رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أعداء الدين يعبدون الله في الميدان!

كاميرات الفضائيات لا تكذب، تلتقط على الهواء ما يحدث على أرض الواقع. تعالت الهتافات في ميدان التحرير مطالبة برحيل نظام الدكتور محمد مرسي وإخوانه ممن يرفعون شعار الإسلام. «مرسي» وإخوانه وصفوا من يعارضهم بأنهم من الكفار، لا يريدون إقامة شرع الله على الأرض، يحاربون الإسلام علانية ويرفضون دين الله،

ولأنهم يفعلون ذلك فإنهم إن هاجمهم أنصار «مرسي» وقتلوهم فإن مصير المقتولين إلى النار، هكذا أفتى فقهاء السلطان، أعادوا إلينا العصور الوسطى في أوروبا عندما كان القساوسة ورجال الدين المسيحيون يبيعون الجنة للناس بصكوك يسمونها «صكوك الغفران». فقهاء «مرسي» يفعلون الشيء نفسه، يدَّعون أنهم يمتلكون الحقيقة، قسموا أرض الجنة حسب أمزجتهم، واحتفظوا بالقصور لأنفسهم كما احتفظوا بها في الدنيا، لم يخجلوا من الله، وصلت بجاحتهم إلى حد محاولة سرقة جزء مما اختص الله به نفسه، لقد أفرد خالقنا عز وجل نفسه بحق توزيع رحمته على من يشاء، بفضله وعدله يوزع الخلائق على الجنة والنار، ليس من حق أحد في الكون أن يختص بهذا الحق، حتى أن أكثر الصحابة قربا من الرسول صلى الله عليه وسلم لم يضمنوا دخول الجنة رغم أنهم تلقوا البشارة بها ولقبوا بالمبشرين بالجنة، ومنهم الخليفة الأول أبوبكر الصديق الذي قال: «والله لو أن إحدى قدمي في الجنة والأخرى خارجها ما أمنت مكر الله, لأنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الكافرون»، وذلك رغم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «أنت صاحبي على الحوض وصاحبي في الغار» رواه الترمذي، وقال عنه أيضا: «لو كنت متخذًا خليلًا لاتخذت أبا بكر خليلًا» رواه البخاري ومسلم.
في ميدان التحرير، كما في غيره من الميادين الأخرى، تعالت الأصوات تدعو إلى الخلاص من حاكم رفع شعار الدين وأثبتت سنة كاملة أنه يخالف تعاليمه، قدم الوعود قبل انتخابه لكنه أخلف كل شيء، اختطف المناصب والمغانم لأصحابه ومواليه لتغيب قيمة العدل التي أرساها الإسلام، ترك الأسعار تشتعل وتثقل كاهل المواطنين لتختفي أهم ميزة في حكام الدول المتقدمة، وهي تحقيق الرفاهية والعيش الكريم لأبناء الوطن. وبهذا خالف أول رئيس منتخب العهد والميثاق الذي وعد بتحقيقه، وهو شعار الثورة «عيش.. حرية.. كرامة اجتماعية» ليسلب الناس لقمة العيش ويزج بهم في السجون وينتهك كرامتهم، لذا استحق أن يخرجوا عليه ويخلعوه.
الكاميرات تسلط أضواءها على الميدان، فجأة تنخفض أصوات الهتافات، ثم تختفي تماما، ولا يرتفع سوى صوت واحد هو

صوت الأذان معلناً أن «الله أكبر من كل حاكم ظالم ومن كل فقهاء السلطان الذين ينحرفون بالدين لخدمة المصالح والأغراض الدنيوية ويخدعون أتباعهم ويقودونهم إلى سفك الدماء التي حرمها الله». ينتظم الثائرون المتمردون في صفوف متراصة خلف إمام يؤدون صلاتهم خاشعين متوسلين إلى الله أن يخلصهم من حاكم يريد أن يستعبدهم ويقهرهم ويسرق قوتهم باسم الدين، ويدعون الله أن يتولى أمر مصر حاكم عادل يعرف قدرها عند رب العالمين الذي ذكرها في القرآن الكريم.
هل يتصور عاقل أن تكون هذه الجموع التي تعبد الله في الميدان كافرة أو أنهم أعداء الدين؟ إنهم يعبدون الله بلا شعارات أو زيف أو ادعاء، يخلصون العبادة لله ثم يتوجهون لإعمار الدنيا، لا يحبون النفاق أو الظهور بمظهرين، مظهر الداعي إلى الله، ومظهر آخر هو مظهر الحريص على بناء القصور والتكالب على ملذات الدنيا، والأخيرون هم فقهاء السلطان الذين انتقدهم عبدالرحمن الكواكبي في كتابه الشهير «طبائع الاستبداد»، وأشار إلى أن الاستبداد الديني من أشد أنواع الاستبداد، وأنه يخدم المصالح الخاصة، ولا يتفق مع الإسلام الذي «نزع كل سلطة دينية أو تغلبية تتحكم في النفوس أو في الأجسام».
فرق كبير بين من يستخدمون الدين أداة لتحقيق المصالح، ومن يعبدون الله بفطرتهم النقية، يبتهلون إلى الله بكلمات بسيطة أن يحقق العدل والرخاء والأمن لوطنهم، وأن يجنب مصر شر العقول المتحجرة التي لا تنفتح على الدين، وتحصره في أفكار قليلة تدعو إلى الجمود والتخلف، وتنسى أن هذا الدين يدعو إلى بعث الحياة في الكون ونشر الحيوية في الوجود (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً).
[email protected]