رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

خير الخطائين التوابون

انتظرت وانتظر معي لسنوات طويلة كل المصريين أن يأتي يوم الخلاص، لنبدأ عهدا جديدا يحاسب فيه المخطئ، ويثاب المجيد أو المحسن على ما قدمه.. وفي الخامس والعشرين ومع إندلاع ثورة الغضب، فرحنا جميعا، وتمنيت وتمنى معي كل مصري أيضا أن يبدأ فورا حساب كافة المفسدين، وأن يقتص منهم على الملأ، لنشفي غليل ثلاثين عاما، فدولة الظلم كان عمرها طويلا، والجرح غائر، ولن يندمل إلا ونحن نرى كل الفاسدين وقد تعفنت أجسادهم بعد تعليقها في ميادين عامة ليكونوا عبرة لغيرهم.

لكن.. وبعد اقتراب الثورة من إنهاء شهرها الثالث، وجدتني لا أقرأ أو أطالع إلا اتهامات متبادلة بين المصريين، لنبعد تدريجيا عن روح عشناها لثمانية عشر يوما، وبدلا من استغلال قوة الدفع الكبيرة التي أوجدتها الثورة بيننا، رجعنا خطوات كثيرة للوراء، وبدلا من الاحتفاظ بالأخلاق التي استردها المصري، عدنا مجددا إلى "خانة الصفر"، وانصرفنا عن التخطيط للمستقبل، وتحقيق الأهداف، فأصبحنا نعيش يوميا حروب كلامية طاحنة، ولم يسلم من الاتهامات الكثيرين، وتباينت لائحة الاتهامات من الخيانة إلى استباحة دماء الإبرياء، واستغلال المنصب والسلب والنهب.. وما أسهل إلقاء التهم في زمن تصعب فيه الرؤية، ونشك في كل من حولنا بل أصبحنا نشك في أنفسنا.

وقبل أن أتهم بتغير وجهتي، أؤكد أنني مازلت أولي وجهي صوب قبلة كل المصريين، ولم أتراجع عن موقفي ضد دولة الفساد التي ترعرت وكبرت في عهد مبارك وبطانته، لكن استوقفني أمران مهمان، الأول حديث المستشار جودت الملط إلى قناة الحياة منذ عدة أيام، فهذا الرجل الذي يشهد له تراب مصر بالنزاهة والشرف والجهاد والصمود في وجه عتاة الفساد، وجد نفسه متهما، والمطلوب منه أن يثبت ولائه وعدم خيانته للأمانة.

المستشار الملط الذي كان يحارب بسيف من خشب في وقت لم يجرؤ فيه أي من أشاوسة الكلمة على  التفوه بلفظ ضد النظام السابق، وبسيفه الخشبي هز عرش الفساد في أوقات كثيرة، ولم ييأس، ولم يمل، فهو إمام الصابرين، وواصل إلى أن جاء يوم النصر، وكأنه كان يعلم أن النصر آت لا محالة، ليضاعف من عمله، ولتزداد قوته، ليكشف لنا عن خبايا دولة مبارك للفساد.

فهل يستحق هذا الرجل المجاهد، والذي لا يملك سوى راتبه وبيته المتواضع بعد عمر أفناه في خدمة العدالة والوطن أن نتهمه في ذمته؟.. فمن يسترد له حقه المسلوب سواء في عهد دولة الفساد أو بعد أن تحقق النصر؟.. وهل جزاء الإحسان، الإهانة والمهانة؟

لا أعتقد أن المستشار الملط من الرجال الذين قد نشك فيهم ولو للحظة واحدة، فتاريخه كفيل بالرد على كل من كتب ضده، ولا نعتقد أيضا أنه قد أهين، بل العكس، فقد زاد احتراما، خاصة بعد حديث الدكتور عصام شرف رئيس الوزراء إليه واعتذاره له نيابة عن الشعب، ومطالبته بمواصلة الجهاد.

الأمر الآخر الذي استوقفني، الاتهامات المتبادلة بين كافة طوائف وتوجهات وملل الشعب، سواء كان هذا بطريقة مباشرة أو بتلميحات خبيثة، وأنصرفنا جميعا، بمن فيهم كاتب هذا المقال لكشف الخونة والعملاء، وأي كان الجرم الذي ارتكبه، لابد وأن يقتص منه، ولا يهم حجم ونوعية الجرم، المهم أن نشفي غليلنا، ويجب علينا القضاء على كل من تعامل مع النظام الفاسد من قريب أو بعيد، بل وصل الغل لدى البعض أن ساوى بين المشارك أو المسؤول عن موقعة الجمل والتي راح ضحيتها شهداء عدة، وبين أي شخص ألقى التحية على مبارك أو أي من أعوانه.

وتصاعدت الحروب الكلامية.. وإلقاء التهم دون سند أو دليل أصبح السمة الغالبة بين الجميع.. وبدلا من أن نبدأ في البناء، رأينا وجوه كثيرة جديدة ظهرت على الساحة في غفلة من الزمن، باعتبارهم من صناع الثورة، وفي المقابل خرج علينا قياديوا وأعوان الحزب الوطني وعملاء أمن الدولة لشن هجوم مضاد على الثورة، وأصبح الإعلام في أحيان كثيرة ساحة للحروب القذرة، يتهم فيها الشرفاء، ويمتدح عبرها أئمة الفساد.

