رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

قصة رشاوي دفعها "مبارك"!


في الحلقة الثامنة عشرة من السيرة الذاتية للناقد الدكتور أحمد درويش، والتي نشرتها مجلة الهلال في عدد شهر مارس 2011، روي أنه في أواخر عهد الرئيس الراحل أنور السادات، زار نائبه حسني مبارك باريس، والتقي مجموعة صغيرة من المبعوثين كانوا علي وشك الانتهاء من دراساتهم. يقدم "درويش" شهادته عن اللقاء، مشيرا إلي أن المبعوثين تعرضوا لبعض المشاكل التي جعلتهم يترددون في العودة إلي مصر، ومنها غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار، وأوضح أحد المبعوثين أن متوسط سعر كيلو اللحم يبلغ اثني عشر جنيها، وأن هذا المبلغ يكاد يبلغ خمس مرتب المبعوث العائد. وجاءت ردود "مبارك" لتدل المبعوثين علي وسيلة التكيف مع الحياة في مصر، يقول الدكتور دوريش في سيرته الذاتية: "وهنا انبري سيادة النائب لكي يفند هذه الشائعات، ولكي يبين أن الذي يعيش في مصر، ينبغي أن يفتح عينيه ويكبر رأسه، لكي يتمكن من تدبير أموره بسهولة، وضرب مثلاً واقعياً بأسعار اللحوم، وحكي عن تجربة شخصية له، فقال إن أحد أصدقائه أخبره أنه توجد "لحمة لوز" في الجمعية التعاونية بسعر خمسة جنيهات للكيلو فقط، وعندما أظهر له تخوفه من أن تكون مزيجا من اللحوم والدهون، طمأنه صديقه بأنه يعرف جزار الجمعية، وأنه لو دس في يده مبلغا معقولا يستطيع الحصول علي "قطعية لوز" بثمن رخيص، فقال له سيادة النائب- قبل أن يكون نائبا بالطبع- "إيدي علي كتفك"، وذهب معه إلي الجمعية، فعرفه علي الجزار، وبدأت علاقة تفتيح العيون وتكبير الرؤوس وتقديم "الإكرامية" والحصول علي "اللحمة اللوز". وينقل الدكتور درويش رد فعل المبعوثين علي هذه المفاجأة بقوله: "ونظر المبعوثون إلي بعضهم في تعجب ودون تعليق، وتساءلوا في صمت: أي مستقبل ينتظر مصر في ظل هذه التصورات؟!".

المقدمات تدل علي النتائج، وهذه الواقعة التي رواها الدكتور أحمد درويش تدل علي أن الرئيس السابق محمد حسني مبارك كان لديه استعداد للتعايش مع الفساد والتعامل الودي مع المفسدين، وأن دوافعه تحكمها قاعدة "الغاية تبرر الوسيلة"، فالمهم لديه أن يصل إلي ما يريد، ولا

يعنيه أن تكون الوسيلة شريفة أو غير شريفة. هذا الأسلوب يدل علي أن صاحبه ليس لديه المقدرة علي القيادة وتحمل المسئولية بأمانة، ولذلك كان رد فعل المبعوثين طبيعيا عندما أصابهم القلق علي مستقبل مصر التي ستقع في يد شخص لا يؤمن بالأسلوب العلمي في إدارة الأزمات، ولا ينتهج غير الفساد أسلوبا لإدارة حياته، ولم يكن الرئيس السابق يمتلك مهارة أخري، لذلك غرقت البلاد في الفساد، وانتقي أمثاله من أصحاب الذمم الخربة ليديروا دفة الأمور، لأنهم يشبهونه في انتهاج أسلوب التحايل والنصب والخداع ومص دماء الشعب، وكانت النتيجة وبالا علي شعب متسامح ترضيه الكلمة الطيبة من ولي أمره عندما يخبره بأنه يعمل من أجله، وأنه يسعي إلي تجنيبه ويلات الحروب، وأنه يحميه من الخطر الذي يحدق به من الشرق والغرب. وفي الوقت نفسه كانت عصابة مبارك تلتهم قوت الشعب، تأكل منه ما لذ وطاب وتشرب الماء النقي الصافي، وترمي إليه بفتات من اللحوم المصابة بالديدان الآكلة للحم البشر، والخضراوات المرشوشة بالمبيدات المسرطنة التي تنخر في عظام بقايا الآدميين، والمياه الملوثة بالمجاري والميكروبات التي تجري في أجساد المصريين مجري الدم، ليتحول مواطنو هذا البلد إلي هياكل آدمية لا خطر يأتي منها.. لكن عصابة مبارك استيقظت علي وهم عظيم كانت تعيش فيه، وأدركت أن شعب مصر لم يمت ولن يموت.