رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

اللهو الخفي

للمرة الأولى منذ أكثر من ثلاثين عاما يدلي رئيس مصر المخلوع بخطاب أراح القلوب.. خطاب صحح مسار الثورة.. وضع النقاط على الحروف.. وبالمصري " أول وآخر حسنة يعملها في حياته".

خطاب مبارك، رغم أنه أغضب المصريين أجمعين، وأنا معهم، إلا أنه ازاح الستار عن ألغاز كثيرة حاولنا حلها منذ تنحيه إلى يومنا هذا، بل كشف عن "اللهو الخفي" الذي لم يعرفه أي منا إلى أن خرج علينا بتهديداته ووعيده لكل من سولت له نفسه وتطاول على الأسرة الحاكمة.

مبارك بخطابه المسجل والمذاع من محطة فضائية غير مصرية، كشف لنا حقيقة الثورة المضادة، وكيف كان ومازال يديرها عن بعد، وكشف أيضا عن استمراره في ممارسة "ألاعيب شيحا"، فرغم أن صوته عكس الحالة المرضية التي يعيشها، إلا أنه مصر وللنفس الأخير على الخداع والكذب.

وإذا ما ربطنا بين خطاب مبارك، والقرارات التي أعلنها المستشار عبد المجيد محمود النائب العام بالتحقيق مع الرئيس المخلوع ونجليه علاء وجمال، من الممكن أن نلمس على الفور ما يحدث خلف الكواليس، فكما كان يتلاعب مبارك قبل التنحي بكروت التنازلات المتدرجة، والتي لم تفلح مع الشعب، عاد ليمارس هوايته، لكن هذه المرة بكروت مختلفة.. كروت الاستعطاف تارة، والتهديد والوعيد تارة أخرى، وكأنه كان على علم مسبق بقرار النائب العام، ومن الممكن أن يكون هذا الخطاب مسجل منذ أيام أو أسابيع، وتم تخزينه لإذاعته في الوقت المناسب، وهو أحد الكروت التي طرحها لجذب الاستعطاف والتهديد تزامنا مع تلاوة قرار النائب العام.

نشكرك أيها الرئيس المخلوع، وليس المتخلي عن منصبك كما أوردت في خطابك، عن إفصاحك على قيادة الثورة المضادة، ونشكرك أيضا على تأكيداتك بأنك لم ولن تتعلم من الدرس، ونحمد الله أنك لم تتغير، ألم يبلغك من أبلغك إن كان يبلغك الحقيقة، أنك أصبحت مكروها جملة وتفصيلا، ألم تعلم أن الشعب بأكمله لن يسامحك، هل مازلت تعيش في غيبوبة، فها هو زكريا عزمي بعيد عنك، مشغول بمصائبه، وعلى خطاه يسير خادمك الأمين صفوت الشريف، فمن الذي يضللك الآن، وإذا كان ما وصلك أن البعض يتهجم عليك ويتهمونك وأسرتك بنهب مصر وثرواتها، ألم يصل إلى مسامعك ما كتبه أو قاله ضدك من كانوا ينعمون ويسبحون في أنهار فسادك، بعد أن أنقلبوا عليك.

وبخلاف، ما عكسه خطاب مبارك عن تمسكه بعجرفته وتعاليه، عكس أيضا الخوف والرعب الذي ينتاب الرئيس المخلوع وعائلته حاليا، فيبدو أن إلقاء القبض على زكريا عزمي، ومحمد إبراهيم سليمان، وأحمد نظيف، واستدعاء صفوت الشريف، وزعزعة أوتاد فتحي سرور، ومن قبلهم من ضحى بهم في بدايات الثورة المجيدة، وكشف رؤوس الفساد واحد بعد الآخر، هزت أرض شرم الشيخ، ليظهر علينا مجددا، لكن بصورة أكثر خزيا عن خطاباته الشهيرة خلال الثورة.

