رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الرواية‮.. ‬اليوم‮ !!‬

لا أقصد بهذا المقال الكتابة عن حال الرواية اليوم كما قد‮ ‬يفهم من عنوانه‮ . ‬ولا أطمع ان‮ ‬يكون العنوان كالإعلان عن مؤتمر الرواية الذي‮ ‬يعقد في‮ ‬مصر اليوم ولمدة ثلاثة أيام بالمجلس الأعلي‮ ‬للثقافة‮. ‬

لا أطمع في‮ ‬هذا لسبب‮. ‬هو أن‮ ‬المجلس‮ ‬يقوده كاتب واستاذ جامعي‮ ‬محترم هو الدكتور عماد أبو‮ ‬غازي،‮ ‬ففي‮ ‬المجلس القدرة علي‮ ‬الترويج لأعماله‮. ‬ولكني‮ ‬أري‮ ‬أهمية هذا الموضوع فيما تعنيه الرواية بالنسبة لي‮ ‬وبالنسبة لأي‮ ‬أمة‮. ‬هذا المؤتمر ايقظ رغبتي‮ ‬فقط أن اقول كلاما قد لا‮ ‬يصدقه أحد‮. ‬باختصار لم تظهر الرواية في‮ ‬العالم عبثا لكنه الانسان أراد‮ ‬يوما أن‮ ‬يعيد صياغة الدنيا بشكل أفضل‮. ‬يريد أن‮ ‬يمسك بالزمن الذي‮ ‬أدرك انه لا‮ ‬يعود‮. ‬بالطبع هناك المؤرخون أولي‮ ‬بذلك لكن الرواية شيئاً‮ ‬آخر‮. ‬هي‮ ‬محاولة الامساك بروح العصر‮. ‬أي‮ ‬عصر‮. ‬انت تقرأ في‮ ‬كتب التاريخ عن الحكام أو حتي‮ ‬الشعوب لكنك تقرأ عن أعمالهم ولا تمسك بأرواحهم‮. ‬في‮ ‬الرواية‮ ‬يحدث العكس،‮ ‬ولذلك لا تمل قراءة الروايات القديمة التي‮ ‬كتبت منذ مئات السنين‮.

‬قبل الرواية كانت الملاحم وقبل الملاحم كانت الحكايات والقصص تمر‮ ‬بالليل أو النهار وتنشأ علي‮ ‬حافة الأنهار حيث‮ ‬يستقر الناس أكثر مما تنشأ في‮ ‬الصحراء حيث‮ ‬يتنقل الناس في‮ ‬فزع‮. ‬ولذلك سبقت مصر وفارس والعراق والصين والهند الدنيا كلها بالحكايات والاساطير وتلتها اليونان التي‮ ‬وحدت بين الأرض والسماء في‮ ‬فضاء مفتوح تتعانق فيه الجبال والوديان والبحار والآلهة والناس‮ . ‬كل الملاحم القديمة والحكايات والروايات فيما بعد ليست حقيقية،‮ ‬وإن كان في‮ ‬أبطالها شخصيات تاريخية‮. ‬لم‮ ‬يحدث في‮ ‬اليونان أن وجد شخص اسمه أخيل أمه من البشر وأبوه من الآلهة ولكن‮ ‬يمكن أن‮ ‬يكون أخيل شخصية حقيقية مادامت الدراسات أثبتت وجود طروادة والحرب بينها وبين اليونان‮ . ‬لكن هل كانت حقا من أجل امرأة أجمع علي‮ ‬حبها كل حكام اليونان؟ هوميروس المشكوك أيضا في‮ ‬أمر وجوده،‮ ‬والذي‮ ‬حكي‮ ‬ملحمتيه الالياذة والاوديسة وهو‮ ‬يتجول أعمي‮ ‬بين البلاد،‭ ‬أقام بناء للروح اليوناني‮ ‬الذي‮ ‬كان‮ ‬يود أن‮ ‬يراه ويستطيع أن‮ ‬يصمد عبر الأزمان‮.

‬الذين حكوا حكاية الزير سالم وحكاية عنترة بن شداد وسيف بن ذي‮ ‬يزن والرحلة الهلالية فعلوا ما‮ ‬يشاءون بالمكان والزمان‮. ‬لم‮ ‬يلتزموا بشيء علي‮ ‬الأرض الا روح زمنهم أو من‮ ‬يتحدثون عنهم وكما أحبوا أن‮ ‬يكونوا‮. . ‬وقبل ان تستقر الرواية‮ ‬كجنس ادبي‮ ‬سبقتها روايات أوروبية لكتاب مثل السير والتر سكوت الانجليزي‮ ‬الذي‮ ‬كان‮ ‬يتكئ علي‮ ‬التاريخ الحقيقي‮ ‬لكن حين كتب جوناثان سويفت روايته رحلات جاليفر وضع الرواية في‮ ‬مكانها الصحيح كفن للخيال أكثر مما هو للحقيقة‮. ‬وكذلك فعل ديفو صاحب روبنسون كروزو ومثلهم كان الساحر الأكبر الأسباني‮ ‬سيرفانتس الذي‮ ‬كتب دون كيخوته ساخرا من عصر الفروسية كله ومقدما فارسا لا‮ ‬يكف عن طلب الحقيقة من‮ ‬غير طريقها فلا توجد أبدا‮ .

