عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الآنا والآخر في حكايات ألف ليلة وليلة


في واحدة من حكايات ألف ليلة وليلة،‮ ‬التي تعد من أهم الحكايات الشعبية الاجتماعية،‮ ‬التي تحدد علاقات الناس بعضهم ببعض ،‮ ‬وتعرض في إطار أخلاقي،‮ ‬ما يجب أن تكون عليه العلاقة بين الآنا والآخر،‮ ‬وهي حكاية أبي قير وأبي صير،‮ ‬التي اخترتها لمصريتها،‮ ‬تأليفاً‮ ‬وشخوصاً،‮ ‬ففي الحكاية عندما يضيق الحال في مصر علي أبي قير الصباغ،‮ ‬وأبي صير المزين،‮ ‬يرحلان عن طريق البحر إلي بلد مجاور،‮ ‬وهناك يعلمهم أبي قير أصول الصباغة،‮ ‬ويربح الكثير،‮ ‬أما أبي صير فيبني لهم حماماً،‮ ‬يزيد من رفاهيتهم واستمتاعهم بالحياة،‮ ‬فعندما زار ملك المدينة الحمام،‮ ‬قال لأبي صير‮: »‬وحياة رأسي إن مدينتي ما صارت مدينة إلا بهذا الحمام،‮ ‬ثم قال له أنت تأخذ علي كل رأس أي شيء أجرة،‮ ‬قال أبوصير الذي تأمر به،‮ ‬فأمر له بألف دينار،‮ ‬فقال له العفو يا ملك الزمان‮: ‬إن الناس ليسو سواء بل فيهم الغني وفيهم الفقير‮.. ‬فقال الملك وكيف تفعل في الأجرة،‮ ‬فقال أبوصير‮: ‬سآخذ من كل إنسان علي قدر حاله‮.. ‬فقال الملك كلامك صحيح ولكن هذا رجل‮ ‬غريب وإكرامه واجب علينا‮«.‬

وهكذا سن الراوي سنة حميدة،‮ ‬أن الرفاهية حق للجميع دون تميز،‮ ‬بسبب فقر أو‮ ‬غني،‮ ‬أو عنصر دون الآخر،‮ ‬وهذا الإطار الأخلاقي هو الذي لابد من أن يتحكم في العلاقة بين الأنا والآخر،‮ ‬فلا يصح أن يحرم إنسان أو مجتمع لأي سبب كان من الاستفادة من الإنجازات الحضارية،‮ ‬بل هي حق مكفول للجميع‮.‬

المساعدة في درء المخاطر،‮ ‬ثالث أشكال التفاعل مع الآخر‮:‬

وإن كان أبي قير وأبي صير،‮ ‬استفادا من حاجة الآخر لمعرفتهم وخبراتهم،‮ ‬فنقلوها لهم،‮ ‬وربحوا المال الكثير،‮ ‬فهل الكسب والربح المادي فقط هو شرط تبادل المعارف؟

يجيب عن هذا السؤال شكل آخر من الحكايات الشعبية،‮ ‬وهو ما يعرف بحكايات الخوارق،‮ ‬ففي تراثنا الشعبي،‮ ‬وفي حكايات البنين،‮ ‬نجد نماذج تتعاون بجهدها مع الآخر،‮ ‬ليس من أجل المال بل من أجل المروءة،‮ ‬في حكاية أبناء العم الثلاثة،‮ ‬بعد أن يلقي أبناء العم بالشاطر حسن في البئر،‮ ‬ويتركونه وحيدا يبحث في قاع البئر فيجد طريقاً،‮ ‬يسير فيه إلي أن يلتقي بجماعة من الناس تبكي‮.. ‬سأل رجل كبير،‮ ‬قال الرجل‮: ‬إن في مارد كبير،‮ ‬وحش عظيم يهدد المدينة ولازم كل سنة المدينة تقدم له بنت جميلة يأخذها لنفسه،‮ ‬والسنة دي جي الدور علي بنت الملك صاحب القصر ده‮ ‬،عشان كده الناس بتعيط،‮ ‬الشاطر حسن لما سمع الكلام ده قال لهم ما تخافوش أنا بإذن الله حانقذها وأخلص البلد من الوحش ده‮.‬

