رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

قام ومش هينام

 

من بين تصريحاته غير المألوفة، أعجبني كثيرا ما أدلى به مؤخرا الدكتور زاهي حواس وزير الدولة لشئون الآثار، والذي كشف فيها عن شخصية المفجر الحقيقي لثورة الخامس والعشرين من يناير، إذ قال في حديث صحفي إن الثورة اشتعلت بعد أسبوع واحد من قيام أحد الأثريين بنفخ بوق الحرب الخاص بالفرعون الذهبي الصغير "توت عنخ آمون"، مؤكداً في الوقت ذاته أن الأثريين لديهم اعتقاد بأن من ينفخ في هذا البوق يشعل الحرب.

فهل فعلا قام أحد الأثريين بنفخ هذا البوق؟.. وإذا كان الأمر كذلك فلما الانتظار طيلة هذه السنوات؟ .. هل كان يراقب ما يحدث منتظرا الفرصة المناسبة؟.. أم هناك طقوس خاصة في أيام معدودات يجب إتباعها لإجراء عملية النفخ؟.. أو وجد هذا الأثري الشجاع أن الشعب انتفخ بما يكفي وعلى وشك الانفجار فقرر أن يسارع بالنفخ؟

لو صدق الدكتور حواس فيما يقول، لتمنينا جميعنا أن نكون محل الأثري صاحب النفخة الحربية الأولى.. لكن يخيل لي أن الأمر ليس له صلة بالبوق، لكنه يرتبط بالفراعنة، ولم يبتعد زاهي حواس كثيرا في تفسيره عن انتفاضة الأحرار منذ الخامس والعشرين من يناير إلى يومنا هذا.. إنها لعنة الفراعنة.. لكن هذه المرة أصابت مبارك وعائلته وعصابته، فقد استحضر مبارك روح المصرري الأصيل داخل كل واحد منا.. استحضرها بما اقترفه من ظلم وطغيان على مدى ثلاثين عاما في حقنا جميعا، ظنا منه أن تلك الأرواح ستظل كامنة.. نعم ثلاثة عقود وهو يستحضر روح المصري بشتى الطرق والوسائل الشيطانية منه والسفلية (نسبة لصفة السفالة)، ويستفزه للخروج من مرقده.. هذا المرقد الذي ظل داخله لسنوات طوال، ليس خوفا او جبنا أو لضعف ما، بل صبرا وأدبا، عله يفيق ويرد إليه عقله، ويحكم بما يرضي الله.

مبارك بخطاباته الكثيرة الخادعة تارة، ومسكنته واستعطاف الناس تارة أخرى، استحضر روح العظمة داخل المصري، ليستعيد أصل المصري، لينبه الجميع بما نسوه أو تناسوه من أمجاد الأجداد، ليعيد إلى الأذهان كيف كانت الشخصية المصرية، ويذكرنا بتاريخنا من الثورات في عهود وحقب سابقة، لنقرأ جميعا تاريخنا العظيم، ونكتشف أن هناك سننا ثوابت لا تتبدل ولا تتغير، وأن التاريخ يعيد نفسه، ورغم تغير الوجوه والأشخاص، إلا أن الأحداث تتشابه والنتائج واحدة، وهو ما تشهده مصر منذ عصور الفراعنة إلى يومنا هذا.

والمتابع لتاريخ مصر على مر العصور، سيجد أننا المثال الأفضل لمقولة إن التاريخ يعيد نفسه، فجميع الثورات السابقة تتشابه إلى حد كبير مع ثورة الخامس والعشرين من يناير، فثورة الملك بيبى الثانى المنتمي للسلالة السادسة في المملكة الفرعونية القديمة، جاءت بسبب طول فترة حكمه وضعف الحكومة، فبدأت الناس تضجر وتمل، وكانت ثورة اجتماعية بسبب ضيق ظروف المعيشة وتركز كل الثروات فى يد حاشية الملك والكهنة وكبار رجال الدولة، واعتصم الناس حينها فى أكبر معابد مصر لكى يلفتوا النظر إليهم.

