عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

لواء طه غلوش يكتب: أبو كريم والجنزورى

كان الكاتب الصحفي الكبير سعيد عبد الخالق «أبو كريم» رحمه الله يؤدي واجب العزاء بمنطقة مصر الجديدة، ومر علىَّ لزيارتي بمنزلي بمدينة نصر، وفي حوار سياسي معه وجدته غاضباً وساخطاً على الرئيس

السابق حسني مبارك، خاصة بعد إقالته حكومة الدكتور كمال الجنزوري بطريقة غير لائقة، وبالمناسبة أذكر وأنا عضو بمجلس الشعب، وفي الفصل التشريعي السابع «1995 - 2000» كان الرئيس السابق على موعد لإلقاء خطابه السنوي في افتتاح الدورة البرلمانية عام 1999، وقبل وصول الرئيس السابق للمجلس كنا نحن نواب مجلس الشعب جميعاً نعرف بإقالة حكومة د. الجنزوري وتكليف الدكتور عاطف عبيد لرئاسة الحكومة (وهنا أكاد أقطع أن مصر كلها في هذا اليوم كانت تعرف بإقالة د. الجنزوري إلا هو)، وبعد مراسم استقبال الرئيس السابق بالمجلس بحضور الدكتور رئيس مجلس الشعب والوكيلين والأمين العام والدكتور الجنزوري رئيس مجلس الوزراء دخل الجميع صالون الرئيس، ومنه عرفنا فيما بعد بغلظة قول الرئيس السابق للدكتور الجنزوري ونقده لأداء حكومته لدرجة الهجوم، وخاصة في عرقلته لمسيرة خصخصة المشروعات الكبرى، ثم دخل الرئيس السابق وألقى خطابه وانصرف وخلفه الدكتور الجنزوري ووزراؤه عدا الدكتور عاطف عبيد الذي تمهل لتلقي تهنئة النواب لرئاسة الحكومة.
وفي اطار حواري مع صديقي المرحوم أبو كريم، وأنا أقص عليه المشاهد سالفة الذكر قال لي: مصر خسرت الجنزوري يا عم طه، الجنزوري في عامه الأخير أصبح مغضوباً عليه من رئاسة الجمهورية وأسرتها، وبدا يروي لي بعض أسباب إقالة الجنزوري، وهى كثيرة وعديدة أذكر منها ما يلي:
أولاً: في صيف 1999 كان «بارك» رئيس وزراء اسرائيل يزور مصر حيث كان الرئيس السابق مقيماً في قصر رأس التين بالاسكندرية، وكان على الدكتور الجنزوري أن يستقبل الضيف بمطار النزهة استقبالا رسمياً وفقاً لأصول المراسم، واصطحابه للرئيس في قصر رأس التين، وبه فوجئ الدكتور الجنزوري بمنعه من الدخول مع باراك بهو الرئيس السابق، حيث من المقرر أن يكون الاجتماع بينهما مغلقاً، وهنا صاح الدكتور الجنزوري وغضب وهاج وماج رافضاً هذا الأسلوب صارخاً «أنا رئيس حكومة مصر مش تشريفاتي» وهنا تدخل الدكتور زكريا عزمي محاولاً تهدئة الدكتور الجنزوري الذي ظل غاضباً تاركاً قصر رأس التين رافضاً الانتظار لحضور مأدبة الغداء.
ثانيا: في أحد الأيام تلقى الرئيس السابق تقريراً من أحد الاجهزة الرقابية على اتساع حجم النشاط الاستثماري لزوج كريمة الدكتور الجنزوري، بالمقارنة لفترة سابقة لتولي الدكتور الجنزوري رئاسة الحكومة، وهنا وجه الرئيس السابق بتكليف الدكتور أسامة الباز مستشار رئيس الجمهورية بالتوجه الى مجلس الوزراء ومقابلة د. الجنزوري لاطلاعه على ما جاء بهذا التقرير، وبعد اطلاعه عليه قال: (جرى ايه يا عم أسامة، هو جوز بنتي بس اللي بيشتغل «بيزنس»، زوج بنتي بيشتغل من أكثر من عشر سنوات ولم يستغل نفوذي «شوفوا نفسكم» وأحسن حاجة حولوا التقرير للنيابة العامة علشان نشوف مين اللي بينهب في البلد) وخرج د. اسامة الباز مبهوراً مذعوراً، وطبعاً الأمانة تحتم عليه أن يقول للرئيس السابق ما صدر عن الدكتور الجنزوري أو على الأقل بالتلميح لما حدث.
ثالثا: قص علىَّ أبو كريم رحمة الله عليه هاتين الواقعتين وهو متألم على حال مصر ومستقبلها قائلاً: بكره تشوف حذف اسم وصور الدكتور الجنزوري من أرشيف صور لقاءات رئيس الجمهورية السابق، مع توقف المشروعات الانتاجية المهمة التي بدأها د. الجنزوري في سيناء وتوشكي وخليج السويس وغيرها، فضلاً عن قيام د. عاطف عبيد ببيع مصر تحت ستار الخصخصة بأبخس الأسعار - وهنا روي لي «أبو كريم رحمه الله» كيف بدأ جمال مبارك حياته العملية بنهب ديون مصر إبان عمله بأحد

