سر زوال أنظمة الحكم
عندما جاء نابليون بونابرت إلى مصر على رأس الحملة الفرنسية فى شهر يولية عام 1798، أرسل منشورا إلى المصريين وعدهم فيه بنشر المساواة وعدم الظلم، ووجه الانتقادات إلى المماليك الذين استولوا على خيرات البلاد. لكن «نابليون» لم يحمل للمصريين سوى الشعارات، لم يكن هدفه خدمة المصريين أو رفع الظلم عنهم، وإنما كان هدفه أن تكون مصر وسيلة
لزيادة موارد فرنسا الاقتصادية وتوسيع مستعمراتها. لم ينعم المصريون بالأحلام الوردية التى أطلقها «نابليون»، لم ينتظر الفرنسيون طويلا، ففى أقل من ثلاثة أشهر سعوا إلى جنى الأموال من المصريين، فرضوا ضرائب ورسوما لم يكن لأهل البلد عهد بها، استحدثوا إجراءات جديدة، منها إلزام الناس بتسجيل العقارات وشهادات الميلاد والطلاق، واستخراج تراخيص لمزاولة المهن، وكل ذلك مقابل أموال يحصل عليها الفرنسيون، مما أشعل غضب المصريين فاشتعلت ثورة القاهرة الأولى فى شهر أكتوبر عام 1798، أى بعد نحو 3 أشهر فقط من قدوم الحملة الفرنسية.
لم تهنأ الحملة الفرنسية بالفترة التى قضتها فى مصر، واضطرت –فى النهاية- إلى الرحيل، لأنها لم تنشر العدل والمساواة، وهما الشعاران اللذان رفعتهما فى البداية، وكان جزاؤها غضب المصريين وثورتهم عليها وإجبارها على مغادرة مصر غير مأسوف عليها، لأن المصريين لا ينخدعون بالشعارات، وينتظرون فترة من الزمن لاختبار الشعارات والأقوال، فإن وجدوها صادقة رضوا عن حكامهم، وإن وجدوها خادعة انقلبوا على أصحابها.
العدل فى اللغة يعنى أن تكون الأمور مستقيمة، تقوم على ميزان يراعى عدم الميل إلى اليمين أو اليسار، وإنما المساواة بين الجميع، بحيث تكون الأمور مستوية، فيتحقق الرخاء فى المجتمع. وبالعودة إلى معجم «تاج العروس» للزبيدى نجد أن «العَدْل: ضِد الجَوْرِ، وهو مَا قامَ فى النُّفُوسِ أَنَّهُ مُسْتَقِيمٌ وقيلَ: هو الأَمْرُ الْمُتَوَسِّطُ بينَ
نسى الإخوان أن الله أمر بالعدل بين الناس، وأنه حذر من عاقبة سرقة حقوق الناس، حيث قال سبحانه وتعالى: (وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِى الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) الشعراء: 138.
لن يهدأ المصريون حتى يقتلعوا حكم الإخوان من جذوره. وقد غابت الفطنة عن الجماعة عندما نسيت أن جذورها فى المجتمع المصرى قصيرة جدا، وبدلا من تثبيت هذه الجذور انشغلت بمحاولة قطف الثمار قبل أوانها، لتضعف الجذور ويسهل انتزاعها. ولن يقف أمام إرادة المصريين شيء، لأنهم لن يرضوا بتكرار تجربة «مبارك». الزمان لا يرجع إلى الوراء، ولكن الأغبياء لا يفقهون.