استخبي الشاطر حسن في مكان ماحدش يقدر يشوفه منه،‮ ‬وفضل مستني لحد ماجه المارد الوحش عشان ياخد بنت الملك وطلع عليه الشاطر حسن وبأيديه سيفه وقال بعزم صوته بسم الله،‮ ‬الله أكبر وراح‮ ‬يضرب المارد ضربة واحدة موتته،‮ ‬البلد شافت المارد انتهي وبنت الملك ربنا نجدها علي ايد الشاطر حسن،‮ ‬فرحت وغنت والملك فرح‮.‬

وهكذا لابد من مساعدة الآخر في درء المخاطر،‮ ‬ونلاحظ هنا أن الراوي يؤكد علي أن الانتصار كان بعون الله،‮ ‬وهو ما يميز الجانب الأخلاقي العقائدي في التفاعل مع الآخر،‮ ‬مما يؤكد علي قداسة العلاقة بالآخر،‮ ‬تلك العلاقة التي نادت بها كل العقائد والأديان‮.‬

نشر المحبة بالكلمة الطيبة والبدء بالسلام،‮ ‬شكل مهم من أشكال التفاعل مع الآخر‮:‬

وكما رأينا في النماذج السابقة،‮ ‬لم يطلب أحد من الآخرين أجراً،‮ ‬أو مثوبة عما قدم لهم من معارف أو خبرة أو جهد،‮ ‬بل كانت المكافأة دوما تأتي من حيث لا يحتسب،‮ ‬بالعكس عندما يكون القصد من شكل التعامل أو التفاعل،‮ ‬مخطط له من اجل حدوث فائدة شخصية قد تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن،‮ ‬كما حدث مع أبوقير،‮ ‬في حكايته،‮ ‬فبعد أن فتح المصبغة وكسب الكثير كما كان مخططاً‮ ‬لنفسه،‮ ‬وسمع أن أبوصير قد فتح الحمام وربح الكثير،‮ ‬ملأه الحسد،‮ ‬ولم يرض لصديقه الخير،‮ ‬فكاد له عند الملك،‮ ‬لكن الملك اكتشف كيده،‮ ‬فأمر بهلاكه،‮ ‬لذلك يؤكد الحكي الشعبي دوما،‮ ‬علي العطاء من اجل العطاء وخير البشرية،‮ ‬أما الجزاء فلابد أن يأتي،‮ ‬تحفيزا لكل من يسعي لفعل الخير مع الآخر،‮ ‬كما تؤكد الحكايات علي ما يمكن أن تفعله الكلمة الطيبة،‮ ‬التي يجب أن تكون أساسا للتفاعل مع الآخر،‮ ‬ففي حكايات البنات،‮ ‬المتعددة الصياغات،‮ ‬نجد البطلة‮ (‬ست الحسن أو لوليا أو فرت الرمان أيا كان اسمها‮) ‬تتعامل مع الناس بالكلمة الطيبة،‮ ‬فتحصل علي اكثر مما توقع،‮ ‬ففي حكاية بدر البدور،‮ ‬تغار زوجة الأب من جمال بدر البدور علي ابنتها،‮ ‬فتكيد لها وترسلها في مهمة لا عودة منها‮: ‬اسمعي يا بدر البدور أنا عايزاكي تروحي لحد شجرة الجمال في الغابة،‮ ‬تجيبي ورقة الجمال لأختك رمانة،‮ ‬بدر البدور عارفة إن الغابة فيها وحوش ماترحمش لكن ماتقدرش تقول لا لأنها بتحب رمانة وتحب زوجة الحطاب‮.. ‬دخلت بدر البدور الغابة واستعانت بالله،‮ ‬لكنها ما كنتش عارفة فين شجرة الجمال،‮ ‬راحت لشجرة الفل قالت لها‮: ‬السلام عليكم يا شجرة الفل يالي وردك لونه ابيض جميل،‮ ‬وسألتها،‮ ‬قالت لها اسقيني،‮ ‬سقت شجرة الفل،‮ ‬شجرة الفل شكرت بدر البدور وقالت يا رب اجعل لوني في لون وجهها،‮ ‬راحت بدر البدور لشجرة الورد،‮ ‬قالت لها‮: ‬السلام عليكم يا شجرة الورد الجميل وسألتها عن شجرة الجمال‮ ‬،شجرة الورد شكرتها،‮ ‬وقلت لها اسقيني‮.. ‬سقت شجرة الورد،‮ ‬شجرة الورد قالت‮: ‬يا رب لون وردي يجي في خدودك‮.‬

