رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

تهم منسية لمبارك

عندما اعترف الرئيس الراحل جمال عبدالناصر في خطابه الشهير في التاسع من يونيو 1967 عن تحمله المسؤولية كلها، في الهزيمة التي ألمت بالجيش المصري فيما عرف بـــ "نكسة يونيو"، استأذن الشعب في التنحي،

وتركه العمل السياسي، والعودة إلى صفوف الجماهير لتأدية واجبه كأى مواطن مصري، وما تبع ذلك من تظاهرات شعبية طالبته بالتراجع عن قراره، كان أشهرها تظاهرات الإسكندرية.
وأيا كانت نوايا الرئيس عبدالناصر حينها، فهو تصرف من موقع المسؤولية، ووجد أنه لا مفر من التنحي، ولابد من المواجهة والاعتراف بالخطأ، ونجح باقتدار في تهدئة الشارع المصري، بل وزاد شعبية وتعاطفا، لينقلب الحال من حال بعد هذا الخطاب الشهير.
وإذا ما ابتعدنا قليلا عن أحداث النكسة وما تبعها، ونظرنا إلى محاكمة الرئيس المخلوع وأعوانه فيما يعرف بأسم موقعة الجمل، ومن المسؤول عن الأمر بإطلاق النار على المتظاهرين، نجد أن الاتهامات تنحصر فقط في شخصية صاحب قرار إطلاق النار على المتظاهرين، ولم نسمع مطلقا عن مسؤولية كبار المسؤولين في الثامن والعشرين من يناير الماضي عن المجازر التي مارسها جهاز الشرطة وقتل ما يقرب من الألف مصري.
منذ أن بدأت محاكمة مبارك وأعوانه والاستماع لشهادات شهود الإثبات في قضية قتل المتظاهرين خلال ثورة 25 يناير، لم نسمع إلا عن تهمة من إصدر أوامر بالقتل.. فهل مسؤولية مبارك ومن لهم حق اتخاذ القرار في سلطته تنحصر فقط في إصدار أوامر القتل من عدمه، ولما لم توجه أي اتهامات لمبارك وأعوانه بالتقصير في اتخاذ القرارات اللازمة لوقف قتل المتظاهرين.
شهادة الشهود إلى الآن تدور فقط حول هل مبارك من أصدر الأوامر بقتل المتهمين، وهو أمر يصعب إثباته، فقد تكون تلك الأوامر عبر الهاتف، أو مباشرة وشفهية، وأيضا لمن كان سيعطي مبارك أوامره بالقتل سوى أعوانه في النظام، سواء كان حبيب العادلي أو غيره من المسؤولين حينها.
الشهود السبعة الأوائل من إجمالي تسعة شهود، لم تتضمن شهاداتهم أي إشارات على صدور أوامر من وزارة الداخلية بالتعامل بقوة مع المتظاهرين، فمنهم من قال إن اللواء أحمد رمزي رئيس قطاع الأمن المركزي أمر قواته بأن يتعاملوا مع المتظاهرين بعيدا عن إطلاق النار.. إلا أن من بينهم من أكد إن العادلي أمر قيادات الداخلية بالتعامل بقوة تصل إلى إطلاق الرصاص على المتظاهرين في الاجتماع الذي عقده بهم قبل جمعة الغضب 28 يناير، مثل الشاهد الثامن المقدم عصام شوقي، والذي جمع معلوماته من مصادر في وزارة الداخلية، وأنه شاهد قتل المتظاهرين على "الفضائيات.. وأيضا شهادة الشاهد التاسع اللواء حسن عبدالحميد الذي قال إنه حذّر العادلي من التعامل بقوة مع المتظاهرين، وأكد رفضه الدفع بالأمن المركزي في مواجهة حشود المتظاهرين المتوقعة في ميدان التحرير، وأن اللواء رمزي قال إنه مستعد لتطبيق الخطة رقم 100 وما هو أقوى منها لمواجهة المظاهرات، ولكنه عندما تلقى سؤالا مباشرا من المستشار رفعت رئيس المحكمة حول صدور أوامر بضرب الرصاص، قال إنه لم يسمع هذا الأمر.
ولا نعلم إلى الآن ما أدلى به الأربعة الكبار من شهادات سواء اللواء عمر سليمان أو اللواء محمود وجدي واللواء منصور العيسوي، وحتى المشير محمد حسين طنطاوي، إلا أن التسريبات تشير في مجملها أن شهادتهم جاءت في صالح الرئيس المخلوع وأعوانه، بما يعني أنهم ليسوا مدانين بإطلاق

الرصاص على المتظاهرين بحكم القانون.
ولا نعلم لماذا لم يتم إلى الآن سؤال أي من المتهمين عن مسؤوليته في السكوت أو عدم التصرف لوقف المجازر يوم 28 يناير، فقد اعترف مبارك في أكثر من تسريبات صحيفة لم يتم نفيها على الإطلاق، بل أكدها أكثر من "منافق" لحكمه، أنه لم يعلم بأمر موقعة الجمل وقتل المتظاهرين إلا من خلال مشاهدته لأحداث المعركة من خلال متابعته للتلفزيون، معربا عن اندهاشه لما شاهده، فأين دوره كرئيس للجمهورية، ولما لم يحرك ساكنا وظل يتابع التلفزيون وكأنه يشاهد مبارة لكرة القدم، ولما لم يأمر بعزل العادلي في حينها إذا كان هو من تصرف من تلقاء نفسه دون الرجوع إليه، وما هي حقيقة الفراغ الأمني الذي حدث يوم 28 يناير، وهل كان متعمدا أم لا علم له به أيضا، ومن المسؤول عن الفوضى الأمنية وما تبع ذلك من أعمال سلب وقتل ونهب، ومن الذي أمر بفتح السجون لهروب المساجين المنتشرين حاليا في الشوارع.
الأسئلة السابقة من الممكن أن تكون اتهامات مباشرة لمبارك في المقام الاول ومن ثم أعوانه، فإذا كان مبارك على وشك الإفلات من عقوبة إصدار الاوامر بقتل المتظاهرين، فلما لا توجه له اتهامات بالإهمال الجسيم الذي أدى إلى استشهاد نحو 850 مواطنا، وإذا كان قد شاهد أحداث القنل بعينه، فهل السكوت عن التدخل هنا مشاركة في جريمة القتل؟
وإذا ما رجعنا إلى الزعيم عبدالناصر، فإذا كان مبارك قد علم بكل تلك الأمور، فلما لم يتنح من منصبه، وجميعنا يذكر خطابه الشهير فجر 28 يناير والذي كان يستعطف فيه الناس، واستمر في المماطلة إلى يوم 11 فبراير، بما يعني أنه كان على علم بمجزرة المصريين في التحرير وغيرها من المدن، ولم يتحرك، بل كان يتابع ويشاهد فقط.. أي رئيس دولة هذا الذي يرى شعبه يقتل ويكتفي بالمتابعة عبر شاشات التلفزيون.. أدعو أهل القانون البررة إلى إعادة توجيه الاتهامات إلى مبارك واعوانه لتشمل الإهمال والتراخي في اتخاذ القرار والتسبب المباشر في قتل المتظاهرين، وإنفلات الأمن، وفتح أبواب السجون، وما إلى ذلك من أمور غير إصدار أوامر بقتل المتظاهرين.
رحم الله الشهداء.. وألهمنا الصبر والسلوان.