رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مليون مستبد فى مصر

ليس «مبارك» هو الشخص الوحيد المستبد فى مصر، وإن شئت الدقة فإن استبداد الرئيس السابق قد انتهى، ولم يكن انتهاؤه يوم 11 فبراير 2011 عندما اضطر إلى الهروب من قصر الرئاسة فى العروبة، وإنما الحقيقة أن هذا الشخص أصيب استبداده بالضعف منذ استطاع نجله «جمال»

سحب البساط من تحت رجليه، ليفرض كلمته على الوزراء والمسئولين، ومارس عليهم سيطرته وكبرياءه، ونصّب نفسه رئيساً لمصر يأمر وينهى دون أن يعارضه أحد، أو يخبره بأنه ليس له شرعية، منذ ذلك الوقت، ترك «مبارك» لابنه «جمال» الساحة يمرح فيها كما يشاء، لينعم الرجل الكبير بالراحة والتقاعد المبكر، والاستمتاع بالأجواء الجميلة والمناظر الخلابة فى شرم الشيخ وليذهب «الرعايا» إلى الجحيم.
ذهب «مبارك» وأعوانه، لكن داء الاستبداد مازال موجوداً لدى الكثير من المصريين ويصلون إلى الملايين، ففى مصر يوجد ما يزيد على خمسة ملايين موظف، إذا وضعناهم فى مصفاة خرجنا بما يزيد على مليون مستبد، يتلذذ من يفوز منهم برئاسة السلطة فى مؤسسته باستبعاد من يعملون تحت إمرته، لا رأى صواباً سوى رأيه، ولا كلمة تسرى غير كلمته، من توصل إلى رضاه بالنفاق والحركات البهلوانية حاز الترقيات والمكافآت، ومن انكب على عمله مخلصاً زيدت عليه المهام ولم يجن سوى الخصومات والتعنيف، لأنه لا يجيد التملق ومسح الجوخ، وتنتقل عدوى الاستبداد من الموظف الكبير الذى يحصل على ما يزيد على المليون جنيه شهرياً، إلى الموظف الصغير الذى لا يتعدى راتبه بضع مئات من الجنيهات، ولأن بعض النفوس ضعيفة ولديها استعداد للفساد وتشعر بالنشوة لقهر الآخرين، فإن بعض هؤلاء الموظفين يعامل أصحاب المصالح ممن يمرون عليه بالإهمال والتكبر، ويتخفف من هذا الداء عندما تظهر الأوراق المالية تلمع أمام عينيه، فيرتسم وجهه بابتسامة عريضة مغادراً التكشيرة التى كان يقابل بها كل من يطلب منه إنهاء خدمة هى حق له، وتنتقل عدوى الاستبداد إلى العديد ممن تقع مصالح الناس فى أيديهم، انظر إلى هذا تجده ماثلاً فى صاحب المخبز الذى

يمنحك رغيف خبز مشوهاً، إن لم ترض عنه عاملك معاملة العبد للسيد، وتكون ـ فى نظره ـ قد ارتكبت جريمة لا تغتفر، وهذا ـ أيضاً ـ ما يفعله سائق الأتوبيس وسائق التاكسى.
إذا كنا قد تخلصنا من «مبارك» وأعوانه الكبار بثورة يناير المجيدة، فإننا نحتاج إلى ثورة جديدة على الاستبداد للتخلص منه، وعدم السماح بنمو مستبدين جدد يتحكمون فى حياتنا ويصادرون أحلامنا، وأن ننتبه إلى أننا نصنع المستبدين بأيدينا عندما نترك لهم الفرصة للتمادى فى غيهم وظلمهم وتطاولهم علينا، وصدق مفكرنا عبدالرحمن الكواكبى، عندما ذكر فى كتابه الرائع «طبائع الاستبداد» أن «الاستبداد يتصرف فى أكثر الأميال الطبيعية والأخلاقية السنة، فيضعفها، أو يفسدها، أو يمحوها، فيجعل الإنسان يكفر بنعم مولاه، لأنه لم يملكها حق الملك ليحمده عليها حق الحمد، ويجعله حاقداً على قومه، لأنهم عون لبلاء الاستبداد عليه، وفاقداً حب وطنه، لأنه غير آمن على الاستقرار فيه ويود لو انتقل منه، وضعيف الحب لعائلته». ويرى «الكواكبى» أن الاستبداد يتسبب فى الخلل النفسى، لأنه «يسلب الراحة الفكرية، فيضنى الأجسام فوق ضناها بالشقاء، فتمرض العقول ويختل الشعور على درجات متفاوتة فى الناس»، علينا أن نقاوم كل مستبد وأن نقضى على الاستبداد لنبنى بلدنا على أسس متينة دون أن يعرقل المسيرة أشخاص يحبون أنفسهم ولا يهمهم مصلحة أوطانهم.
[email protected]