رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

عَلَّمَتنِي


"لم أعد ذلك الشخص منذ زمن، لقد غيرتني، أشعر بذلك في حركاتي، ملابسي، انعكاس صورتي على الماء، ما أراه ليس أنا".

نظر إلى محدثه واستطردت:

"لقد حولتني بالكامل"

وقبل أن ينبث محدثه ببنت شفة أضاف:

"أتعلم لقد أصبحت أستيقظ باكرًا، ذلك الوغد الذي كان يعيش في ظلمة حالكة، يبغض النهار، أصبح يستيقظ مع شروقه، أؤكد لك أنها غيرتني، أتتذكر ذلك الكلام عن الموت، وأنه لا داعي للمضي قدمًا في حياة - تدعى متحضرة - جامدة كسطح جليدي على بحيرة واسعة ممتدة بلا نهاية؛ لم يعد موجودًا!"

صمت هنيهة وأخذ نفسًا عميقًا، واستمر في حديثه:

"ولعمري يا صديقي، لم أكن أظن أن ذلك الأحمق الذي كنت؛ بإمكانه أن يتغير، ولو سطعت الشمس من المغرب، أو أصبح الماء المالح أعذبًا، لكنه حدث، يا الله، لقد وعدتها، وأصبحت شخصًا يقال له، أنت طيب أيها الرفيق!، ذلك الأخرق أصبح طيبا، أتصدق، ولكنه حدث، أصبحت أشعر بالشمس عندما تلفح جبيني بحرارتها الساخنة، أرى البشر بنظرة مختلفة، أتعاطف معهم، أعلم أنك لا تستسغ ذلك، لقد عرفت قطعة اللحم الفاسدة التي كنت، كتلة اللامبالاة المتحركة على قدمين، التي لو أعلنوا لها كارثة في مذياع ما، أو انفجار بركان في قلب المدينة، لن يتحرك له جفن، لا يعنيه ذلك العالم إذا احترق أو اندثر أو ذاب في غيابات الزمن"

ثم ارتجفت كلماته، وانتشى جسده، وبكلمات خائفة أردف:

"لقد علمتني، قتلت ذلك الوضيع بداخلي، كانت خير دواء لأعظم داء، لقد سمعت كلماتها، شعرت وآمنت به قبل أن يفهمه عقلي، لم أحنث وعدي لها، شريفًا أصبحت، لا أبغض، لا أؤذي أحدًا، وعندما أرى شيئًا خاطئًا، لا أبتعد وأقول فليكن الجحيم مثواكم أيها الأوغاد، لا لم أعد كذلك!، أتدخل الآن، أي إنسان ينتهك بشريته، أصبحت له نذيرا بألا يفعل، حتى لو تعرضت لسبة أو صفعة أو ركلة حذاء، ولكنني لا أهتم، سأفعل ما قالته لي، أصبحت أحترم أقل الكائنات مكانة، النملة، لقد علمتني أن الله بكل تأكيد خلق النمل لشيء أفضل من السحق تحت الحذاء، لقد سرت على نهجها، لقد أصبحت أحب العالم حقًا يا رفيقي، وكل ذرة في جسدي أهبها دفاعًا عنه".

خيم الصمت لثوانٍ، ونظر لمحدثه قائلاً:

"أتمنى فقط أن تعلم ما أصبحت بسببها.."

هم محدثه ليضيف شيئًا، ولكن تلك الدموع التي انسابت

منه، وتلك الحركات المضطربة التي قام بها بيده، قبل أن يضمهما معًا ويلصقهما بصدره بشدة كادتا تحطمه، وبكلمات حزينة مشوبة بالخوف والهلع العميق، قال:

"ولكنها رحلت، تركتني وحيدًا، أتذكر تلك اللحظة وذلك اليوم، بوضوح كالبلور، ليست كذكرى عابرة نراها ضبابية ومُتربة، بل أراها واضحة كسطح بحيرة صافية، تلك الكلمات تنساب داخل أذني، كهسيس الطبيعة في ليلة ربيعية، "تذكر..تذكر لقد أصبحت أفضل الآن، أنا راحلة وتاركة نفسي بداخلك، وكلما بقيت إنسانًا، سأبقى كامنة بأعماق روحك"

ثم أشاح بوجهه بعيدًا، وحاول أن يمسح بيده نزيف الدموع المنسدلة من عيناه، وبنبرة هلع تحاول أن تتمسك بقشة قوة، قال:

"لقد وعدتها، ألا أصبح ضعيفًا، لن أترك ذلك الحطام بداخلي يمتلكني أكثر من ذلك (ثم هب واقفًا) إنها معي، لقد علمتني، عندما يحدث شيئًا لا أتحمله، أتقبله كما هو، وأقرر ماذا سأفعل معه.... يا الله، آراها في كل جنبات الحياة، تراقبني، الضوء ينعكس على الأشياء ويسقط على شبكية العين فنرى، ولكنني لم أعد أرى الأشياء منذ تركتني، لقد أصبحت الأشياء... هي، باقية داخل عيني وكياني، ترشدني عندما أفقدني، تجيبني في يأسي، تبتهج مع ابتسامتي، أراها دائمًا وأبدًا"

ونظر إلى الغسق بالأعلى، والشمس تستعد للرحيل، تتوارى خلف الأفق، لتأخذ دورتها في مكان آخر، تتبعها خيوطها الصفراء الشاحبة، وتنساب نسمة هواء باردة تقبل جبينه المتصبب بالعرق الساخن، اضطرب تنفسه، وترجرج جسده، فلم يتمالك أعصابه، اختل توازنه، سقط على ركبتيه، ضرب الأرض بقبضتيه، وازدادت السيول المنهمرة من عيناه، صائحًا:

"أنا فقط أحتاج إليها.. إليها وحدها!"