البنوك الأجنبية.
رابعاً: مرت الأيام والسنون وفجر «أبو كريم رحمة الله عليه» قضية الفساد الكبرى بعد أن ثبت لديه بالمستندات القاطعة تورط أحد رؤساء وزراء مصر وبعض معاونيه في تقاضي عمولات من الشركة الألمانية للسيارات الكبرى بالاشتراك مع بعض رجال أعمال أجانب «أمريكان، وألمان» في التحقيقات التي تولتها الجهات الأمريكية، وأبلغ «أبو كريم رحمه الله» النائب العام المصري الدكتور المستشار عبد المجيد محمود الذي تولى التحقيق، وخلال تناول الصحف هذه المفسدة حاول البعض بالصفراء منها بطريقة التلميح والاشارة للدكتور الجنزوري والزج باسمه في هذه القضية، فغضب أبو كريم وحزن قائلا «قطع لسان من يزج بالدكتور الجنزوري في أي فساد حتى ولو مخالفة مالية، فسمعته ناصعة بيضاء وأشرف من الشرف وأنظف من الصيني بعد غسيله»، وفي الأسبوع التالي كتب مقالاً بالوفد يؤكد فيه براءة د. الجنزوري من أي فساد، براءة الذئب من دم ابن يعقوب، بل اعتاد التصدي له فأغضب الغالبية منه.
خامساً: كلما كنت أجلس مع صديقي العزيز أبو كريم رحمه الله في العشرين عاماً الأخيرة، كان يتوقع كل يوم قيام ثورة الجياع للخلاص من حكم الرئيس السابق، وكان يروي لي أحداث أديس أبابا، وسيدي براني، وأي محاولة اغتيال أعلن عنها أو ظلت في طي الكتمان، متمنياً نجاح المحاولة التالية بإذن الله، إلا أنه عاد أخيراً وبعد أن لاح في الأفق التأكيد حول توريث الحكم لجمال مبارك، فكان يقول: يارب ثورة جياع أو ثورة جيش، حتى ولو بقاء حسني مبارك، لأنه مهما كثرت وتعددت عيوبه فهو أرحم من التوريث لولده جمال ووالدته.
سادساً: قامت ثورة 25 يناير من شباب مصر كما كنت تتوقع وتتمنى يا أبو كريم، والحديث مع ولدك المهندس كريم دائما حول صحة توقعاتك لهذه الثورة، فنزداد حزناً على فراقك، وخاصة أن القدر حرمك من رؤياها بوفاتك قبل قيام هذه الثورة البيضاء العظيمة بثلاثين يوماً فقط.
في ذكراك نقول: نم قرير العين فقد قامت الثورة كما توقعت دائما.
وفي ذكراك: عاد الجنزوري للاصلاح في وقت يحتاج الوطن فيه الى الإنقاذ وهنا أؤكد أنه كان في حاجة الى الشجعان أمثالك في مواجهة الشقق الفضائية المفروشة لبعض الأجانب ورجال الخليج.
وفي ذكراك: أقول لك حدث ما توقعت، وفي ميزان حسناتك ما قدمت لحزبك ووطنك من جهد مسجل في محاربة الفساد والمفسدين.
رحمك الله يا أبو كريم وطيب ثراك، وإنا لله وإنا إليه راجعون.