وهكذا كوفئت بدر البدور علي كلمتها الطيبة ومبادرتها بالسلام،‮ ‬وربحت الدعاء المستجاب وازدادت جمالا،‮ ‬وكم أنقذت الكلمة الطيبة،‮ ‬وإلقاء تحية السلام أبطال الحكايات من شرور ومهالك كانت تنتظرهم،‮ ‬وأعتقد أن الجميع قد سمعوا العبارة المشهورة‮: »‬لولا سلامك سبق كلامك لأكلت لحمك قبل عظامك‮«.‬

كيف نتعامل مع الآخر؟

لم يترك الراوي الشعبي هذا السؤال بدون إجابة،‮ ‬وكما حددت الحكايات الأشكال،‮ ‬جاءت الأمثال الشعبية،‮ ‬التي تمثل حكمة الشعب وخلاصة تجربته في أقوال محددة موزونة‮ ‬،‮ ‬لتضع أسس العلاقة بين الآنا والآخر،‮ ‬بوصفه الجار،‮ ‬وكما سبق الإشارة فإن مفهوم الجار هنا يصدق علي أي جار يمكن التعامل معه،‮ ‬فما هي الأسس التي وضعتها الأمثال الشعبية للإجابة عن سؤال مثل كيف نتعامل مع الآخر؟

قبل أن نحدد تلك الأسس لابد من إلقاء نظرة علي منهجنا هنا،‮ ‬في تأويل ما سوف نختاره من أمثال شعبية،‮ ‬ندلل بها علي مقصدنا،‮ ‬ويتلخص هذا المنهج في محاولة إعادة استقراء أو تأويل جمع من الأمثال الشعبية،‮ ‬بمنظور معاصر لتخدم الهدف الذي نسعي للتأكيد عليه،‮ ‬وحجتنا هنا ما للتراث الشعبي من مرونة تجعله صالحا لكل زمان ومكان،‮ ‬وأن هناك اختلافا كبيرا في كثير من مواقف الحياة،‮ ‬مما يحتم إعادة النظر في تفسير وتأويل مقاصد الأمثال الشعبية لاختلاف المضارب التي تضرب بها اليوم،‮ ‬عن تلك التي كانت سببا في إبداع العقلية الشعبية لها،‮ ‬زمن إبداع وتبني الأمثال،‮ ‬لكن هذا لا يعني لي ذراع المثل،‮ ‬أو مخالفة ما جاء من اجله،‮ ‬لكنها إن صح القول،‮ ‬طريقة لإصلاح المسار،‮ ‬أو مواءمة بين الواقع الآني المغاير بالضرورة لواقع إبداع المثل،‮ ‬والاستفادة من حكمة الأسلاف،‮ ‬في إنارة الطريق أمام شباب اليوم،‮ ‬وهذه واحدة من أهم وظائف التراث‮.‬

1‮- ‬الإيمان بالمساواة بين البشر‮:‬

أ‮- »‬إحنا أخوات وربنا خلق وفرق‮«.‬

هكذا يقول المثل الشعبي المصري،‮ ‬فالله سبحانه وتعالي هو خالقنا،‮ ‬وهو الذي وزعنا علي سطح المعمورة،‮ ‬ولا دخل لإنسان في ذلك،‮ ‬فلماذا يحاول الإنسان أن يفرق بينه والآخر،‮ ‬من جانب آخر يمكن فهم التفريق هنا،‮ ‬مختص بالرزق،‮ ‬فعلي ذلك إن كان الرزق من عند الله،‮ ‬فلا داعي لحسد أو حقد،‮ ‬أو كبر بسبب المال‮.. ‬إذن فهناك مساواة لأننا جميعا من صنعة الله،‮ ‬وأي اختلاف في مكان أو زمان أو رزق فهو بإرادة الله‮.‬

ب‮- »‬إيه خيرك عني دا انته ابن عمي‮«.‬

يؤكد ما سبق هذا المثل،‮ ‬فنحن يا اخوة يا أولاد عم،‮ ‬فلا داعي للفرقة،‮ ‬لأننا جميعا سواء‮.‬