وبقدر ما أصابتني كلماته الاخيرة بالغثيان، بقدر ما شعرت بسعادة بالغة بعد أن تدبرت ما قاله، فهو الآن في الرمق الأخير، وما يشاع عن قوته وقدرته على إدارة أمور البلاد حتى من مقر إقامته الجبرية، نسج من الخيال، ولا صحة له، بل قد يكون صناعة إعلامية مضادة لتخريب ثورتنا المجيدة، وأيضا جاء الخطاب ليؤكد الدور الكبير للمجلس الاعلى للقوات المسلحة في التصدي لمحاولة الرئيس الفاسد، فها هو يخرج من شرنقته في شرم الشيخ بعد أن أحس بجدية المجلس في التعامل معه بحسم وقوة، وسيأخذ دوره في الحساب مثله مثل من أعال في دولة الفساد، ونعتقد أن هذا الامر ما أزعج مبارك وعائلته كثيرا ليخرج علينا بكلماته المستفزة.

كما أخطأت في خطابك الأخير بخروجك علينا بالغباء الذي عهدناه فيك، نتوقع منك مزيد من الغباء والحماقة فيما تبقى لك من أيام في محبسك بشرم الشيخ، إلا أنك لن تفلح كما عهدناك أيضا، فقد كشفت عن نوياك بخطابك الأخير بوعيدك

وتهديدك للشعب، نعم تهديدك لجميع المصريين، فالجميع يكرهك ويكره أيامك حتى من كان في رحم أمه، وكشفت أيضا عن أنك من وقفت وراء اعتداءات جمعة التطهير، في محاولة للوقيعة بين القوات المسلحة والشعب، وهو ما نحمده لك، لانك بفعلتك هذه زدت من ثقتنا في قواتنا المسلحة، ومن جهة أخرى أنعشت الثورة مجددا، بل وحكرت الرأي العام لتتسارع وتيرة التعامل مع رؤوس الفساد.

كلمة أخيرة بعد أن كشف مبارك عن خيانته الواضحة لمصر والمصريين.. هل الثورة المضادة تدار من داخل مصر فقط، أم أن هناك أذرع لها في الخارج؟

هذا السؤال لا يمكن الإجابة عليه في الوقت الراهن، وستكشف الأيام المقبلة عن كامل مخطط الثورة المضادة، لكن يجوز لنا أن نحذر من أن هناك من يساعد مبارك في محاولته للإنقلاب على الثورة، أو حتى لإفلاته من يد العدالة، وليس حبا في شخص مبارك، لكن للاتسفادة من الجهتين، فرجوع مبارك للحكم، وهو أمر مستبعد تماما، مكسب كبير لمجموعة من المنتفعين، في مقدمته إسرائيل التي خسرت كثيرا بخلعه من الحكم، ومن جهة أخرى ففي محاولاتها بمعاونة بعض الدول لتأمين خروجه من مصر دون محاكمة، هو أيضا مكسب كبير لها فهي بذلك ستعمل على زعزعة الاستقرار بين صفوف الثوار والقوات المسلحة والحكومة، لتدخل مصر في دوامة ومتاهة تلهيها عن العودة لممارسة دورها الطبيعي في المنطقة، لتستغل الدولة الصهيونية هذه الاضطرابات لتحقيق مطامعها، وفي نفس الوقت يستفيد من يعاونها في ضرب مثل حي لشعوبهم عن الأثار المدمرة للثورات.

وفي النهاية، مازالت الثورة تمضي قدما، والمكاسب تتوالى، والتغيير الكامل قادم لا محالة، ولا مجال للتراجع، وما هي إلا أيام قليلة لتنزاح الغمة كاملة عن مصرنا الحبيبة، ولن يفلح مبارك وعائلته في ضرب وحدة الصف، فهو يتعامل الآن من منطلق من يغرق ويتعلق بقشة، وتهديداته لنا، ما هي إلا طلقات صوت، حتى أنه صوتها كان خافتا لم يسمع جيدا، ولم يؤثر على مسامعنا، بل زاد من حماس الثوار، وعزمهم على كنس كل رموز الفساد وما خلفوه من خراب، لتطوى صفحة حقبة من الظلم والطغيان، وتحال إلى مزبلة التاريخ.. وسؤالي هنا إذا كنا من دعاة الحفاظ على البيئة، ترى وحاولنا إعادة تدوير رموز الفساد ومخلفاتهم، كيف يكون شكل المنتج بعد تدويره؟ وفي نفس الاتجاه هل من الأفضل أن نصفح عن مبارك (نعيد تدويره) ونتركه يرحل في أمان شريطة أن يعيد ما نهبه وعائلته؟.. أم نحاكمه على كل ما اقترفه في حق الشعب؟