحول هذه التظاهرات لأعمال شغب تهدد النظام العام وتعيق الحياة اليومية للمواطنين.

مقتطفات حديث مبارك كما جاءت في خطابه أنه الحكومة نفذت ما قاله بالحرف.. وشاهدنا جميعا كيف تعاملت الحكومة مع التظاهرة سواء من قنابل مسيلة للدموع ورصاص حي وموقعة الجمل والدهس بالسيارات.. وما إلى ذلك من أمور موثقة ومسجلة.

خطاب مبارك التالي، جاء ضمن اوراق اللعب التي يمتلكها، أو مسلسل التنازلات الذي عشناه خلال الثورة، وهو أيضا دليل دامغ على ألاعيب شيحا التي يمارسها مع الشعب، والاستخفاف بعقولنا، فقد اعترف في خطابه بارتكاب أخطاء، وأن الحكومة تجاوزت في تعاملها مع التظاهرات، فقد بدأ خطابه الثاني باعتذار لأهالي الشهداء، متعهدا بأن دماءهم لن تضيع هدرا، ومؤكدا عدم تهاونه في معاقبة المتسببين بها بكل الشدة والحسم، ومحاسبة الذين أجرموا في حق شبابنا بأقصى ما تقرره أحكام القانون من عقوبات رادعة، ليصبح ذليلا في نهاية خطابه باعترافه ضمنيا بحق الشعب في تقرير مصيره واختيار الحاكم، إذ قال "مطالبكم هي مطالب عادلة ومشروعة، فالأخطاء واردة في أي نظام سياسي وفي أي دولة، ولكن المهم هو الاعتراف بها وتصحيحها في أسرع وقت ومحاسبة مرتكبيها".

والخطابات الأخرى لم تقل خديعة أو مكر عن خطاباته السابق ذكر مقتطفات منها، ونتوقع أن يكون الخطاب المقبل مخادع أيضا، فهو الآن كالغريق المتعلق "بقشة"، يبحث عن أي مخرج ينجده من السجن أو ربما الإعدام.. وإذا كان ما نقلته "الشروق" صحيحا، فأول القصيدة كفر كما يقول المثل الشهير، فهو سيعتذر عن أخطاء لم يرتكبها هو أو

أي من أفراد أسرته، بل أوقعهم فيها جهازه الاستشاري، ومما يزيد الأمر سوء أنه سيتنازل عن كل ما يملك وأسرته مقابل أن يتم العفو عنه.

بداية، أنت لن تتنازل أيها الرئيس المخلوع، بل سترد ما سرقته من الشعب.. وكيف تتنازل عن أموال مازلنا لا نعلم قوامها، فقد أنكرت في خطاب لك امتلاكك لأي أرصدة في الخارج، وادليت بذلك أيضا في التحقيقات أمام النيابة، ومازلت تصر على الكذب والخداع، رغم أن هناك العديد من الدول التي كشفت عن أرصدة ومتتلكات لك لديهم.. فهل ستعترف بكل ما لديك من أموال وممتلكات نهبتها وعائلتك من دماء الشعب المغلوب على أمره؟

وإذا كانت سوزان ثابت تنازلت عن 24 مليون جنيه من حساب لها بأحد البنوك، فهل هذا يعني أن أول الغيث قطرة.. وفي هذا أيضا اعترفت سيدة الفساد الأولى أن تلك الأموال تحصلت عليها من تبرعات خارجية وكانت تنفقها في عدد من المشروعات الاجتماعية والخيرية.. فهل أموال الدولة تدخل في حسابات شخصية أم أنها كانت تفيض بكرمها وتنفق من "جيبها الخاص" على فقراء البلد؟

خلاصة القول، في حال أن أدلى مبارك بخطاب اعتذار، نتوقع أن يكون أحد أمرين، إلا أنه يحرق آخر أوراقه من خلال استعطاف الشعب المعروف عنه طيبة القلب والتسامح للحصول على عفو حتى ولو صحي، أو أنه ورقة يراد بها إثارة بلبلة من خلال الدفع باتجاه التشكيك في المجلس الأعلى للقوات المسلحة، حتى يخسر ما كسبه من احترام وحب من كافة فئات الشعب.. ومن هذا المنطلق، ندعو المجلس والحكومة على حد سواء بمنع مبارك من الإدلاء بأي تصريحات صحفية أو تلفزيونية أو حتى رسائل موجهة، درءا لإثارة الفتن والشكوك، والاستمرار في معاملته على النحو الذي يعامل به حاليا كونه متهم وسارق وقاتل.

أما بالنسبة لمبارك وعائلته وأعوانه، فاعتقد أن الشعب لن يقبل توبتكم أو اعتذاركم، فالشرك بالله (حفظنا الله منه) لن تكون له توبة أو مغفرة، والزاني والقاتل توبته عما اقترفه من ذنب يختلف عن توبة من من سرق "رغيف العيش" لسد جوع من يعول.. فالذنوب درجات، منها ما يغفر، ومنها ما لا يمكن غفرانه.. وكذلك إذا كانت نيتك صادقة وسترد ما سرقت، من سيدفع ثمن دماء الشهداء أو من ماتوا في معتقلاتك.. وهل دماء الشهداء تقدر بثمن.. ولو تنازل العامة من الناس، هل يتنازل أهالي الشهداء، حتى لو بكيت بدموع من دم لن نرتضى إلا بالقصاص.

كلمة أخيرة.. ليتك تنهي حياتك ولو بحسنة واحدة وتتوقف عن الكذب والخداع.. فما تبقى من عمرك معدود.. وتوجه إلى الله طالبا التوبة وليس من الشعب.. فلا تسامح أو صفح في دم.