2‮- ‬التسامح‮:‬

أ‮- »‬إحنا ولاد النهاردة‮«.‬

بمعني انه لا داعي لأن نعيش في الماضي،‮ ‬ونحاول بدء صفحة جديدة بيننا وبين الآخر،‮ ‬حتي تستمر الحياة،‮ ‬ونعمل بالقول السائر‮ »‬عفا الله عما سلف‮«.‬

ب‮- »‬أهل السماح ملاح‮«.‬

والملاح هم الناس الطيبون ذوو الخلق الحسن،‮ ‬وبالتالي يكون التسامح من شيم الطيبين،‮ ‬ذوي الخلق الحسن‮.‬

3‮- ‬الحرص علي الجار‮:‬

أ‮- »‬جارك وإن جار‮«.‬

وحتي إن جار عليك الجار،‮ ‬فلا داعي للقطيعة وحاول أن تمنحه فرصة فقد يكون ما صدر عنه،‮ ‬نتيجة ظرف‮ ‬غير اعتيادي،‮ ‬لذلك ولأهمية الجار لابد من التدقيق،‮ ‬قبل أخذ القرار‮.‬

ب‮- »‬تعرف فلان؟‮.. ‬قال‮: ‬أعرفه،‮ ‬قال‮: ‬عاشرته؟‮.. ‬قال‮: ‬ماعاشرتوش،‮ ‬قال‮: ‬يبقي ما تعرفوش‮«.‬

هنا يقصد القائل انك لا يصح أن تصدر حكما علي شخص دون معرفة وثيقة،‮ ‬فالمعرفة السطحية أو السريعة،‮ ‬لا يمكن الارتكان إليها في إصدار أحكامنا علي الآخرين‮.‬

ج‮- »‬الشرط عند الحرت،‮ ‬ولا النزاع عند الضم‮«.‬

المعني هنا واضح ويسن شرطا هاما في الحفاظ علي الجار،‮ ‬وهو ضرورة الاتفاق علي كل شيء قبل الشروع في المشاركة مع الجار قبل أي عمل،‮ ‬حتي تكون كل الأمور في النور،‮ ‬وتبعا لما تم الاتفاق عليه،‮ ‬دون الركون لعواطف أو فقدان الثقة،‮ ‬وهناك مثل آخر في هذا السياق،‮ ‬يقول‮ »‬إن كنتم أخوات اتحاسبوا‮«‬

د‮- »‬شرط المرافقة الموافقة‮«.‬

يقصد هنا أن الإنسان عندما يشارك آخر في عمل أو مشروع أو

حتي صداقة،‮ ‬لابد من موافقة الطرفين علي هذه العلاقة،‮ ‬فالعلاقة التي يسعي إليها طرف واحد،‮ ‬يشوبها الخلل،‮ ‬أما العلاقة السوية فهي التي يربطها موافقة الطرفين أولا،‮ ‬واتفاقهما علي كل تفاصيلها‮.‬

هـ‮- »‬صباح الخبر يا جاري،‮ ‬قال‮: ‬أنت في دارك وأنا في داري‮« ‬أو في صياغة أخري‮ »‬صباح الخير يا جاري أنت في حالك وأنا في حالي‮«.‬

المقصود في كل من الصياغتين،‮ ‬أن تكون هناك خصوصيات للجيران،‮ ‬أو لكل من الآنا والآخر لا يصح أبدا أن نتدخل فيها،‮ ‬دون دعوة للمشاركة،‮ ‬ودلالة المثل هنا قد تخالف الشائع في أن المثل يدعو للقطيعة،‮ ‬لكن افتتاحيته،‮ ‬تدعو لاستمرار العلاقة مما يخالف من يدعي أن المثل يدعو للقطيعة‮.‬

و‮- »‬في وشه ولا تغشه‮«.‬

إن الحرص علي الجار يحتم علي الأنا أن يواجه الآخر بكل مايدور في صدره من شكوك،‮ ‬أو ظنون في الجار،‮ ‬ليعرف أولا بأول كل ما‮ ‬غلق علي فهمه من سلوك،‮ ‬ولابد من المصارحة،‮ ‬بدلا من التعامل،‮ ‬بمواربة،‮ ‬أو نفاق،‮ ‬وهذا لا يتفق مع أخلاقيات الثقافة الشعبية،‮ ‬التي تدعو دوما لترابط الجماعة،‮ ‬ومن أهم شروط هذا الترابط المصارحة أو الصراحة في التعامل‮ ‬،‮ ‬وكما يقولون‮ »‬الصراحة راحة‮«.‬

