رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

التدين المقلوب

من يقرأ ما كتبه الإمام محمد عبده عن صفات المسلمين في عصره قبل أكثر من مائة عام يدرك أن شيئا لم يتغير، بل إن المقارنة قد تقودنا إلى الحكم بأننا صرنا في حال أسوأ مما وصل إليه من كانوا قبلنا بما يزيد على قرن كامل. نفهم من كلام الإمام في كتابه «الإسلام دين العلم والمدنية» أن المسلم اكتفى من الإسلام بالاسم،

وأنه ظن أنه أفضل من باقي البشر بانتمائه إلى هذا الدين، دون أن يغوص في تعاليمه ويفهم مقاصده ويحولها إلى واقع على الأرض يتناسب مع ما وصلت إليه البشرية من تطور. يشير الإمام إلى أن الدين «انقلب في عقل المسلم وضعه، وتغير في مداركه طبعه، وتبدلت في فهمه حقيقته، وانطمست في نظره طريقته، وحق فيه قول علي كرم الله وجهه: (إن هؤلاء القوم قد لبسوا الدين كما يلبس الفَرْو مقلوبا)».
أجد في كلمات الإمام محمد عبده نبرة حزن وأسى لما وصل إليه الدين في عصره، فقد تحول إلى مجرد عنوان ومظاهر خارجية، لكن الدين بعمقه وسموه وارتقائه بالإنسان ودفعه إلى إعمار الأرض والتماس القوة من الله في نشر الخير والعلم والمعرفة واستخراج ما في الكون من ثروات ظاهرة وغير ظاهرة فإنه غير موجود. لقد أخذ كثير من المسلمين من الدين الالتزام بالعبادات والمظاهر الخارجية، ونسوا أن الكثير من آيات القرآن الكريم دعا إلى «التفكر» في الكون من أجل تلمس الإشارات التي تدفع إلى استخراج ما فيه من كنوز أو الوصول إلى اختراع جديد يفيد البشرية. لقد كان صحابة النبي صلى الله عليه وسلم والأجيال التالية لهم رمزا للحيوية والنشاط، أخذوا الدين كله جملة واحدة، لم يقتصروا على جزء العبادات، وإنما أخذوا منه المعاملات وانكبوا على العلوم المختلفة يبحثون ويصلون إلى الجديد، واستطاعوا خلال مدة وجيزة، بالقياس إلى عصرهم، أن يقدموا إنجازات هائلة في علوم الدين وعلوم الدنيا، وكانت النتيجة أن أضاءوا الدنيا بنور العلوم، واستطاعوا أن يخرجوا الشعوب الأخرى من العبودية إلى التحرر. فهموا الدين فهما حقيقيا فامتلكوا الدنيا من مشرقها إلى مغربها، وانتشر الإسلام بين الناس بسرعة البرق، وانضم إلى العرب علماء من الأقطار الجديدة التي فتحها الإسلام، تدبروا في آيات القرآن الكريم وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم فوجدوها دافعة إلى العلم والعمل، فانطلقوا بروح الإسلام يواصلون الليل بالنهار، ويقدمون للعالم ثمرات أعمالهم.
هذا حال المسلمين في الماضي، أما اليوم فقد صار الإسلام لدى البعض جلبابا وغطاء للرأس ولحية قد تقصر أو تطول حسب اعتقاد صاحبها. تحول الإسلام إلى مجرد مظهر، وإن نظرت إلى تعداد

المسلمين في العالم تجد أنهم وصلوا إلى نحو مليار ونصف المليار مسلم، لكنهم «غثاء كغثاء السيل»، لا يتذكرهم العالم إلا عند وقوع حادث إرهابي، فتتوجه الأبصار إليهم وتترسخ الصورة المغلوطة عن الإسلام بسبب عقوق المنتمين إليه، وتكاد تكون نظرة الأمم الأخرى إلى المسلمين هي نظرتهم إلى «الشعوب البربرية».
ما وصلنا إليه يتحمل جزء كبير منه قطاع كبير من هؤلاء الأشخاص الذين نصبوا أنفسهم دعاة للدين، يأخذون من النصوص بعضها ويتركون البعض الآخر، ليجعلوا من الدين نصوصا جامدة تقف بنا عند القرون الأولى رغم أن الأحوال تغيرت ولم يعد عصرنا مشابها لعصر القدماء. وما يحزنك حقا أن القدماء كانوا على استعداد للتطور أكثر منا، ويكفي أن نضرب مثالا لهذا الإمام الشافعي الذي طور مذهبه الفقهي بعد وصوله إلى مصر لكي يتناسب مع أحوالها. لقد أشار الإمام محمد عبده إلى هذا الصنف من الدعاة المحدثين الذين يكتفون بجزء من العلم عندما أشار إلى أن تحصيل العلم لدى الواحد منهم يعني «أن ينظر في كتب مخصوصة عينها له الزمان وضعف العرفان، ويفهمها بمعنى أن يثق بأن هذا اللفظ دال على ذاك المعنى، ومتى تم له ذلك فقد استكمل العلم سواء سلم له عقله ودينه وأدبه أم لم يسلم، فكان مثلهم مثل من ورث سلاحا، فكان همه أن ينظر إليه ويملأ عينيه منه، ولا يمد يده إليه يستعمله أو يزيل الصدأ عنه، فلا يلبث أن يأكله الصدأ ويفسده الخبث». حقا، إن هؤلاء يقدمون لنا خطابا ولغة لا يتناسبان من العصر، بل إنهم عندما أرادوا أن يبينوا لنا أنهم جزء من عصرنا ظهروا على الفضائيات بالشتائم والسباب لكل من يخالفهم الرأي، فقدموا أسوأ صورة عن الدين.

[email protected]