وسؤالي هنا.. هل وصلنا بالثورة إلى مبتغاها؟.. وهل أرواح الشهداء أزهقت من أجل التشفي في مبارك وأعوانه؟.. وهل اكتفينا بالثأر وغضضنا الطرف عن مستقبل الحبيبة مصر؟.. وإذا كانت الثورة قامت لاسترداد الحرية المسلوبة، فلما التعامل بسياسة الرأي الواحد المتعنت.. أو من يخالف رأيي فهو عدوي؟.. ومن سيبني ويطور إذا كنا قد انصرفنا جميعا للعمل كمحققين أو قضاة نطالب بالقصاص حتى من مصر.. وأخيرا هل لو كان شهداء يناير بيننا الآن لكانوا تمنوا الشهادة من أجل حالة الفوضى العارمة التي نعيشها حاليا؟

وأكرر هنا.. أدعو المجلس الأعلى للقوات المسلحة وحكومة الدكتور شرف للاستمرار في كشف دولة الفساد ومحاسبة كل من يثبت تورطه في خيانة البلد، والثأر من كل الأيادي الملطخة بدماء الأبرياء؟

لكن هل من المنطق أن ننصرف جميعا للبحث عن الفاسدين

وترك ميادين البناء والعمل.. ولمصلحة من ما نراه الآن.. فهل حالة الفوضى الحالية من بين مخططات الثورة المضادة للدخول بمصرنا الحبيبة إلى نفق مظلم لا يعلم خباياه إلا الله.. وهل من العدل مساواة الاتهامات بين عامل أو موظف بسيط قدرت له الظروف أن "يسترزق" من نظام الفساد لسد جوع من يعول، وبين فسدة بحجم أحمد عز والمغربي وجرانة وصفوت الشريف وزكريا عزمي؟

ولتوضيح هذا الأمر، تعالوا معي نستعرض فئات الشعب المصري قبل وبعد الثورة، سنجدهم ثلاث فئات في الحالتين، الأولى هي فئة الصالحين، وهم قلة في عهد الفساد، وزادوا قليلا بعد الثورة، والثالثة فئة الشياطين، وهي المجموعة الأكبر حجما نسبيا من فئة الصالحين، واستفادت كثيرا من النظام الفاسد وأياديها ملطخة بالدماء، وإلى الآن تفوق عدد الفئة الاولى، أما الفئة الثانية، فتمثل المنطقة الوسطى، وأغلب منتسبيها كانوا من الحائرين بين الفئتين، إلا أنهم أضطروا في أحيان كثيرة للإنجراف باتجاه الفئة الثالثة، لأسباب كثيرة، من بينها ضعف النفس البشرية، أو صعوبة الحصول على رزق كريم، وأمور اخرى كثيرة زرعها نظام مبارك لتطليخ أكبر عدد ممكن من البسطاء بالعار وتجنيدهم كعسكري صف في الفئة الثالثة.

إذا.. هناك من أجبر على الدخول إلى منطقة الفساد، ونعلم أنه يجب محاسبته، بدليل أن هناك من قاوم وحارب مغريات الفاسدين، وظل على موقفه، وقاوم ظروف صعبة، ليخرج من هذه المعركة بيديه ناصعة البياض، ولم تلوثها أموال الفساد.. لكن هل يستوي غالبية منتسبي الفئة الثانية، مع أعضاء الفئة الثالثة.. بل هل يستوي منتسبي الفئة الثانية فيما بينهم.. وإذا كان الله سبحانه وتعالى قد أمرنا بالعفو ومنح فرص التوبة، فلما لا نطبق شرع الله في من أجبر على الدخول إلى هذه الفئة، وإذا كان رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم قد قال كما روي عنه في حديث شريف "كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون"، أو كما قال سيدنا عيسى أبن مريم عليهما السلام "من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر".. فهل نحن جميعا بلا أخطاء، وإذا كان الخطأ يزول بمجرد التوبة والرجوع إلى الله والندم على ما بدر، فأين المغفرة.. بل هل يجرؤ أحد منا على قذف السيدة العذراء بحجر؟!

من المؤكد أن الذنوب لا تتساوى، وأيضا باب التوبة مفتوح لمن يحملون آثام بسيطة يمكن غفرانها طالما هناك نية صادقة للرجوع عن الخطايا والعزم على السير في ركاب الصالحين، وبدلا من أن نواصل شن هجوم على كل موظفي وعمال الدولة، فلما لا تقبل توبتهم ويمنحون فرصة جديدة للتعايش، فكما أجبروا على العيش في مناخ الفئة الثالثة، من المؤكد أنهم سيتعايشوا مع فئة الصالحين إذا كان المناخ مهيئا لذلك، ومن المؤكد أنهم لن يفكروا في الرجوع إلى الشيطان، فذنوبهم يمكن غفرانها.. والأهم من ذلك، هل من الصالح ترك ساحة البناء والتعمير وإعادة التأهيل خاوية على عروشها بدون سواعد تعمل على تحقيق الأحلام؟.. أو أن يتفرغ أهل مصر للمحاسبة والقصاص.. ونؤكد مجددا أن فتح باب التوية لا يعني قبول توبة الشياطين.. فالشياطين لا عهد لهم ولن تقبل توبتهم حتى ولو كانوا صادقين.