4‮-‬الحرص في التعامل دون إهانة‮:‬

أ‮- »‬حرص من صاحبك ولا تخونه‮«.‬

من المهم أن نحافظ علي علاقتنا بالآخر،‮ ‬دون محاولة لإهانته،‮ ‬أو إحراجه،‮ ‬بمعني أننا نكون علي حذر في التعامل،‮ ‬أن ندقق في كل الأمور،‮ ‬من اجل صالح العلاقة،‮ ‬دون أن نشكك في الصديق أو نتهمه في أمانته،‮ ‬وهذا يصدق علي المثل السباق،‮ ‬إن التعامل المشروط بداية،‮ ‬أفضل من ترك الأمور تسير وفقا للظروف،‮ ‬ثم نندم علي تقصيرنا بعد ذلك،‮ ‬ونتهم الآخر في حين أن التقصير كان من جانب الآنا‮.‬

ب‮- »‬كتر العتاب يفرق الأصحاب‮«.‬

ويرتبط هذا المثل بما سبق،‮ ‬ومعناه،‮ ‬أن نتائج الأعمال‮ ‬غير المخطط لها جيدا تأتي دوما بما لم نكن نتوقعه،‮ ‬الأمر الذي يؤدي إلي عتاب الأصدقاء،‮ ‬وكل يلقي اللوم علي الآخر،‮ ‬وبالتالي،‮ ‬كثرة العتاب أو المعاتبة سوف تؤدي إلي الفرقة،‮ ‬ويتجنب كل منا الآخر،‮ ‬ونخسر صديق،‮ ‬قد يكون من المفيد لنا لو تعاملنا معه كما سبق القول بالحرص أو بوضع الشروط ودراسة العمل المشترك جيدا‮.‬

ج‮- »‬كتر الآسية تقطع عروق المحبة‮«.‬

ويقصد بالآسية هنا القسوة في التعامل،‮ ‬وحتي لوكان العمل يتطلب شروطا وحرصا،‮ ‬فلابد أن يكون هذا في حدود المعقول،‮ ‬والمقدرة،‮ ‬وإلا فسر الأمر علي انه تعجيز،‮ ‬وقسوة،‮ ‬تستوجب الفرقة‮.‬

د‮- »‬إن كان صاحبك عسل ما تلحسوش كله‮«.‬

والمعني هنا يقصد به ألا نثقل علي أصدقائنا ونطالبهم بأكثر مما يقدرون عليه،‮ ‬مثل هذا الموقف،‮ ‬قد يجعل الشك يتسرب إلي الصديق ويظن أن هناك نوعا من الاستغلال لكرمه أو عطائه،‮ ‬أوهناك نوع من الطمع فيما لديه من قدرات أو إمكانات،‮ ‬ولن يرضي بالطبع علي ذلك،‮ ‬وتكون الفرقة‮.‬

4‮-‬الاستقامة في التعامل‮:‬

أ‮- »‬امشي عدل يحتار عدوك فيك‮«.‬

يجمع هذا المثل كثيراً‮ ‬من الحكم السابقة،‮ ‬وبالحث علي الاستقامة،‮ ‬واتباع الأصول،‮ ‬كما جاءت في العديد من الأمثلة السابقة،‮ ‬مؤكد سنحافظ علي الآخر،‮ ‬مما قد يثير أعداءنا،‮ ‬والمتربصون بنا،‮ ‬لعدم وجود أي ثغرة في العلاقة بين الأنا والآخر يمكن أن ينفثوا سمومهم من خلالها في هذه العلاقة‮.‬

5‮- ‬البدء بفعل الخير‮:‬

أ‮- »‬اللي يسيء إليك أحسن إليه،‮ ‬ويكفي العايب عيبه‮«.‬

نحن بشر،‮ ‬معرضون للخطأ،‮ ‬لذلك إن اخطأ أحد ما في شخص فمن الواجب ألا يجاريه في أخطائه،‮ ‬بل يحاول أن يرد الإساءة بالحسني،‮ ‬هذا إن كان حريصا علي العلاقة الطيبة من جهة،‮ ‬أو يحرص علي أن يكون ذي أخلاق كريمة،‮ ‬ولا يعني هذا قبول الإساءة من منطلق الضعف،‮ ‬بل هو كرم الأخلاق،‮ ‬فإما أن يستجيب الآخر إلي الحسني ويدرك أخطاءه،‮ ‬وعندها يصدق عليه المثل القائل‮ »‬إن قابلك عدوك في الخلا خاليه،‮ ‬وإن جالك بيتك أوع تفرط فيه‮«‬،‮ ‬لأنه كان حريصا عليك واعترف بالخطأ،‮ ‬و إلا فعليك ألا تتعامل معه وتعمل بالمثل الذي يقول‮ »‬اعرف صاحبك واتركه‮« ‬إن كان مصدرا دائما للإساءة‮.‬