وثورة الزعيم أحمد عرابي ضد الخديو توفيق والأوروبيين، لم تكن عسكرية فقط بل شملت المدنيين من جميع فئات الشعب وكانت بسبب سوء الأحوال الاقتصادية، والتدخل الأجنبى في شئون مصر، ومعاملة رياض باشا القاسية للمصريين، وثورة 1919 بقيادة سعد زغلول قامت بسبب المعاملة القاسية للمصريين من قبل قادة الاحتلال البريطاني والأحكام العرفية بالإضافة إلى رغبة المصريين فى الحصول على الاستقلال، وثورة يوليو التي هي في حقيقتها انقلاب عسكري قام به ضباط جيش مصريون ضد الحكم الملكي والتي أجبرت الملك فاروق على التنازل عن العرش.

وجميع الثورات السابقة، وصلت إلى نسبة كبيرة من الأهداف التي قامت من أجلها، وها نحن الآن نعيش

بداية مراحل تحقيق الأهداف، إلا أن الأمر قد يكون مختلفا بعض الشيء في ثورة الخامس والعشرين من يناير عن الثورات السابقة، فرغم كل ما يحدث حولنا من اضطرابات، وحالة التشاؤم التي ضربت البعض منا، وحالات الاستفزاز التي يشنها عملاء النظام السابق، إلا أنني كلي أمل أن تكون مكاسب ثورتنا هذه تفوق كافة مكاسب الثورات السابقة، وعلينا أن نحمد الله على السنن التي منحها لمصر وأهلها، وندعو الله أن يديمها علينا نعمة.

والسنن الربانية وضعها الله لينقل الأمة أو الفرد من حالة إلى حالة، حيث تنتقل الأمة من القوة إلى الضعف بسنن، ومن الضعف إلى القوة بسنن، وسنن الله تعالى في الثورة المصرية كثيرة، منها أن النصر يأتي من حيث لا نحتسب، وتباين القوة بين الظالم والمظلوم، فالله قد أتى بالتغيير ولم يستكمل الثوار استعدادهم، فالقوة واضحة في الطرف الظالم، والضعف واضح في الطرف المظلوم، ولم نكن نتوقع النصر، ولعل هذا الأمر سنة أيضا، فقد جاءت النتائج على خلاف ما توقعت دول العالم أجمعين، فهل فكرنا في يوم أن يجبر مبارك على التنحي في يوم ما، أو نشاهد زكريا عزمي وصفوت الشريف وحبيب العادلي في السجن، بل جمال وعلاء ويستعد أبوهما حاليا للحاق بهم.

ثورات مصر على مر السنين لم تأت من فراغ أو قامت بشكل عشوائي، بل كانت لها جذور وطيدة تمتد إلى الفراعنة، وهو ما يتشابه مع مقولة الدكتور حواس وبوق توت عنخ آمون، لكن باختلاف بسيط، فروح المصري استحضرها مبارك الفرعون بأفعاله، ولم تنصرف، ولن يستطيع صرفها، ويبدو أنه وشيعته يحاولون الآن صرف تلك الروح الأصيلة دون جدوى، فقد انقلب السحر على الساحر، خاصة بعد أن تخلى عنه القريب والبعيد، وكأن لسان حالهم يقول له "اللي حضّر العفريت يصرفه".. ونحن نقول له "المصري قام ومش هينام".. نعم لقد أيقظت بداخلنا روح العظمة، لننفض عن أنفسنا سنوات من الظلم والطغيان، صبرنا فيها على ما اقترفته وعائلتك وحاشيتك من نهب وسرقة وقتل وتعذيب، لكن المصري الأصيل لم يمت بداخلنا، فقط كانت سنوات عجاف طويلة من الاسترخاء واستجماع القوى، وها نحن نعود، لنعيد أمجاد حضارة آلاف السنين.. حضارة لم يستطع محتل أو حاكم ظالم أن يغيرها أو يمحوها، ومزبلة التاريخ خير شاهد على ذلك، وهي مليئة بقصص وحكايات عن نهايات الطغاة والفسدة والمفسدين.

Ahmedalwafd@yahoo.com