‬لكن في‮ ‬كل الأحوال كان لابد للخيال أن‮ ‬يستقي‮ ‬مادته من الأرض التي‮ ‬حاصرته بمشاكلها الاجتماعية الكبري‮ ‬وهنا استقرت الرواية في‮ ‬القرن التاسع عشر في‮ ‬الدنيا كلها بعد الثورة الصناعية وما جلبته من مآس بشرية،‮ ‬لكنها ابدا لم تترك مساحة الخيال،‮ ‬الرواية وهي‮ ‬تستقر علي‮ ‬الأرض‮. ‬إعادة بناء العالم كما‮ ‬يراه الكاتب أو‮ ‬يريده أو‮ ‬يشعر به‮. ‬راحت الرواية الي‮ ‬الحرية أكثر بعد ذلك‮. ‬حرية الانعتاق

مما هو مباشر وصريح علي‮ ‬الأرض‮. ‬وأصبح مستقرا أن العمل الذي‮ ‬يعيد الأشياء كما هي‮ ‬هو عمل رديء مهما نال من شهرة بين القراء‮. ‬لأن العالم وقضاياه الصغيرة تتغير كل‮ ‬يوم‮.‬

قطعت روايتنا العربية شوطا كبيرا في‮ ‬ذلك،‮ ‬ثم عادت الأرض تحاصرها بقضايا كنا انتهينا منها،‮ ‬وتسللت هذه القضايا إلي‮ ‬الأعمال الأدبية،‭ ‬وصارت النجاة في‮ ‬أن‮ ‬يتغير الحكي‮ ‬وتصبح اللغة ليست مجرد وعاء للموضوع لكنها الموضوع نفسه وفيها تتجلي‮ ‬عذابات البشر رغم أصولها التي‮ ‬تبدو واقعية في‮ ‬بعض الأحيان‮ .

‬الصراع الآن هو بين الواقع الذي‮ ‬يريد ان‮ ‬يفرض رداءته علي‮ ‬الكتابة الادبية وبين الحكاية كما أحبتها البشرية‮. ‬من لم نحب حكاية الشاطر حسن ونحن صغار إلا لأنه كان‮ ‬يفعل ما لا‮ ‬يقدر عليه أحد متجاوزا الواقع الرديء حوله‮. ‬نحن لم نفتتن بحكايات أمريكا اللاتينية إلا لأنها تركت المكرر واليومي‮ ‬والمرئي‮ ‬الي‮ ‬العجائبي‮ ‬والأسطوري‮ ‬كما أحب الانسان الحكاية منذ الخليقة‮. ‬طيب ما هي‮ ‬علاقة هذا كله بمؤتمر الرواية؟ ليس لان هذه قضايا‮ ‬يمكن أن تثار‮. ‬فأنا رغم انني‮ ‬أحد اعضاء اللجنة التحضيرية للمؤتمر نسيت العنوان الرئيسي‮ ‬له‮. ‬لكني‮ ‬لم انس موضوعا مهما من موضوعاته‮ ‬يلخص الحالة كلها وهو الرواية باعتبارها حرية بديلة‮. ‬موضوع‮ ‬يطول شرحه لكن قيمته من حقيقة فن الرواية نفسه‮. ‬فالكاتب وهو‮ ‬يغامر بالتجديد في‮ ‬الشكل إنما‮ ‬يختار لنفسه مساحة من الحرية لا تتيحها له الحياة‮. ‬كذلك وهو‮ ‬يعيد بناء اللغة والحوار‮. ‬وكذلك وهو‮ ‬يدخل مناطق منعتها القيم البالية والنظم السيادية القاهرة‮. ‬

ومن ثم ففي‮ ‬الروايات تري‮ ‬الناس الحقيقيين أو الذين‮ ‬يجب ان‮ ‬يكونوا كذلك‮. ‬أو الذين‮ ‬يقولون لك ان الواقع ليس كما تراه أنت حولك ولكنه كما رايناه نحن وتمردنا عليه وتجاوزناه أو تركناه بالموت أو الانتحار أو الجنون‮. ‬إذن نستطيع ان نعرف من الرواية والحديث عنها اعمق مما نعرف من السياسة أو الإعلام‮. ‬لهذا‮ ‬يزداد قراء الرواية في‮ ‬الدنيا كلها رغم صخب الإعلام،‮ ‬تعمل المجتمعات القوية علي‮ ‬تقديمها لطلاب المدارس الصغار في‮ ‬نسخ ملخصة بينما تهجرها النظم الخائفة‮. ‬وإذا قررت إحداها في‮ ‬وزارة التربية والتعليم‮ ‬فلابد أن تكون عن طاعة أولي‮ ‬الامر،‭ ‬بينما الفن عموما والرواية خصوصا ليست كذلك‮.‬

[email protected]‭ ‬