ب‮- »‬اقطع لسان عدوك بالسلام عليكم‮«.‬

تماما كما في الحكايات الشعبية،‮ ‬يكون لتحية السلام والإسلام،‮ ‬فعل السحر،‮ ‬فمهما كان ما بينك وبين أي آخر من عداء،‮ ‬فيكفي إلقاء السلام عليه،‮ ‬لتجنب شره‮.. ‬وفتح صفحة جديدة معه‮.‬

6‮- ‬احترام معتقدات الآخر‮:‬

أ‮- »‬إن لقيت بلد بتعبد عجل حش برسيم وإدي له‮«.‬

ب‮- ‬وهذا بعيد عن النفاق،‮ ‬أو المداهنة لهم،‮ ‬بالعكس،‮ ‬هو صورة من صور احترام العقيدة،‮ ‬فأنت لست مسئولا عما يعتقد فيه الآخرون،‮ ‬كما انهم ليسوا مسئولين عما تعتقد أنت فيه،‮ ‬وبالتالي لابد أن تسود العلاقة الطيبة بين الأنا والآخر بعيدا عن التميز الديني وازدراء المعتقدات‮.‬

ت‮- »‬اللي في القلب في القلب يا كنيسة‮«.‬

وهو نموذج من الأمثال الشعبية التي يجب أن نعيد النظر في تأويلها،‮ ‬فمن الشائع انه يقال ليدل علي النفاق أو تسيير الأمور،‮ ‬عند التعامل مع من يخالف الآنا في الدين،‮ ‬لكن في قراءته،‮ ‬نجد انه يحث بالفعل علي احترام المعتقدات،‮ ‬فالقلب مكان النية والعقيدة،‮ ‬ولا يعرف النوايا إلا الله سبحانه وتعالي،‮ ‬وبالتالي،‮ ‬لو أردنا العيش في سلام مع من يختلفون معنا في العقائد،‮ ‬فلنترك أمور العقيدة لله،‮ ‬وبالتالي لسنا مسئولين عما في قلب كل منهم،‮ ‬كما انهم ليسوا أيضا مسئولين عما في قلوبنا‮.‬

نخلص مما سبق،‮ ‬إلي أن الحكي الشعبي،‮ ‬والأمثال الشعبية،‮ ‬قد حددت أشكال وقواعد التعامل بين الآنا والآخر،‮ ‬وشروط هذا التعامل أو التفاعل،‮ ‬الذي لو تم تبعا لهذه القواعد والشروط فلابد أن تستقيم العلاقة بين الآنا والآخر،‮ ‬ويعيشا في سلام وتعاون يتحقق منه الخير والرفاهية للجميع،‮ ‬لقد كان هذا قبل أن تنادي الأمم المتحدة والمنظمات الدولية،‮ ‬بضرورة،‮ ‬سيادة السلام والتسامح،‮ ‬بين الجميع،‮ ‬لكن من يسمع ومن يفعل،‮ ‬بعد‮ ‬غرق الجميع في بحار السلطة والسيطرة والاستغلال،‮ ‬وكأن سفنهم تحركها رياح الفرقة بين الآنا والآخر،‮ ‬أو باسترقاق الآخر،‮ ‬لكن هل سيستمر الحال إلي الأبد وهناك فرقة بين الأنا والآخر،‮ ‬هل سيستمر العداء والتعصب؟‮.. ‬أم لابد أن تأتي لحظة تسود فيها المحبة ويعم السلام؟‮.. ‬ونعود جميعا لما قاله الأسلاف،‮ ‬نتعلم منه ونرسم طريقنا إلي مستقبل تتكامل فيه القوي الإنسانية،‮ ‬لبناء عالم مليء بالخير والرفاهية للإنسان،‮ ‬بصرف النظر عن اللون والدين والعرق والجنس‮.‬